نابلس – أكثر من ربع قرن مضى على اعتقال القائد الأسير الفلسطيني حسن سلامة (54 عاما) المحكوم بـ48 مؤبدا، والذي يقبع معزولا في سجن “جانوت” الإسرائيلي بصحراء النقب منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى جانب عدد من رموز وقيادات الحركة الأسيرة.

وعاشت غفران الزامل، المنحدرة من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، رحلة انتظار لا تقل قسوة، امتدت لأكثر من 16 عاما منذ ارتباطها به.

ومنذ البداية، اختارت غفران هذا الطريق بوعي كامل، معتبرة نفسها شريكة في معاناة حسن ودربه، وتقول للجزيرة نت “كنت مدركة أنني مقبلة على سنوات طويلة من الانتظار، لم يكن الإفراج عنه أو عدمه جزءا من حساباتي، بل اعتبرت نفسي شريكة معه في كل التفاصيل”.

تتحدى الانتظار

لم تسمع غفران صوت حسن في أول عامين من الخطبة، إذ كان في العزل الانفرادي لمدة سنتين، وكان التواصل فقط عبر الرسائل الورقية، ورغم ذلك ظل الأمل حاضرا. وتضيف “بعد عامين كانت المرة الأولى التي أسمع فيها صوته عبر أجهزة اتصال مهربة داخل السجن”.

وردا على سؤال الجزيرة نت حول ما يمنحها تلك القوة التي تجعلها تصبر وتواصل الانتظار، تقول غفران “حسن نفسه، وصموده في العزل، وصبره على التعذيب والحرمان، وثباته النفسي رغم كل هذه السنوات، تجعلني أستصغر أي معاناة أمرّ بها”.

وتقول إن كل أسير محرر التقى حسن أكد لها أن السجن لم يُغيّره، بل ظل متمسكا بالأمل واليقين بأن الحرية قريبة، وتعتبر أن ذلك اليقين زادها اليومي، ومنه تستمد قدرتها على الاستمرار.

ولم يؤثر انتظار غفران لحسن على حياتها اليومية وخططها المستقبلية، وتؤكد أنها تحاول أن تعيش حياتها بشكل طبيعي قدر المستطاع، حيث أكملت دراستها للماجستير وتخرجت عام 2018 بتقدير جيد جدا، ثم واصلت التحضير لنيل درجة الدكتوراه، رغم ما شكّله منع السفر من عائق أمامها.

وتضيف أنها خططت مع حسن لحياتهما بتفاصيلها الدقيقة وكأن الإفراج سيكون غدا، من تجهيز البيت في غزة إلى اختيار أسماء أبنائهما، غير أن حرب الإبادة الأخيرة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة سرقت منهما البيت والأرض معا، في ثمن جديد يدفعه الشعب الفلسطيني يوميا. ورغم الخسارة، تؤكد أن التخطيط لم ينتهِ، وأن اللقاء قادم لا محالة.

وأمام سنوات الانتظار الطويلة، لم تسمح غفران لنفسها بأن تنكسر، وترى أن صمودها ليس خيارا شخصيا فحسب، بل جزءا من معركة ممتدة مع الاحتلال، يحاول فيها أن يهزم الأسرى وعائلاتهم نفسيا قبل أي شيء آخر. وتقول “إذا كُسرنا نفسيا أو اجتماعيا يكون الاحتلال قد حقق هدفه”.

لذلك، تسند حياتها إلى الإرادة والعزيمة، وتجد في تضامن زوجات وأهالي الأسرى شبكة أمان تعينها على الثبات، فخلف جدران السجون أكثر من 10 آلاف أسير، وخارجها آلاف العائلات المعلّقة على أمل اللقاء، مما يجعل الرسالة أكبر من معاناتها الفردية.

ولم يكن قرار غفران الارتباط بحسن سهلا بالنسبة لعائلتها، لكنه لم يكن غريبا أيضا، فقد خبرت أسرتها معنى الفقد والبعد بين شهيد وأخ مُبعد، فكان من الطبيعي أن تتفهم ارتباطها بقضية وطنية مثل قضية حسن.

ومنذ اللحظة الأولى، أحيطت بالدعم والقبول، وساندوها في كل محطات الانتظار، ولم تكن وحدها في الطريق الطويل، إذ كانت رفيقاتها وأخواتها إلى جانبها دوما، يقدمن لها العون والرفقة، لتصبح شبكة الدعم هذه درعا يحميها من الانكسار ويعينها على اجتياز المحن.

أمل الصفقات

وتتتابع غفران الحديث عن صفقات التبادل المحتملة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وتعتبرها نافذة أمل لجميع أهالي الأسرى، لاسيما المحكومين بالمؤبدات، وتضيف “كل خبر عن الصفقة هو بارقة أمل جديدة، في المراحل الأولى شاهدنا أسرى المؤبدات يخرجون بعد أكثر من 30 عاما، وهذا منحنا أملا كبيرا”.

ولدى غفران أمل كبير بأن تشمل الصفقة القادمة حسن وباقي الأسرى القادة، خاصة أن ملف الأسرى القدامى والمؤبدات حاضر دائما في أي مفاوضات، وتقول إن الإفراج عنه “أمل حياتي وأنتظره منذ خطوبتنا قبل 16 عاما، وحريته بالنسبة لي حياة جديدة، وبالنسبة له هي أبسط حقوقه بعد كل هذه السنوات من العذاب”.

ولا تستطيع غفران رسم صورة واضحة للحظة الإفراج عن حسن وشكل حياتهما بعدها، وتردف “أحيانا أحاول أن أتخيلها لكني أفضل أن أتركها للحظة الحقيقية لتترجم كل الشوق والحنين”، وتضيف أنها تنتظر حسن بكل يقين وتسليم لله بأن حريته قريبة، مؤكدة أن غيابه عن الصفقات السابقة لم يبدد إيمانها بأن موعده مع الحرية سيأتي حتما.

والانتظار هو عنوان حياة غفران وأمثالها من زوجات وأهالي الأسرى، الأمر الذي جعل الحياة اليومية جزءا من المعاناة المستمرة، لكنها لا تستسلم لها، وتؤكد “نحن شركاء في معركة الأسرى، وصمودنا جزء من صمودهم، والاحتلال يريد كسرنا، لكننا نمارس حياتنا ونعمل ونتعلم، وهذه بحد ذاتها رسالة مقاومة”.

قسوة السجن والعزل

ويعيش الأسير حسن سلامة -حسب رسالة بعثها لغفران عبر المحامي الذي زاره مؤخرا بعد منع طويل- ظروف عزل قاسية منذ سنتين، حيث الاقتحامات المتواصلة للزنازين، ويتعرض لاعتداءات وضرب وتعذيب، وينال طعاما شحيحا يفتقد لأبسط المكونات مثل السكر والملح، وكذلك يُحرم الأسرى من “الفورة” (ساحة السجن) لأيام أو حتى أسابيع، ويخضع ذلك لمزاج الضابط الإسرائيلي.

وتقول غفران “أكد حسن أن الأسرى المعزولين يتعرضون لظروف أقسى من غيرهم من المعتقلين، خاصة في عزل سجن مجدو الذي يُعد الأسوأ حاليا؛ فمدير السجن من الدروز (إسرائيلي درزي)، وهذا زاد من قسوة التعامل والاعتداءات”.

وأوضحت أن زيارات المحامين تكاد تكون معدومة، فآخر زيارة لحسن كانت بتاريخ 17 أغسطس/آب الجاري، وبعض الأسرى لم يُسمح لهم إلا بزيارة واحدة أو اثنتين منذ اندلاع الحرب قبل 22 شهرا، إضافة إلى أن التواصل بين المعزولين ممنوع تماما، وكل من يحاول يتعرض للعقاب والضرب.

وتصف غفران المعاناة الصحية لحسن وباقي الأسرى في عزل جانوت، قائلة “الوضع الصحي مأساوي”، فمنذ بداية الحرب لم يتلق أي أسير العلاج اللازم، مما فاقم معاناتهم بشكل كبير، وخاصة الأسرى من كبار السن مثل عبد الخالق النتشة ورزق الرجوب، والذين يحتاجون لعلاج عاجل.

وتضيف “آخرون بحاجة إلى نظارات أو أدوية لأمراض مزمنة كالروماتيزم، لكن لا علاج يُقدّم لهم حتى لو قدّموا طلبا عبر المحكمة الإسرائيلية يحتاج الأمر شهورا، وبلا نتيجة”.

ورغم سياسات الاحتلال الهادفة لكسر معنويات الأسرى، فإنهم توقعوا هذه الحملة في اللحظات الأولى لاندلاع الحرب وهم يواجهونها بالصبر والإرادة. وتعقب غفران “خيارهم الوحيد هو الصمود والتحمّل، وهذا ما يمنحهم القوة رغم القسوة، ولم يعد لديهم وسيلة أخرى، فالقانون معطّل والحقوق منتهكة”.

ويعد حسن سلامة، المولود في قطاع غزة، من أبرز قادة كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسىلامية (حماس)، واعتقلته إسرائيل عام 1996 في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، ويقضي حكما بالسجن المؤبد 48 مرة و30 عاما إضافيا، قضى منها 13 عاما في العزل الانفرادي، ليغدو أحد أكثر الأسرى استهدافا بسياسة العزل والحرمان.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version