وفي الضفة، تواصل إسرائيل تكريس مشروعها الاستيطاني بأرقام صادمة عرضها الخبير في شؤون الاستيطان خليل التفكجي، الذي أكد أن الاحتلال استغل اتفاقيات السلام لتنفيذ أجندته التوسعية وتحويل الضفة إلى أمر واقع استيطاني.
لكن، خلف هذه البيانات، تتكشف تفاصيل لعبة طويلة من المراوغة والتأجيل، كما وصفها عضو المجلس الثوري لحركة فتح والمتحدث باسمها جمال نزال، في حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية.
يرى جمال نزال، أن “الأزمة الراهنة ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى تراكمات سنتين من الوعود بالانفراج خلال أيام، بينما استمرت الحرب بعد 7 أكتوبر، لتصل إسرائيل إلى السيطرة على نحو 40 بالمئة من غزة وسط دمار واسع”.
نزال اعتبر أن الطرفين، إسرائيل وحماس، أضاعا الوقت، وأن الشعب الفلسطيني كان الخاسر الأكبر بالدم والوقت، مضيفا أن “إسرائيل لم تُسقط حماس لكي لا تتحمل مسؤولية إدارة القطاع، وحماس راهنت على عنصر الوقت للبقاء في الحكم رغم إدراكها أن هذا أصبح مستحيلا.
وبين أن “النتيجة هي “لعبة المراوغة والتضليل” التي تقوم على استغلال قصر ذاكرة الرأي العام العالمي، وإرباك المتابعين بسيل متناقض من التصريحات والوعود”.
بحسب نزال، أبقت إسرائيل على وجود حماس بمثابة “لافتة” لتبرير تنصلها من مسؤولية إدارة غزة، رغم أن القانون الدولي، واتفاقية جنيف الرابعة، يلزمانها بضمان الغذاء والماء والأمان للمدنيين في أوقات الحرب.
وأشار إلى أن “وجود حماس في غزة سمح لإسرائيل بالادعاء أن هناك سلطة قائمة تدير الشؤون، بينما تواصل القصف والتدمير”.
ويرى نزال أن “الحل يكمن في التوصل إلى تبادل عاجل للمختطفين مقابل الأسرى الفلسطينيين، يتبعه انسحاب إسرائيلي ودخول السلطة الفلسطينية إلى غزة بضمانات عربية ودولية”.
وشدد “على أن ما يجري من قصف وتدمير لمبان مفرغة أو استخدام أسلحة ثقيلة في مناطق سكنية لا يحمل أي معنى عسكري، بل يهدف إلى التدمير الممنهج وتحويل القطاع إلى “أرض محترقة” تمهيدًا لفرض وقائع جديدة”.
في خضم هذا المشهد، توقف جمال نزال عند الموقف الإماراتي، الذي وصفه بالمبدئي والحاسم، فقد أعلنت الإمارات أن الضم خط أحمر، وأكدت أن أي محاولة إسرائيلية للالتفاف على القضية الفلسطينية لن تجد غطاءً عربيًا.
نزال أكد أن حركة فتح، تؤدي “التحية والاحترام للإمارات” على هذا الموقف، معتبرا أنه “أوقف أوهام إسرائيل بقدرة أي دولة عربية على إدارة ظهرها لفلسطين”.
كما شدد على أن “الاتفاقيات، سواء الإبراهيمية أو غيرها، لا قيمة لها إذا استمرت إسرائيل بسياسات الضم، مشيرًا إلى أن العرب أثبتوا أنهم قادرون على فرض كلمتهم”.
نزال لفت أيضا إلى أن “ما يميز اللحظة الراهنة هو وحدة الرؤية العربية الداعمة للشرعية الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير، على خلاف فترات سابقة شهدت انقسامات عربية. هذه الوحدة، برأيه، تمنح الفلسطينيين أوراق قوة جديدة، خصوصا في ما يتعلق بخطة عربية لإعادة إعمار غزة بعد وقف إطلاق النار”.
من جانبه، أوضح الخبير في شؤون الاستيطان، خليل التفكجي، خلال حديثه إلى غرفة الأخبار، أن “عدد المستوطنين في الضفة عند توقيع أوسلو 115 ألفا، أما اليوم فقد ارتفع الرقم إلى أكثر من 517 ألف مستوطن، إضافة إلى 170 بؤرة استيطانية جديدة فوق 160 مستعمرة قائمة أصلًا”.
ولفت إلى أن هذا التوسع، لم يكن عشوائيا، بل جزءا من مخطط استراتيجي بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي بخطط مثل “ألون”، وجرى تسريعه في ظل عملية السلام”.
التفكجي، أوضح أن “إسرائيل استغلت أوسلو ومناخ التسوية من أجل تكريس مشروعها التوسعي، عبر فتح شوارع استيطانية جديدة، وفرض سيطرة على الأغوار، والتطهير العرقي لفرض واقع ديمغرافي مختلف. بهدف منع قيام دولة فلسطينية بين النهر والبحر، واستبدالها بدولة إسرائيلية واحدة”.
كما شدد على أن هذا التوسع “ما كان ليتم دون الغطاء الأميركي، سواء المادي أو السياسي أو الدبلوماسي، من رفع خرائط “إسرائيل الكبرى” إلى تصريحات نتنياهو حول “الأرض الموعودة”.
واعتبر التفكجي، أن الموقف الأميركي متناقض، فمن جهة يضغط ترامب على حماس للإفراج عن الرهائن، ومن جهة أخرى تمنح واشنطن الضوء الأخضر للاستمرار في مخططاتها.
وبين التفكجي، أن الدعم الأميركي وصل إلى حد تنظيم فعاليات رمزية مثل فتح “طريق الحجاج” في القدس، في تحدٍّ واضح لقرارات الأمم المتحدة.
وعاد نزال ليوضح، أن المطلوب في هذه الأجواء من حركة فتح “ليس أجساما موازية أو مسميات جديدة، بل حكومة فلسطينية قائمة في رام الله تدير القطاع عبر لجنة إسناد مجتمعي منبثقة عنها، وفق ما طُرح في القمة العربية الطارئة في مصر”.
نزال انتقد حماس لبحثها عن “مسميات جديدة” في غزة، معتبرا أن ذلك “شكل من المراوغة في الوقت الضائع، وبرأيه، حتى عندما وافقت الحركة على مقترحات أميركية، فإنها لم تُقدم على الخطوة الحاسمة بتسليم إدارة غزة للسلطة الوطنية، وهو ما أبقى إسرائيل في موقع الرافض جنبًا إلى جنب مع حماس”.
الأخطر، وفق نزال، أن “بعض القواعد الشعبية في حماس تشارك إسرائيل في الرهان على اندثار الحكم الفلسطيني من الضفة، رغم أن السلطة تغطي أكثر من مليون ونصف المليون مواطن بالخدمات والتأمين، هذا التلاقي في رفض وجود السلطة، يرى نزال، يشكل تهديدًا مباشرًا لمستقبل المشروع الوطني”.
لم يقتصر تحذير نزال على غزة والضفة، بل أشار إلى أن “أي نجاح إسرائيلي في تهجير الفلسطينيين نحو سيناء أو الأردن سيخلق معادلة خطيرة تهدد المنطقة برمتها. المشروع الإسرائيلي “من النيل إلى الفرات” ليس مجرد شعار، بل خطر استراتيجي يطال المشرق والمغرب العربيين على حد سواء”.