بغداد- أشعل قرار المفوضية العليا المستقلة للانتخابات باستبعاد أعداد كبيرة من المرشحين من قوائم الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل جدلا واسعا في العراق، ففي الأيام الأخيرة، تصاعدت التساؤلات حول طبيعة هذه الإجراءات، ومدى وجود دوافع سياسية خلفها.

ورغم أن المفوضية بررت قراراتها بأسباب تتعلق بمخالفة قواعد السلوك، وعدم استكمال الوثائق، وقضايا المساءلة والعدالة والفساد، فإن الجدل ما زال مستمرا حول شفافية هذه القرارات وأثرها على المشهد السياسي.

وأوضحت المتحدثة الرسمية باسم المفوضية جمانة الغلاي الإجراءات المتبعة في عملية تدقيق أهلية المرشحين واستبعادهم، مؤكدة أن جميع الإجراءات قابلة للطعن أمام الهيئة القضائية.

صلاحيات المفوضية

وقالت الغلاي للجزيرة نت إن المفوضية هي الجهة الوحيدة المخولة بإصدار القرارات المتعلقة باستبعاد المرشحين، وذلك استنادا إلى البيانات والتقارير الواردة من الجهات المختصة بالتحقق. وأضافت أنها، فور استلامها قوائم المرشحين، تقوم بتدقيق البيانات الأولية قبل إرسالها إلى جهات التحقق المعنية.

وتشمل هذه الجهات -وفقا لها- وزارات التربية، والتعليم العالي، والداخلية، والدفاع، بالإضافة إلى مديرية الأدلة الجنائية، وهيئة الحشد الشعبي، وجهازي المخابرات ومكافحة الإرهاب، ومستشارية الأمن القومي، وجهاز الأمن الوطني، ومجلس القضاء الأعلى.

كما تستقبل المفوضية -حسب الغلاي- الإجابات من هذه الجهات، وبناء على ما يرد في تقاريرها، يتخذ مجلس المفوضين قرارا بشأن المرشحين المستبعدين.

وأكدت أنه بمجرد نشر قرار الاستبعاد على الموقع الرسمي للمفوضية، يحق للمرشح المتضرر الطعن فيه أمام الهيئة القضائية للانتخابات خلال 3 أيام من تاريخ النشر، مشددة على أن قرار الهيئة القضائية يكون باتّا وملزما للجميع.

مسؤولية كبيرة

من جانبه، حذّر السياسي العراقي المستقل مهند الراوي من خطورة الصراع السياسي المرتقب في الانتخابات المقبلة، مؤكدا أن المفوضية العليا للانتخابات أمام مسؤولية كبيرة لضمان نزاهة العملية.

وقال الراوي للجزيرة نت إن المفوضية بدأت باستبعاد مرشحين لأسباب تتعلق بمساءلتهم قضائيا، حيث استبعدت في قوائم أولية 68 شخصية، ثم أتبعتها بقوائم أخرى شملت 55 اسما من محافظة نينوى و75 من بغداد، فضلا عن استدعاء 400 آخرين للتحقق من شمولهم بقانون المساءلة والعدالة.

وأضاف أن التطور النوعي في هذه القضية هو احتمالية شمول شخصيات سياسية بارزة، مما قد يسبب هزات سياسية كبيرة، معربا عن أمله في أن تطبق المفوضية قراراتها بعدالة ودون انتقائية أو ضغط سياسي.

ووصف انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بأنها “الأعنف والأشرس” في الصراع السياسي، محذرا من “استخدام المال الفاسد والموارد الحكومية في الحملات الانتخابية”.

وحسب الراوي، فإن دخول “المال الفاسد” إلى البرلمان سيؤثر على أدائه التشريعي والرقابي، متمنيا أن “يتم استبعاد الفاسدين ومن تلطخت أيديهم بدماء العراقيين، ومن يحملون السلاح، بما يتوافق مع النص الدستوري الذي يحظر المشاركة السياسية لمن لديه أجنحة عسكرية”.

من جهته، أكد الباحث بالشأن السياسي سيف السعدي أن الساحة السياسية العراقية “تعمل للأسف ضمن معادلة خطيرة وهي الانتقال من قوانين العدالة الانتقالية إلى العدالة الانتقامية الانتقائية، حيث يتم تطبيق القوانين بشكل انتقائي على بعض المرشحين دون غيرهم”.

تساؤلات

وقال السعدي للجزيرة نت إن هذا الأمر يمثل خرقا للمادة الـ14 من الدستور التي تنص على مساواة العراقيين أمام القانون دون تمييز. وانتقد عمل هيئة المساءلة والعدالة، مشيرا إلى أن استبعاد ما يزيد على 400 مرشح يثير تساؤلات جدية، خاصة أن المنهاج الحكومي نص على حل هذه الهيئة.

ووفقا له، فإن الحل المقترح للهيئة لا يعني إلغاء الإجراءات، بل نقل الملفات إلى الدائرة القانونية لمجلس الوزراء والادعاء العام، مع إتاحة حق الاعتراض للمتضررين أمام القضاء، “مما يكشف زيف الادعاءات حول تسلل عناصر حزب البعث إلى مؤسسات الدولة، وهو ما أصبح مجرد شماعة لتشويه الحقائق”.

ودعا إلى ضرورة الانتقال من قوانين العدالة الانتقالية التي لا تزال سارية رغم مرور 22 عاما على النظام الجديد، مؤكدا أنها تعيق بناء نظام انتخابي ناضج يعيد ثقة الناخبين بالعملية السياسية ويخدم تطلعاتهم. وأضاف أن “الفساد أصبح جزءًا من بنية النظام السياسي، وهو ما يمنعه من تشريع قوانين تخدم الجمهور”.

عضو اللجنة القانونية بالبرلمان العراقي رائد المالكي الصفحة الشخصية فيس بوك

من ناحيته، أوضح عضو اللجنة القانونية بالبرلمان العراقي النائب رائد المالكي أسباب الزيادة الكبيرة في أعداد المرشحين المستبعدين من الانتخابات، من بينهم نواب وشخصيات تولت مناصب سابقة.

وقال للجزيرة نت إن هذا الارتفاع يعود إلى سببين رئيسيين:

  • الأول: التطبيق الصارم لأحكام قانون الانتخابات رقم 12 لسنة 2018 المعدل، والذي يطبق لأول مرة على الانتخابات النيابية، مشيرا إلى أن المادة 7/3 من القانون نصت على استبعاد فئة كبيرة من مرتكبي الجرائم المخلة بالشرف، والفساد المالي والإداري، والجرائم التي تضر بالسمعة، مؤكدا أن هذا الاستبعاد يُعد حكما قانونيا حتى وإن شمل قانون العفو هؤلاء الأفراد.
  • الثاني: تفعيل أحكام المساءلة والعدالة التي شهدت تساهلا وتغاضيا في السنوات الماضية. ولفت المالكي إلى أن تفعيلها أدى إلى شمول عدد كبير من المرشحين بالاستبعاد، مما يعكس جدية في تطبيق القوانين النافذة لضمان نزاهة العملية الانتخابية.
شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version