يُطلق جون ريندون على نفسه لقب “فارس المعلومات”، لكن اللقب الأدق هو: “خبير التضليل الإعلامي”، وفقا للمجلة الفرنسية لونوفيل أوبسرفاتور التي أعادت اليوم نشر تقرير كتبته في فبراير/شباط 2003 ضمن سلسلة تقارير عنونتها بـ”تاريخ الإمبراطورية الأميركية”.

ولإتقانه لدعايته السرية، تقول المجلة، ظل ريندون لأكثر من 20 عاما الرجل الذي يلجأ إليه البنتاغون كلما أراد شن حرب دعائية أو غيرها كما في نيكاراغوا، لإضعاف معنويات الساندينيين، وفي بنما، لزعزعة استقرار الجنرال نورييغا، وكذلك في البلقان، وهاييتي وأفغانستان… ولكن أرض اللعبة المفضلة لريندون كانت العراق.

فمنذ عام 1990 إلى 2003، لم يتخلف جون ريندون عن المشاركة في أي محاولة انقلاب على الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين أو أي محاولة لزعزعة استقرار حكمه.

وتذكر المجلة أن ريندون أنشأ محطات إذاعية موجهة إلى بغداد، ركزت برامجها على السخرية من  صدام، كما أنشأ منظمات عميلة مثل “التحالف من أجل العدالة في العراق”، وهو الذي أطلق، بناءً على طلب من وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، اسما على إحدى حركات المعارضة الرئيسية في المنفى، وهي الحركة الوطنية العراقية التي كان أحد قادتها موظفا سابقا في مجموعة ريندون.

وريندون هو الرئيس والمدير التنفيذي لهذه المجموعة التي تصف نفسها بأنها شركة اتصالات إستراتيجية عالمية لها حضور في أكثر من 120 دولة.

وكان ريندون هو رأس الحربة في الهجوم الإعلامي المكثف الذي شنه صقور فريق الرئيس الأميركي جورج دابليو بوش لإقناع النخب والجماهير الأميركية بضرورة شن حرب على العراق في عام 2003.

ابتداءً من سبتمبر/أيلول من تلك السنة، تقول المجلة، إن عدة منظمات كلفت بـ”تسويق” هذه الحرب لم تكن تحظى بشعبية كبيرة، وكان لكل منها مهمة، فعلى سبيل المثال، بادر البيت الأبيض بإنشاء “لجنة تحرير العراق”، وهدفها الرسمي هو “الترويج للإطاحة بصدام حسين”.

وقد خصص لهذه المنظمة منزل فخم في مبنى الكابيتول هيل بواشنطن، في موقع قريب جدا من الكونغرس، وفي مقرها الجديد، دأب قادة اللجنة على تنظيم حفلات عشاء للصحفيين مع مسؤولي البنتاغون، ووجبات إفطار مع مستشاري الرئيس، وجلسات إحاطة مع “متخصصين” في شؤون الشرق الأوسط، وجميعهم، بالطبع، يدعمون نفس الخط السياسي العدائي.

وتقول لونوفيل أوبسرفاتور إن هذه الصيغة (لجنة مُخصصة لجذب اهتمام وسائل الإعلام) حققت نجاحا باهرا عدة مرات في الماضي، ففي عام 1990، نجحت حركة “مواطنون من أجل كويت حرة”، التي لم تدم طويلا، في إقناع أميركا المُترددة بشن حرب الخليج. وعلى سبيل المثال، نجحت هذه الحركة، بدعم من جورج بوش الأب، في إقناع الكونغرس والصحافة العالمية بأن الجنود العراقيين قتلوا أطفالا كويتيين بإخراجهم من حاضناتهم، وهو ما ثبت لاحقا أنه غير صحيح.

وتضيف المجلة أن جيمس وولسي، وهو مدير سابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية في التسعينيات، جاب في عام 2002، العالم باحثا عن أدلة تربط العراق بهجمات مركز التجارة العالمي، لكن من دون جدوى. غير أن ذلك لم يمنعه من الدفاع، بكل ما أوتي من قوة، عن نظرية تواطؤ بغداد مع إرهابيي 11 سبتمبر/أيلول.

وكانت القنوات التلفزيونية تستضيف العديد من أعضاء هذه اللجنة المُشجِّعة للحرب، يوميا تقريبا ويُشاهَد هؤلاء الصقور ذوو المراتب العالية، ويُسمَعون، ويُقرأ عنهم في كل مكان، في الولايات المتحدة وحول العالم. وتُشارك شركة بينادور أسوشيتس، إحدى شركات العلاقات العامة الأميركية الرائدة، بنشاط كبير في الترويج الدولي.

وشملت المرحلة الثانية من خطة الاتصالات المؤيدة للحرب، إنشاء هيئة عامة مسؤولة عن نقل وتضخيم رسائل الرئيس بوش الحربية إلى الخارج، وهي “مكتب الاتصالات العالمية”.

ويرأس تاكر إسكيو، وهو من مؤيدي بوش المخلصين، هذا الجهاز الدعائي ويتحدث عن مهمته قائلا: “أنسق أنشطة المتحدثين الرسميين الرئيسيين باسم الإدارة، بحيث تصل رسالة واحدة فقط يوميا”.

وبمعنى آخر، هو المسؤول الرئيسي عن “الهجوم”، وهو من جمع ونشر ملفات البيت الأبيض المزورة عن العراق (بلغت تكلفة تلك العملية حسب صحيفة تايمز اللندنية: 225 مليون دولار)، وصرح قائلا: “لقد نشرنا صور الأقمار الصناعية للمواقع النووية قيد الإنشاء”.

ومع ذلك، وبعد زيارات عديدة، لم يعثر مفتشو الأمم المتحدة على أي شيء مثير للريبة في هذه المواقع المحددة. هل نُقلت المواد المحظورة بعد نشر الصور؟ هذا ما طرح آنذاك، وعلى أي حال، فإن هذه الملفات لم تقنع الكثيرين، وفقا للمجلة.

لكن، ورغم كل الجهود التي بذلت لـ”ترويج” الحرب، لاحظ العاملون على ذلك أن الرأي العام لا يزال غير مقتنع بها، وهنا أصبحوا يفكرون في “إجبار” الرأي العام على ذلك عبر المزيد من الخطوات: “فماذا لو، على سبيل المثال، دفعنا أموالا لصحفيين من دولة حليفة مهمة، مثل فرنسا، لكتابة مقالات مؤيدة؟”، يتساءل أحدهم.

وتنقل المجلة عن صحيفة نيويورك تايمز أن البنتاغون دأب في تلك الفترة على إثارة مثل هذه الأفكار، إذ كشفت أنه حتى في فبراير/شباط 2002، كان هناك مكتب يتولى مهمة عمليات التضليل يطلق عليه: مكتب التأثير الإستراتيجي (OSI)، والذي كان له الحق في تنظيم انقلابات، حتى في الدول الصديقة، وكان جون ريندون أحد ركائزه الرئيسيين.

وبعد نشر ذلك المقال، بلغت الفضيحة مداها لدرجة أن وزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد اضطر للإعلان عن إغلاق ذلك المكتب لكن أنشطة البنتاغون السرية، التي لطالما شابها التشهير، لم تتوقف.

بل كان رامسفيلد نفسه هو من كشفها، في نوفمبر/تشرين الثاني 2002، أمام عدد من الصحفيين: “قلتُ (لمن يهمه الأمر): حسنا، تريدون القضاء على هذا الشيء. حسنا، يمكنكم دفن الاسم. لكنني سأواصل فعل ما يلزم. وقد فعلتُه”.

وهنا تقول المجلة إن الناس يتذكرون الشهادة الغريبة لمن قيل إن لها علاقات مزعومة مع صدام حسين، وهي امرأة مجهولة قالت إن لها علاقات خاصة مع الرئيس العراقي وإنه تحدث عدة مرات مع بن لادن، وهي عملية تضليل من تدبير جون ريندون ولم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، وفقا لما ختمت به لونوفيل أوبسرفاتور مادتها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version