دخل قانون الإيجار القديم في مصر حيز التنفيذ رسميًا، عقب مصادقة الرئيس عبد الفتاح السيسي عليه، ليضع حدًا لعقود الإيجار الممتدة لعقود طويلة، ويطلق مرحلة انتقالية مدتها سبع سنوات تهدف إلى تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر تدريجيًا، ضمن خطوات قالت الحكومة إنها تسعى من خلالها لتحقيق “العدالة العقارية” وضمان “عدم تشريد أي مواطن”.
رفع تدريجي لقيمة الإيجارات
ينص القانون الجديد على رفع الحد الأدنى للإيجار الشهري للوحدات السكنية إلى 1000 جنيه في المدن، و400 جنيه في الأرياف، و250 جنيهًا في المناطق الاقتصادية. أما بالنسبة للعقارات غير السكنية (كمحلات تجارية، وعيادات، ومكاتب محاماة)، فستُرفع القيمة الإيجارية بمقدار خمسة أضعاف القيمة الحالية، مع تطبيق زيادة دورية بنسبة 15 بالمئة سنويًا على مدى الفترة الانتقالية.
ووفقًا للإحصاءات الرسمية، فإن القانون سيمس حياة نحو 6 ملايين مواطن، ويشمل ما يقرب من 3.016 مليون وحدة عقارية مستأجرة بنظام الإيجار القديم، منها نحو 1.9 مليون وحدة سكنية تأوي أكثر من 1.6 مليون أسرة، 600 ألف منها تدفع إيجارًا شهريًا يقل عن 50 جنيهًا، فيما لا تتجاوز أعلى قيمة إيجارية 900 جنيه شهريًا.
الحكومة تتعهد بالبدائل
في مواجهة المخاوف الاجتماعية من آثار القانون، أعلنت الحكومة المصرية عن جاهزية 240 ألف وحدة سكنية حالياً، يمكن تسليمها للمستأجرين الراغبين في مغادرة مساكنهم الحالية طوعًا. وتتوفر هذه البدائل وفق ثلاثة أنظمة: الإيجار المدعوم، الإيجار التمليكي، ونظام التمويل العقاري، بحسب ما أكده المستشار القانوني لجمعية المتضررين من قانون الإيجار القديم، أحمد البحيري، خلال حديثه إلى برنامج “بزنس مع لبنى” على قناة سكاي نيوز عربية.
وأضاف البحيري: “نحن جاهزون الآن لتسليم الوحدات السكنية لأي مستأجر يريد مغادرة الشقة وتسليمها لمالكها، في تأكيد على وعد الرئيس السيسي بعدم إلقاء أي مواطن في الشارع”.
البحيري: قانون الإيجارات القديم في مصر لا يُرضي الملاك
وجهات نظر متباينة: الملاك يصفقون والمستأجرون يتحفظون
ورغم أن القانون لم يحقق كافة مطالب الملاك، وفق البحيري، فإنه “خطوة ضرورية لوضع سقف زمني لعلاج عوار تشريعي استمر لأكثر من 100 عام”. ويُشير إلى أن الحد الأدنى الجديد للإيجارات “ما زال متدنيًا”، حيث يصعب إيجاد أي شقة حالياً في السوق بقيمة إيجارية لا تتجاوز 1000 جنيه.
ويتابع البحيري: “صحيح أن المدة الانتقالية سبع سنوات للسكني وخمس سنوات للتجاري، لكنها تمنح أملاً حقيقيًا للملاك لاستعادة حقوقهم بعد عقود من الظلم، في وقت يربح فيه كثير من المستأجرين أضعاف ما يدفعونه كإيجار رمزي”.
وفي المقابل، يعرب المستأجرون عن قلقهم من تداعيات القانون، خصوصًا الذين يقطنون في وحدات سكنية قديمة بعقود موروثة منذ منتصف القرن الماضي. وعلّق البحيري على ذلك بقوله: “من الطبيعي أن يشعر المستأجر بالحزن، لأنه عاش لأكثر من قرن في إقامة مجانية تقريبًا… لكن المنطق يفرض التغيير، خاصة وأن أسعار الكهرباء والمياه والغذاء ارتفعت، فلماذا يبقى الإيجار وحده دون تعديل؟”.
شقق مغلقة وثروات مجمدة
يثير القانون كذلك ملف الشقق المغلقة، إذ كشف البحيري أن “نحو 1.5 مليون وحدة سكنية بنظام الإيجار القديم مغلقة ولا يسكنها أحد، رغم أن هناك أزمة سكن واضحة في السوق العقاري المصري”. ويضيف: “كثير من هؤلاء المستأجرين يمتلكون مسكنًا أو أكثر، ولا يستخدمون هذه الوحدات إطلاقًا، ومع ذلك لا يستطيع المالك استرداد حقه”.
التحديات أمام التنفيذ
رغم التطمينات الحكومية، فإن تطبيق القانون يواجه تحديات واقعية، من بينها صعوبة تحديد عدد الشقق المغلقة بدقة، وقدرة المستأجرين على دفع القيمة السوقية للإيجارات، خاصة الفئات ذات الدخل المحدود. إلا أن البحيري شدد على أن “نسبة كبيرة من المستأجرين قادرون على الدفع”، وأن الحكومة خصصت بالفعل مساكن للفئات غير القادرة، في مناطق مثل القاهرة، الإسكندرية، المدن الجديدة، والبحيرة.
ويرى البحيري أن القانون يمثل “عودة للمنطق”، مذكرًا بأن تجربة مماثلة نُفذت بنجاح في تحرير أراضي الفلاحين في مصر قبل عقود، وأن نظام الإيجار الجديد مطبق منذ أكثر من 30 عامًا دون أزمات.
هل ينصف القانون الطرفين؟
يثير قانون الإيجار القديم نقاشًا مجتمعيًا واسعًا في مصر، بين من يراه انتصارًا لحقوق الملاك، وبين من يخشى أن يؤدي إلى تهجير أو إضعاف الفئات الهشة اقتصاديًا. غير أن الحكومة المصرية تؤكد أن فلسفة القانون تستند إلى تحقيق “التوازن بين الحقوق”، وأن المرحلة الانتقالية كفيلة بإتاحة الوقت والبدائل للمستأجرين للتأقلم أو الانتقال.
وفي الوقت الذي يتفاءل فيه بعض المراقبين بإعادة تنشيط السوق العقارية وإعادة توزيع الاستخدام العادل للثروة السكنية، يظل التنفيذ الفعلي خلال السنوات السبع القادمة هو التحدي الأبرز، لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.
هورايزون المالية: المعروض العقاري سيزداد في مصر