Published On 5/9/2025
|
آخر تحديث: 09:23 (توقيت مكة)
طولكرم- في منطقة المسقوفة بمدينة طولكرم بالضفة الغربية المحتلة، يقيم الخمسيني عبد السلام عودة داخل حافلة قديمة تحولت إلى مأوى له منذ 7 شهور، وبغصة يروي كيف انتهت رحلة نزوحه من منزله في مخيم طولكرم رفقة زوجته، إلى حياة قاسية داخل حافلة قديمة لتصبح بيتهما الوحيد.
ويوضح عودة أنه اضطر لمغادرة منزله تحت وابل من الرصاص الحي وقنابل الغاز، بعدما اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي مخيم طولكرم في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، وأجبر سكانه على النزوح.
وبعد أن تنقل المواطن لفترات متقطعة بين بيوت أقاربه في أحياء مختلفة من مدينة طولكرم، بدأ عودة يبحث عن حل أكثر استقرارا يجنبه حرج الاعتماد الدائم على الآخرين ويوفر له وزوجته قدرا من الخصوصية، ومن هنا ولدت فكرة السكن في حافلة قديمة.
بلا منزل أو عمل
يقول عبد السلام عودة للجزيرة نت “صحيح أنني أملك قطعة أرض، لكن لا أملك المال لبناء غرفة واحدة عليها، لذلك طلبت من صديقي أن يعطيني حافلة قديمة كان يحتفظ بها، فأعددت لها بابا، وجهزتها بما استطعت حمله من منزلي في المخيم من أغطية ووسائد، ومنذ ذلك الحين أصبحت بيتي”.
بالإضافة لفقد المنزل فقد المواطن مصدر دخله بعد النزوح، ولم يستطع إيجاد عمل إلا قبل أسبوع من لقائنا به، حيث يعمل سائقا بأجرة يومية، وكل ذلك زاد من ضنك الحياة عليه ومن ثقلها.
ويصف صعوبة الحياة في الحافلة بقوله “استطعت تدبر أمري فيها طوال هذه الشهور الماضية، لكني كنت مجبرا فلا بديل أمامي: إيجارات المنازل مهما كانت مساحتها وحجمها ثقيلة علي، ولا يوجد أي جهة تقدم المساعدة للنازحين”.
ويضطر الزوجان إلى قضاء معظم ساعات النهار خارج الحافلة هربا من حرارتها الخانقة، فلا يعودان إليها إلا مع حلول المساء، وعن ذلك يقول “نحاول قدر المستطاع ألا نبقى هنا في النهار، فالأجواء شديدة الحرارة، وقد وضعت قطعا من القماش على سطح الحافلة لتخفيف حدة الشمس، ومع ذلك نلجأ إلى زيارة الأقارب أو نمضي الوقت في المساجد حتى تهدأ الحرارة”.
ذاكرة المخيم
داخل الحافلة التي تحولت إلى غرفة ضيقة، يجلس المواطن عودة يقرأ كتابا عن الذاكرة الفلسطينية، فتستحضر ذاكرته أيام حياته بالمخيم، ليقول “كنا نعيش بكرامة، لكن إسرائيل حاولت انتزاعها بتهجيرنا وتدمير المخيمات، فالنزوح عبء ثقيل على النفس، وهذه الأزمة طالت كثيرا ولا تلوح في الأفق أي بوادر لحل”.
ويضيف “أحن إلى منزلي كثيرا، كنت أعيش فيه بكل راحة، كنا عائلة كبيرة في المخيم الكل يسأل عن الكل”.
وتتشابه حكاية عودة مع قصص كثير من نازحي طولكرم الذين تقطعت بهم السبل، وتوزعوا بين مدارس للإيواء، وجمعيات محلية، وقرى متفرقة داخل المحافظة.
فعلى أطراف بلدة بلعا يعيش أبو صابر مشّه مع عائلته المكونة من 6 أفراد داخل مخزن مكشوف السقف يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة والخدمات الأساسية.
بلا سقف
يقول مشّه إنه اضطر للانتقال بعائلته إلى ذلك المخزن بعد فترة قصيرة من الإقامة في بيوت معارفه، موضحا أنه حاول تغطية سقفه بقطع من البلاستيك والقماش ليحتمي وأطفاله من الشمس والمطر.
ويشرح -للجزيرة نت- تفاصيل معاناته اليومية في مكان لا يصلح للعيش، خصوصا مع وجود الأطفال، قائلا “همي الأول اليوم أن أتمكن من تسجيل أبنائي بالمدرسة حتى لا تضيع عليهم السنة الدراسية”.
وأوضح أن “أقرب مدرسة تبعد عنا نحو 25 دقيقة بالسيارة، وهذا يعني تكلفة مواصلات يومية باهظة. وحتى لو توفرت، فإن وعورة الطريق تجعل وصول سيارات الأجرة إلى هنا صعبا للغاية”.
وتتفاقم معاناة عائلة مشّه مع الخطر الدائم الذي يشكله انتشار الزواحف والحشرات السامة بالمنطقة الترابية الصخرية، ورغم محاولاته المتكررة للتواصل مع البلديات القريبة من أجل تزويده بخطوط مياه وكهرباء، لم يتلق أي استجابة منذ أشهر.
ويضيف “نشتري صهاريج المياه مرة كل أسبوع، وقد منحني أحد الجيران خطا كهربائيا من منزله بالكاد أشغل به إضاءة صغيرة وثلاجة، وهذه ليست مقومات حياة طبيعية يمكن أن تعيشها عائلة”.
عاجل | مصادر للجزيرة:
– الاحتلال يواصل عمليته العسكرية في طولكرم ومخيماتها وسط تهجير مستمر للفلسطينيين من منازلهم
– التعزيزات العسكرية لا تزال تصل إلى طولكرم من جميع الحواجز المحيطة بها pic.twitter.com/pccS6cOgDb— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) February 25, 2025
وفي تصريح سابق للجزيرة نت، قال فيصل سلامة نائب محافظ طولكرم إن المشروع توقف بعد رفض الاحتلال الإسرائيلي، وتهديده بهدم أي تجمع جديد يقام للنازحين بحجة عدم السماح بإنشاء مخيمات جديدة.
واليوم يحاول مشّه مواجهة برد الشتاء القادم بإمكانياته البسيطة، إذ بدأ باستبدال الشادر الذي يغطي سقف المخزن بألواح من الصفيح (الزينكو) في محاولة منه لتقليل تسرب مياه المطر إلى الداخل.
ويقول “أعرف أن ألواح الصفيح (الزينكو) لن يحمينا من المطر بالكامل، ولن يصد برودة الجو، لكن لا خيار آخر لدي، بالكاد أستطيع توفير الطعام لعائلتي بعد أن فقدت عملي داخل أراضي الـ48، وحتى الآن لم أجد مصدر رزق جديد، أما وسائل التدفئة فلن تتجاوز إشعال النار والحطب”.
وتشير التقديرات إلى أن قرابة 26 ألف مواطن فلسطيني طردتهم إسرائيل من منازلهم في مخيمات طولكرم، منذ بدء عملية السور الحديدي، ويعيش النازحون ظروفا اقتصادية واجتماعية صعبة، وتعجز الحكومة عن توفير بدائل للسكن، مع تدمير جيش الاحتلال قرابة 400 منزل بشكل كامل، و2573 منزلا بشكل جزئي في مخيميْ نور شمس وطولكرم.