بغداد/أربيل- شهدت الأيام الماضية تصعيدا حادا في التوتر بين بغداد وإقليم كردستان العراق، وذلك عقب سلسلة من الهجمات بطائرات مسيّرة “مجهولة الهوية” استهدفت مناطق متفرقة من الإقليم، ولا سيما قرب أربيل.

وقد طالت هذه الهجمات المحافظات الثلاث في كردستان، حدثت الأولى قرب مقر اللواء 70 للبشمركة في السليمانية، والثانية بمدرسة في مخيم للنازحين بإدارة زاخو المستقلة، واستهدفت الثالثة مقر “التحالف الدولي” في مطار أربيل الدولي دون أن تتسبب في أضرار مادية.

وأصدرت وزارة داخلية الإقليم بيانا أوضحت فيه أن الطائرة سقطت، مساء الخميس الماضي، في منطقة نائية قرب أربيل، متهمة بعض الفصائل التابعة للحشد الشعبي بتنفيذ هذه الهجمات بهدف “إثارة الفوضى وزعزعة استقرار الإقليم”.

تبادل الاتهامات

ونفت الوزارة، في الوقت نفسه، صحة تقارير إعلامية إيرانية تحدثت عن استهداف مقر إسرائيلي في أربيل، مؤكدة عدم وجود أي مقر من هذا النوع في كردستان وواصفة تلك الأنباء بأنها “لا أساس لها من الصحة”.

من جهتها، طالبت حكومة الإقليم سلطات بغداد بتحمل مسؤوليتها واتخاذ إجراءات قانونية ضد الجهات المنفذة، معتبرة تكرار هذه العمليات “انتهاكا واضحا للسيادة العراقية وتهديدا لأمن كردستان والعراق عموما”.

بالمقابل، سارعت الحكومة الاتحادية في بغداد، أمس السبت، إلى تأكيد رفضها للاتهامات التي وجهتها سلطات كردستان لقوات الحشد الشعبي بالوقوف وراء هذا الهجوم.

وشدد المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عبر منصة “إكس”، على أن الاتهامات “مرفوضة ومدانة وغير مسموح بها تحت أي ذريعة”.

وأكد أن الحكومة الاتحادية “لم ولن تجامل على حساب أبناء العراق الواحد وأمنهم. ولن تتردد في اتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة بحق أي جهة تحاول المساس بالاستقرار أو الإخلال بالأمن في جميع أنحاء العراق”.

ولم تمضِ ساعات حتى أصدرت وزارة داخلية كردستان بيانا آخر اتهمت فيه الحكومة العراقية بالتنصل من مسؤوليتها تجاه الهجمات المستمرة “منذ سنوات” ضد الإقليم، وتحديدا مدينة أربيل، “على الرغم من معرفة الجهات المنفذة ومصادر إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة”.

كما اتهمتها بالتستر على منفذي الهجمات، مشيرة إلى لجان تحقيقية مشتركة لم تُعلن نتائجها للرأي العام، على الرغم من توفر الأدلة، مؤكدة أن حماية المواطنين والسيادة من أولويات جميع الحكومات.

دور خارجي

في تصريح للجزيرة نت، أوضح الفريق الأول والخبير العسكري والأمني جبار ياور، أن استمرار الهجمات يأتي ضمن الصراع الإيراني-الإسرائيلي، وتنفذها جماعات مسلحة معروفة باسم “المقاومة الإسلامية في العراق”، مرجحا وجود دور إيراني غير مباشر.

وقال ياور إن هناك حاجة ملحة لتشكيل لجنة مشتركة من خبراء فنيين وعسكريين وإعلاميين من بغداد وأربيل للتحقيق في نوع الطائرات ومصادرها والجهات التي أرسلتها، مؤكدا غياب مثل هذه اللجنة أو أي توضيحات رسمية حتى الآن.

ووفقا لياور، فإنه على الرغم من غياب الأدلة القاطعة، فإن اتجاه تحليق الطائرات ومواقع سقوطها وأنواعها تشير إلى أنها تحمل بصمات الجماعات التي استهدفت سابقا قواعد ومقرات قوات التحالف الدولي في الإقليم. واعتبر أن “صمت” بغداد مرتبط بالوضع الإقليمي، حيث لا ترغب في تحويل هذه الجهات إلى أهداف مباشرة مستقبلا.

من ناحيته، أكد اللواء الركن المتقاعد عماد علو، مدير “مركز الاعتماد للدراسات العسكرية”، أن التصعيد والهجمات العسكرية بالمسيّرات على أهداف داخل إقليم كردستان وخارجه، تأتي بعد انتهاء فترة المواجهة المسلحة بين طهران وتل أبيب، و”تمثل محاولة من قبل جهات غير معلنة لجر العراق إلى أتون هذه المواجهة المسلحة، ولإبقائه ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات والصراعات، خاصة بين إيران وإسرائيل”.

وبرأي علو، في حديث للجزيرة نت، هنالك توتر في العلاقة بين بغداد وأربيل على خلفية عدد من الملفات، من ضمنها ملف الرواتب والهجمات التي تعرضت لها بعض المواقع في كردستان بطائرات مسيّرة.

وأكد أن هذه التطورات تأتي في سياق هجمات استهدفت مواقع عسكرية ورادارات، منها قسم يستضيف قوات أميركية وأخرى تابعة للتحالف الدولي، مما تسبب في أضرار لبعض الرادارات.

عماد علو مدير مركز الاعتماد للدراسات العسكرية

ضبابية وغموض

من ناحية أخرى، لفت اللواء المتقاعد علو إلى استخدام طائرات مسيّرة وصواريخ كاتيوشا في هذه الهجمات، وأن الصور تدل على أن هذه الأسلحة دخلت العراق حديثا، وهي مسألة -باعتقاده- لا تزال تشوبها الضبابية والغموض.

وقال إن البيانات الصادرة من الجهات العسكرية والمسؤولين لم تشر بوضوح إلى الجهة التي تقف وراء هذه الهجمات، لافتا إلى أن أسلوبها يشابه ذلك الذي اتبعته “الاستخبارات الصهيونية” عند مهاجمتها للأهداف داخل إيران باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ.

وشدد على أن استمرار ما وصف بعدم شفافية هذه البيانات يثير القلق والمخاوف لدى الشارع العراقي الذي يتوجس من امتداد حالة المواجهة واستخدام السلاح ذي التدمير الكبير إلى استهداف مواقع داخل الأراضي العراقية، و”بالتالي سيذهب البعض ضحايا لهذه المواجهات التي لا دخل للعراق بها في هذه المرحلة على الأقل”.

ووفقا له، فإن الحقيقة التي يجب الوقوف عندها هي أن الأسلحة المستخدمة، سواء الصواريخ أو الطائرات المسيّرة، هي أسلحة بمديات قصيرة لا تتجاوز 10 كيلومترات، وهذا يعني أنها أطلقت من داخل الأراضي العراقية.

وأكد أن الأجهزة الأمنية مسؤولة عن مطاردة وملاحقة الجهات التي قامت بهذه الأعمال التي تخل بالأمن والاستقرار في الداخل العراقي “لتجنيب البلاد أي تورط في صراعات ليست طرفا فيها”.

وقال علو إنهم ينتظرون نتائج اللجان التحقيقية التي تم تشكيلها من قبل قيادة العمليات المشتركة لتوضيح حقيقة ما يحصل، ومن هي الجهات التي تقف وراء هذه الهجمات التي قد “تدفع حالة الأمن والاستقرار الداخلي في العراق إلى مواقع لا نرغب بها”.

وحذر من “استخدام السلاح في الصراعات الانتخابية” مع استعداد القوى السياسية لدخول الانتخابات التشريعية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version