طهران- بعد 12 يوما من الضربات العسكرية المكثفة بين إيران وإسرائيل، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر وساطة قطرية، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، واصفا إياه بأنه “غير محدود وسيستمر إلى الأبد”.

وقال ترامب: إن الاتفاق جرى بين إسرائيل وإيران بشكل كامل وشامل، في وقت تصاعدت فيه التوترات إلى ذروتها، جاء لينهي العمليات القتالية بشكل كامل ومستدام.

لكن الرد الرسمي الإيراني جاء سريعا وحاسما، إذ نفى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في تدوينة على منصة إكس، وجود أي اتفاق رسمي أو توقيع على وقف إطلاق النار، مؤكدًا أنه “في الوقت الحالي، لا يوجد أي اتفاق أو توقف للعمليات العسكرية، ومع ذلك، بشرط أن توقف إسرائيل عدوانها غير القانوني ضد الشعب الإيراني في موعد أقصاه الساعة 4 صباحا بتوقيت طهران، فإننا لا نعتزم مواصلة ردنا بعد ذلك”.

وشهدت الساعات الأخيرة التي سبقت تنفيذ وقف إطلاق النار تصعيدا غير مسبوق، حيث تبادل الطرفان أشد وأعنف الضربات منذ بداية المواجهة، مما زاد من حجم الخسائر وتوتر الأوضاع.

عاجل| ترمب: اتفاق تام بين إسرائيل وإيران على وقف إطلاق نار كامل وشامل

“زمام المبادرة”

وبعد سريان وقف إطلاق النار، سقطت عدة صواريخ شمالي إسرائيل، وأعلنت تل أبيب أن مصدرها إيران، بينما نفت طهران ذلك، وقالت هيئة الأركان إنه لم يطلق أي صاروخ تجاه الأراضي المحتلة بعد وقف إطلاق النار، بينما ردَّت إسرائيل ونفذت ضربات جوية استهدفت مواقع رادارية في طهران.

وفي السياق، قال أستاذ العلوم السياسية المختص بالشأن الإسرائيلي منصور براتي، إن الرواية الرسمية التي تروّج لها طهران تعكس قناعة داخل مؤسسات الحكم الإيرانية بأن وقف إطلاق النار، الذي بدأ بشكل مؤقت عند الرابعة من فجر 24 يونيو/حزيران قبل أن يتحول إلى وقف دائم عند السابعة صباحا في اليوم ذاته، جاء ثمرة لهجمات إيرانية “أحدثت توازن ردع جديدا في المواجهة المفتوحة مع إسرائيل والولايات المتحدة”.

وأوضح للجزيرة نت، أن الخطاب الإيراني الرسمي ركَّز على أن ضربات إيران جاءت ردا على العدوان الإسرائيلي، ثم دخول الجانب الأميركي على خط المواجهة، وقد تسببت -وفق الرواية الإيرانية- بضرر كاف للطرفين الإسرائيلي والأميركي، وأسست لما تعتبره طهران “معادلة ردع متوازنة”.

وأشار إلى أن طهران ترى أنها تمكنت، بعد المفاجأة التي تلقتها فجر 13 يونيو/حزيران الجاري، من استعادة زمام المبادرة خلال ساعات قليلة، فأعادت تشغيل منظومتها الدفاعية، قبل أن تنفذ ضربات هجومية وصفت بأنها نوعية، استهدفت مدنا إسرائيلية متعددة.

ويضيف براتي “بحسب التقديرات الإيرانية، فإن حجم الأضرار التي لحقت بإسرائيل خلال الأيام العشرة الماضية يتجاوز مجمل ما نجم عن هجمات حماس منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى الآن، وكذلك ما تسبب به حزب الله خلال الفترة نفسها”.

ولفت إلى أن صحيفة “ذا ماركر” الاقتصادية الإسرائيلية قدَّرت الخسائر المباشرة على الاقتصاد الإسرائيلي بنحو 5 مليارات شيكل ( نحو 1.5 مليار دولار)، وهي أرقام توظفها طهران للتأكيد على فاعلية ردها ونجاحها بفرض كلفة باهظة على الطرف الآخر.

شروط التفاوض

ويرى براتي أن الخطاب الإيراني لا يُخفي رهانه على أن هذه الضربات أدت إلى تغيير حسابات تل أبيب، وربما دفعتها للقبول بفكرة التهدئة، أو على الأقل عدم معارضتها، في مؤشر تعتبره طهران انتصارًا إستراتيجيًا.

لكن في المقابل، يؤكد براتي أن الرؤية الإسرائيلية -المدعومة أميركيًا- تصوغ رواية مغايرة، إذ تعتبر أن طهران تلقّت ضربات قاسية ستحتاج سنوات لتعويضها، سواء على مستوى البنية التحتية الدفاعية أو القدرات النووية والصاروخية، التي تقول إسرائيل إنها تضررت بشكل كبير.

ويتابع “إسرائيل تركز على أنها نجحت بكسر احتكار إيران لمجالها الجوي، وتروِّج لفكرة أنها أصبحت قادرة على تنفيذ هجمات متى شاءت، حتى أثناء وقف إطلاق النار”. ويضيف أن تل أبيب تسعى لفرض معادلة ردع جديدة مفادها أن أي تهديد مستقبلي سيقابل برد فوري، ما يعني أن التهدئة الحالية قد تكون مؤقتة وقابلة للانهيار في أي لحظة.

وختم براتي قائلا: إن أي عودة للمفاوضات النووية لن تكون وشيكة، إذ تتطلب -بحسب مصادر إيرانية- استمرار وقف إطلاق النار بشكل ثابت، وعدم تكرار الهجمات الإسرائيلية، وهي شروط تعتبرها طهران ضرورية قبل التفكير في الجلوس مجددًا إلى طاولة الحوار.

محاذير الاتفاق

ومن جانبه، رأى أستاذ العلاقات الدولية جواد حيران نيا، أن إعلان وقف إطلاق النار الأخير تمّ بوساطة قطرية بطلب مباشر من الرئيس الأميركي ترامب، وجاء بعد تعرض قاعدة “العديد” في قطر لهجومٍ كانت إيران -وفق ما يُقال- قد نبّهت إليه مسبقا، مما جعل من هذا الرد خيارا منخفض التكلفة سياسيا وعسكريا لطهران، ومنع توسع رقعة المواجهة.

وأشار حيران نيا في حديثه للجزيرة نت إلى أن طريقة الإعلان الأحادي لوقف إطلاق النار من ترامب، دون إعلان متزامن من الأطراف الأخرى، تهدف لإظهار أميركا كطرف ممسك بزمام المبادرة، وتسويقها على أنها من أوقفت الحرب وسعت للسلام، وتسعى لتكريس صورة ترامب كصانع سلام دولي، كما فعل سابقا بين الهند وباكستان، ما قد يعزز موقعه في الداخل والخارج.

لكن هذه الصيغة من الإعلان، وفق حيران نيا، تحمل رسالة واضحة للرأي العام مفادها أن إيران استسلمت سياسيا دون شروط أو مكاسب، وهي قراءة تحاول أميركا وإسرائيل فرضها، حيث سبق أن طُرح أمام طهران خيارا الاستسلامِ العسكري أو السياسيّ.

وأضاف أن إسرائيل حققت من التصعيد هدفًا إستراتيجيًا، تمثل في محاولة تدمير منشآت التخصيب النووي الإيراني، خاصة موقع “فوردو”، بدعم عسكري أميركي مباشر، وباستخدام قنابل خارقة للتحصينات، وقد مهَّدت واشنطن لذلك عبر تدمير الدفاعات الجوية والرادارات الإيرانية، وهو ما سمح بتنفيذ ضربات جوية دون تكاليف عسكرية تُذكر.

ورأى حيران نيا أن الهجمات تجاوزت البُعد النووي، فاستهدفت أيضا قواعد صاروخية ومصانع إنتاج ومخازن، إلى جانب منظومات رادارية ودفاع جوي، الأمر الذي جعل الأجواء الإيرانية مكشوفة للطائرات المعادية، التي باتت -برأيه- “تحلّق دون مضايقة وتضرب ما تشاء”.

وحذَّر من أن هذا التفوق الجوي قد يتحول إلى نمط متكرر من الضربات الوقائية، على غرار ما تقوم به إسرائيل في سوريا ولبنان، ضمن سياسة “الهجوم الاستباقي”، لترسيخ هيمنة جوية ضمن ترتيبات إقليمية أوسع تُحقق هواجس الأمن الإسرائيلي والأميركي، وتتماهى مع مشاريع كالربط الاقتصادي بين الهند والخليج وأوروبا.

ركائز الردع

من ناحية أخرى، رأى حيران نيا أن الضربات الإسرائيلية كانت فعالة نتيجة للاختراقات الأمنية داخل إيران، التي وصفها بأنها عميقة وخطيرة، ومكّنت تل أبيب من تنفيذ ضربات دقيقة بمساعدة “عناصر بشرية محلية”، وهو ما اعتبره مؤشرا مقلقا على هشاشة المنظومة الأمنية الداخلية.

ورغم خسائرها، وجهت إيران -وفق حيران نيا- ضربات قوية لإسرائيل، وكشفت أن الأخيرة تفتقر إلى العمق الإستراتيجي، وأنها كانت ستتكبد خسائر جسيمة لولا التدخل الأميركي، كما أكدت طهران أنها لم تستخدم بعدُ بعض طرازات صواريخها، في رسالة تعكس استمرار قدرتها على الردع الصاروخي.

وحول المفاوضات الجارية، أوضح أن إيران رفضت في محادثات جنيف شرط “التخصيب الصفري”، وأصرَّت على حقها في التخصيب المحلي، وهو ما استخدمته واشنطن ذريعة للهجوم على “فوردو”، ورغم اختلال ميزان القوى في تلك اللحظة، فإن طهران تمسكت بموقفها، وتعتبر المعرفة النووية حقا سياديا لا تنازل عنه، حتى وإن أصبح -كما تقول بعض الأطراف- غير ذي جدوى في الظرف الراهن.

وختم الأكاديمي حيران نيا، أن المعركة المقبلة ستكون على الملف الصاروخي، مع سعي محتمل لفرض قيود على مدى وأنواع الصواريخ الإيرانية، خاصة في ظل تفوق ميداني واضح للطرف المقابل، ومع ذلك، يعتقد أن إيران ستُبقي على خطوط حمراء، ولن تتنازل بسهولة عن برنامجيها النووي والصاروخي، اللذين تعتبرهما ركيزتين أساسيتين في معادلة الردع الإقليمي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version