لندن- يشكو اللاجئون السوريون في المملكة المتحدة من توقف النظر في طلبات اللجوء أو الإقامة الدائمة لفترات طويلة، مما يحرمهم من الحصول على بطاقة هوية رسمية أو وثائق تثبت حقهم في العمل أو استئجار السكن.
ويمكن أن تتسبب هذه العقبة القانونية بتعطل قدرتهم على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، ما يزيد من حالة عدم اليقين والإحباط بين اللاجئين الذين ينتظرون فرصتهم للاندماج والعيش بكرامة.
ويصفون هذا الأمر بحالة “الانتظار القسري” ويقولون إنها مزقت العائلات وتسببت بمعاناة نفسية شديدة، وأغلقت أمامهم آفاقهم المهنية والاجتماعية، مطالبين بتحرك عاجل لإنهاء هذا الوضع.
وفي محاولة لتسليط الضوء على معاناتهم، استضاف النائب عن حزب العمال ديفيد تايلور مجموعة من اللاجئين السوريين في مجلس العموم البريطاني، الإثنين الماضي، في اجتماع نظمته منظمة “أسيلم ماترز”، و”ريثينك ريبلد سوسايتي”، و”مجموعة العمل والمناصرة السورية”.
أوضاع متدهورة
وناقش الاجتماع الذي شارك فيه “الائتلاف السوري البريطاني”، تدهور أوضاع اللاجئين السوريين بسبب تعليق الحكومة البريطانية البت في طلبات اللجوء ومنح الإقامة الدائمة “آي إل آر” لهم.
وأكد المشاركون أن العودة لبلادهم ليست خيارا آمنا في الوقت الحالي، ويقول عن ذلك أيهم طه للجزيرة نت “نحن لا نحتاج إلى من يذكّرنا بحب الوطن، نحن نحبه، لكن العودة في ظل هذه الظروف قد تكلفنا أرواح أطفالنا”.
وأبدت غني الشومري، وهي باحثة دكتوراه، قلقها من انتشار بعض أعمال الفوضى في سوريا، مستدلة بالأحداث الأمنية في محافظة السويداء حيث قتل العشرات وأصيب المئات، وسط تساؤلات بشأن تعريف سوريا الآمنة لدى الحكومة البريطانية.
وفي شهادة مؤثرة، قالت عفراء هاشم -وهي صحفية سورية حائزة على جائزة بريطانية كبرى- للجزيرة نت: “لم نعد نحلم بمستقبل لأنفسنا، كل ما نرجوه أن نكون جسرا يعبُر عليه أطفالنا نحو غد أفضل، لم نعد نطالب بالكثير، فقط أن نُعامل بكرامة وتُحترم إنسانيتنا”.
كما أشار عدد من الحضور إلى تدهور الحالة النفسية لأطفالهم الذين فرّوا قسرا من الحرب، وسط شعور لديهم باليأس وفقدان الأمل بالمستقبل، وهو ما أكده الدكتور فريد، وهو طبيب سوري أتم دراساته العليا في جامعة أكسفورد قبل أن يُمنع من ممارسة الطب مما أدى إلى تدهور حالة ابنه النفسية.
بدوره، يشير المواطن الكردي عارف محمد إلى التشكيك المتواصل في ولائهم لسوريا، وأنهم يُتهمون “غالبًا بالانتماء إلى منظمات محظورة، رغم أن كثيرين منهم فروا من تلك الجماعات بحثًا عن الأمان الذي فقدوه في وطنهم”.

ضغط ممنهج
ويُجمع المشاركون في الفعالية على رفض أي شكل من أشكال العودة غير الطوعية للاجئين، مؤكدين أن “الإعادة القسرية” تتجاوز الترحيل المباشر لتشمل السياسات التي تضيق على اللاجئين وتدفعهم للمغادرة قسرا”، واعتبروا أن حرمان الأفراد من العمل أو التعليم أو السكن يشكل ضغطا ممنهجا يؤدي إلى مغادرة غير طوعية.
ويقول مازن غريبة وهو من “الائتلاف السوري البريطاني” متحدثا عن السلطات البريطانية “إنهم لا يُجبروننا على ركوب الطائرة، لكنهم يحاصروننا في تفاصيل حياتنا اليومية، وهذا شكل خفي من الإعادة القسرية ويجب إدانته بوضوح”.
من جهتها، تساءلت إحدى المشاركات -التي طلبت عدم الكشف عن هويتها- عن منطق فرض عبء الإثبات على السوريين، قائلة “كيف نُقنع موظفي الهجرة بأن بلدنا غير آمن، في ظل صور القصف والفوضى التي تُعرض يوميا على الشاشات؟”.
ووجّه المشاركون انتقادات لاذعة لما اعتبروه غياب الشفافية في صياغة سياسة وزارة الداخلية البريطانية، التي رغم إعلانها عن مشاورات، اقتصرت على أرباب العمل وشركات القطاع الخاص، دون إشراك اللاجئين أنفسهم.
وأضافت غنى الشومري أنه “إذا كانت هناك مشاورات حقيقية، كيف يُستبعد الطرف الأساسي وهم اللاجئون الذين يحملون خبرات ورؤى يمكن أن تسهم في تحسين النظام، ويجب أن يكون لهم الصوت الأول في صنع القرار”.
وفي تصريح للجزيرة نت، قال النائب ديفيد تايلور “سنوجه رسالة رسمية موقعة باسمي وباسم منظمات داعمة، مثل الائتلاف السوري البريطاني، إلى وزيرة الدولة للأمن الحدودي وشؤون اللجوء أنجيلا إيغل، نطالب فيها بوقف أي عمليات إعادة قسرية وضمان شفافية تامة في الإجراءات”.
وأضاف “أحث اللاجئين على التواصل مع نوابهم المحليين لإيصال معاناتهم الإنسانية، وسنشاركهم نسخة من الرسالة التي سنرسلها ضمن هذه الحملة”. وأشار إلى أنه يعتزم طرح أسئلة شفوية وكتابية في البرلمان لمساءلة الحكومة حول مصير السوريين المتأثرين بتعليق البت في ملفاتهم.
تغيير حقيقي
في السياق نفسه، قال ناثان فيليبس، رئيس حملات منظمة “أسيلم ماترز”، إن السوريين الباحثين عن الأمان في المملكة المتحدة، ينتظرون في كثير من الحالات، لسنوات طويلة صدور قرار بشأن طلباتهم “وقد شهد البرلمانيون اليوم الأثر الإنساني المدمر الذي خلّفته الأشهر القليلة الماضية من التوقف عبر تجميد طلبات اللجوء ومنح الإقامة الدائمة”.
وأضاف للجزيرة نت، “أرسل المواطنون السوريون رسالة واضحة للبرلمان البريطاني اليوم: أطلقوا حياتنا ولا تلتزموا بعمليات إعادة قسرية”، مناشدا الحكومة أن تستجيب لها.
واختتم الحاضرون اللقاء بتأكيد أن هذه المبادرة يجب أن تكون نقطة انطلاق لتغيير حقيقي في السياسات، مشددين على أن مطالبهم ليست امتيازات، بل حقهم في العيش بكرامة والاعتراف بإنسانيتهم.
بينما تناقش الحكومة رفع تعليق البت في طلبات اللجوء، تبقى أصوات اللاجئين تذكيرا بأن خلف كل ملف إداري قصة إنسانية مؤلمة لا تظهر على الأوراق لكنها تُعاش يوميا.
وتواصلت الجزيرة نت مع وزارة الداخلية البريطانية للتوضيح، وجاء الرد بتصريح من وزيرة الدولة للأمن الحدودي وشؤون اللجوء أنجيلا إيغل، بأن “تعليق مقابلات وقرارات طلبات اللجوء السورية كان خطوة ضرورية عقب سقوط نظام الأسد، نظرا لغياب معلومات مستقرة وموضوعية تسمح بإجراء تقييم دقيق لمخاطر العودة إلى سوريا”.
وأوضحت أن التعليق شمل أيضا “طلبات حماية الاستيطان” للسوريين الذين وصلوا عبر برنامج إعادة توطين الأشخاص الضعفاء وأكملوا 5 سنوات من وضع اللاجئ.
وختمت بأن الوزارة استمرت في تسجيل الطلبات خلال فترة التعليق، مشيرة إلى أن الحكومة ستصدر معلومات محدثة تمكّن من استئناف اتخاذ القرارات، بما في ذلك معالجة طلبات الحماية ومراجعات العودة الآمنة وفق السياسات المنشورة.
ورغم وعود الحكومة برفع تعليق البت في طلبات اللجوء، فإن المنظمات الحقوقية واللاجئين عبّروا عن مخاوف من أن يكون هذا الرفع شكليا، مع استمرار التأخير في معالجة الطلبات بشكل فردي يصعب تتبعه، مما يزيد من إحباط اللاجئين ويأسهم.
وطالبوا بضرورة الإسراع في معالجة طلبات اللجوء السورية وتقليل فترة الانتظار الطويلة التي يعاني منها اللاجئون، بالإضافة إلى توفير حق العمل والتعليم خلال فترة معالجة الطلبات لضمان حياة كريمة لهم، مع ضمان عدم ترحيلهم قسرا إلى سوريا “بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة هناك”.