“تُبهِر القدس كل من ينظر إليها من الأرض، فكيف إن شوهدت من السماء؟” هذا ما استهلّ به المصور المقدسي محمد دويك حديثه عن هواية تصوير المدينة المقدسة بطائرة “الدرون” التي أدمنها منذ عام 2016.

وفي ذلك العام اشترى دويك أول طائرة وأطلقها لأول مرة من أزقة باب حطّة في البلدة القديمة، والتقط صورا للعتيقة قبل أن تتوالى لاحقا تقييدات التصوير من الجو.

وعند سؤاله بماذا يختلف التصوير من الجو عنه من الأرض؟ أجاب بأنه يوجد اختلاف كبير لأن الصورة من الأرض لا تتخطى ما يراه الشخص على مد نظره، أما من الجو فهي تُظهر كل المنطقة بتضاريسها ومعالمها وتفاصيلها، وعندما تُطلق الطائرة أعلى البلدة القديمة تظهر كل جمالياتها، ويصبح للتصوير هيبة ورونق لا يضاهيهما أي صورة التُقطت من الأرض.

القدس.. مهوى القلب

تتربع القدس على عرش صوره الجوّية، وما يزال تصوير البلدة القديمة بمقدساتها ومعالمها أكثر ما يستهويه، لكنّ المصورين محرومون من إطلاق طائراتهم أعلاها، ويضطرون لالتقاط صور لها من مناطق بعيدة كجبل الزيتون أو محيط الجامعة العبرية.

“منذ اندلاع الحرب صدر قانون بمنع إطلاق الدرون أعلى البلدة القديمة لأسباب أمنية، وقبلها صدر قانون بمنع إطلاقها لأعلى من 50 مترا في الهواء، وأُجبر من يريد ممارسة هذه الهواية على الخضوع لفحص سياقة نظري يتخصص بالطيران، وهو صعب ومكلف جدا ولم أتقدم له.. التصوير بالقدس القديمة وما حولها تم حظره على “جي بي إس” (GBS) وبالتالي حتى لو جربنا إطلاق الطائرة لا يمكنها التحليق” كما يقول المصور المقدسي.

وعن أجمل ما التقطته الدرون الخاصة به في القدس، قال دويك “صورة للمدينة وهي مكتسية باللون الأبيض بعد هطول الثلج.. كانت مخاطرة عالية أن أطلق الدرون حينها بسبب سوء الأحوال الجوية، لكنني غامرت وكانت الصور التي التقطتها تستحق المغامرة”.

البلدة القديمة والمسجد الأقصى بعد اكتسائها باللون الأبيض

التصوير الجنوني

في مدن فلسطينية كثيرة حلّقت طائرة دويك، ومنها نابلس وجنين وطولكرم وحيفا ويافا وعسقلان والناصرة وطبريا وعكا وصحراء النقب وأريحا ورام الله، لكنّ تعلقه بمسقط رأسه كان دائما يشدّه لالتقاط الصور ومقاطع الفيديو فيها، واهتمّ بالفيديو أكثر من الصور الثابتة لأنه أكثر وأوسع انتشارا على منصات التواصل.

ويضيف “القدس بكل زواياها مختلفة فما بالك (وصورتها) من السماء.. أجمل ما يمكن مشاهدته من الأعلى السور التاريخي وهو يحتضن العتيقة بالتفافه حول المنازل والمقدسات، وانحدار تلة البلدة القديمة وكيف يحتل المسجد الأقصى مساحة لا بأس بها من المكان”.

وقد خطط المصور دويك لتصوير سلسلة من اللقطات في القرى المقدسية المهجرة عام 1948، وبدأ بالفعل من قرية لفتا ثم عدل عن الفكرة بسبب المخاطرة الكبيرة لقرب هذه القرى من معسكرات للجيش الإسرائيلي والمستوطنات.

وقبل أن نودّعه سألناه عن أمنيته المتعلقة بالتصوير من الجو، وأجاب أن يمارس التصوير الحر بتقنية “إف بي في” (FBV) واصفا إياها بـ”التصوير الجنوني” إذ يمكنه من خلالها إدخال الطائرة من أحد أبواب مصلى قبة الصخرة المشرفة وإخراجها من باب آخر، ثم التحليق بشكل انسيابي نحو المصلى القبلي والتجول به ثم الخروج مجددا إلى الساحات الخارجية.

لكنه سرعان ما عاد إلى الواقع، وقال “للأسف هذا غير مسموح، ولم أفكر بامتلاك هذه الطائرة لأن إطلاق الدرون والتصوير بها محدود جدا بالقدس”.

“كما لم أرها من قبل”

ولم تكن التفاصيل التي سردها المصور عبد العفو زغير للجزيرة نت عن هذه الهواية أقل متعة، واستهل حديثه بالقول إن رغبة جامحة اجتاحته لرؤية القدس من السماء قبل سنوات، فقرر شراء أول درون عام 2014، وصوّر فيها البلدة القديمة والمسجد الأقصى من مطلة جبل الزيتون.

“رأيت حينها تفاصيل لم أرها من الأرض طيلة حياتي، لأن التصوير من الأعلى له بعد مختلف ويرافقه إحساس غريب وجميل، ويعطي للإنسان نظرة أكثر شمولية عن المكان.. فلا يمكنني أن أجمع كل معالم المسجد الأقصى بساحاته ومصلياته وآثاره بصورة من الأرض، لكنني جمعتُ كل ذلك في صورة من السماء” هكذا يقول المصور الفلسطيني.

وأضاف زغيّر أن المسجد الأقصى والقدس هما أجمل ما يمكن أن يتم تصويره من الجو لخصوصيتهما وجمالهما “ولم أجد فروقات” في المشهد الحضري بعد إطلاق الدرون لأكثر من مرة لأن هذه الأماكن لا يمكن إضافة بناء جديد إليها.

لكن أكثر الفروقات التي لاحظها هذا المصور كانت عندما أطلق طائرته لتصوير بلدة بيت حنينا في القدس والتي قسمّها جدار الفصل العنصري إلى قسمين أحدهما يقع داخل حدود بلدية القدس، والآخر بمنطقة الضفة الغربية.

كاميرا تتجاوز قيود الاحتلال

“تفكرت حينها كثيرا.. تمكنت طائرتي من التحليق فوق القسمين وتجاوزت الحدود، لكنني لم أتمكن بدوري من تجاوزها على الأرض.. تذكرت كيف كانت هذه البلدة أرضا واحدة، وأهلها يتجولون في كل زواياها، وكيف تغير الحال بسبب الفروقات التي صنعها الاحتلال”.

وحول التقييدات المتعلقة بهذه الهواية، أشار زغيّر إلى أنه لا يوجد قانون واضح يمنع منعا باتا إطلاق هذه الطائرات باستثناء القوانين المتعلقة بالإجراءات الأمنية كالمواقع العسكرية.

“في حال كنّا قريبين من مناطق كهذه تحدث تشويشات ولا تحلق الدرون، وأحيانا تصل الشرطة إلى المكان الذي نوجد به ويطرحون الأسئلة ويحاولون منعنا رغم عدم وجود قانون واضح، وبالتالي هناك دائما تخوف وتوتر عند إطلاق هذه الطائرة لكن الأمر يستحق هذه المخاطرة في سبيل المشاهد الجميلة التي نحصل عليها في النهاية”.

وتطرق زغيّر -في ختام حديثه للجزيرة نت- لأهمية التصوير الجوي في القرى المهجرة لأنه يكشف عن الآثار المتبقية منها، والتي “لا يمكن للإنسان أن يراها من الأرض كالآثار التي نمت حولها الشجيرات وباتت تغطي معظمها”.

أما اللقطة التي يتمنى أن يصورها لكنه صعب جدا -كما قال- فهي أن يلتقط صورا من فوق ساحات المسجد الأقصى مباشرة بأوقات مميزة كالمناسبات الدينية أو ليالي رمضان التي تكون فيها الساحات ممتلئة بالمصلين.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version