حذّر أطباء من مخاطر متلازمة «القلب المنكسر»، وهي حالة قلبية مؤقتة قد تصيب بعض الأفراد نتيجة التعرض لمواقف نفسية أو عاطفية شديدة التأثير أو ضغوط العمل، أو التوتر الجسدي الناتج عن إصابات أو عمليات جراحية كبرى، وقد تسبب أعراضاً تشبه النوبة القلبية، وتستدعي تدخلاً طبياً عاجلاً، محذرين من أن تأخر العلاج قد يؤدي إلى الوفاة.

وقالوا لـ«الإمارات اليوم»، إن هناك خمس علامات تدل على متلازمة «القلب المنكسر»، وتستدعي عند ظهورها التوجه الفوري إلى قسم الطوارئ، وتشمل: «ألماً مفاجئاً في الصدر، وصعوبة التنفس، وتسارع ضربات القلب، وارتفاعاً متوسطاً في إنزيمات القلب، إضافة إلى اضطراب مفاجئ في الوعي أو الشعور بالدوار والقلق الشديد». ولفتوا إلى أن النساء ومن يعانون اضطرابات نفسية مثل القلق أو الاكتئاب، أكثر الفئات عرضة للإصابة بهذه المتلازمة.

وبيّنوا أن التوتر النفسي يخلق تفاعلات كيميائية داخل الجسم، تؤدي إلى إفراز زائد لهرموني الأدرينالين والكورتيزول، ما يتسبب في زيادة ضربات القلب، وضبابية في التفكير، ونوبات من القلق أو الهلع، ما يشكّل ضغطاً إضافياً على عضلة القلب، وأوصوا بدعم الأشخاص الذين تعرضوا لصدمة نفسية من خلال الاستماع لهم دون إطلاق أحكام، وتهدئتهم، وإبعادهم عن مصدر التوتر، مع مراقبة العلامات الحيوية، وطلب المساعدة الطبية فوراً عند ظهور أي من الأعراض السابقة.

وشدد الأطباء على أهمية التوعية الأسرية والاحتواء، خصوصاً عند ملاحظة تغيّرات سلوكية مفاجئة لدى أحد أفراد العائلة، مثل الانعزال، أو فقدان الاهتمام، أو تجنب الجلوس مع الأسرة كما هو معتاد، ونصحوا باللجوء إلى الرعاية النفسية المتخصصة عند استمرار الأعراض، مؤكدين أن العلاج النفسي لا يقل أهمية عن العلاج العضوي، وأن تبني أساليب الاسترخاء، مثل التأمل واليوغا، يسهم في الوقاية وفي تعزيز صحة القلب.

واقترحوا دعم المبادرات الوقائية في المدارس، من خلال إطلاق «ميثاق تعاون طلابي»، يعزز قيم الدعم والامتنان والتشجيع بدل التنمر، ويكافئ السلوكيات الإيجابية بخطوات عملية مثل منح علامات إضافية، وذلك لخلق بيئة مدرسية صحية تشجع على التفكير الإيجابي، وتخفف من الضغوط النفسية التي قد تنعكس سلباً على الصحة الجسدية والنفسية للأجيال الناشئة.

وتفصيلاً، قال استشاري طب الأسرة والصحة المهنية، الدكتور منصور حبيب، إن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الحالة النفسية وصحة أعضاء الجسم الحيوية، مشيراً إلى أن القلب والدماغ والرئتين وسائر الأجهزة تتأثر بشكل مباشر بالضغوط النفسية، التي قد تؤدي في بعض الحالات إلى أعراض جسدية شديدة أو حتى نوبات قلبية مفاجئة.


وأوضح أن الضغوط النفسية تنشأ عندما تتجاوز المتطلبات اليومية قدرة الفرد الذهنية على التعامل معها، مشبّهاً طريقة الاستجابة النفسية بالإشارات الضوئية، فبينما يرى بعضهم المتطلبات بلون أخضر، يراها آخرون باللون البرتقالي أو الأحمر، حسب قابلية التحمل، ما يؤدي إلى تفاعل كيميائي داخل الجسم، يتمثل في إفراز هرموني الأدرينالين والكورتيزول بشكل مفرط.

وأضاف أن هذا الإفراز الزائد يتسبب في زيادة ضربات القلب، وتدفق الدم، والتعرق، وضبابية التفكير، وتعطيل الإدراك، والدخول في نوبات هلع أو قلق، ما يرفع الضغط على عضلة القلب بشكل مماثل لشخص يهرب من خطر حقيقي بشكل يومي.

وأشار إلى أن بعض الأفراد قد يكون لديهم استعداد وراثي أو صحي يجعلهم أكثر عرضة للاستجابة لهذا التأثير «متلازمة القلب المنكسر»، كوجود ترسّبات دهنية في الشرايين أو ضعف كفاءة عضلة القلب أو صماماتها، ما يزيد احتمالات القصور المفاجئ أو اضطراب كهرباء القلب في ظل الإجهاد المستمر.

وعن دور الأسرة، شدد الدكتور حبيب على أن الاحتواء الأسري هو خط الدفاع الأول عند ملاحظة تأثر أحد أفراد العائلة نفسياً نتيجة حزن أو تنمّر أو أي صدمة عاطفية، قائلاً: «الاحتواء يبدأ بتوفير مساحة آمنة للحوار، والابتعاد عن التوبيخ، والاستماع الجيد للمصاب دون إصدار أحكام، مؤكداً أهمية الحوار الفعّال كوسيلة لتفريغ المشاعر وتقييم الحالة.

وحول توقيت اللجوء إلى الرعاية النفسية المتخصصة، أشار إلى ضرورة مراقبة التغيرات السلوكية، مثل الانسحاب الاجتماعي المفاجئ أو العزلة، مؤكداً: «إذا لاحظنا أن المشكلة لا تُحلّ بالحوار والدعم الأسري، فيجب التوجّه لطلب الدعم الطبي دون تردد، لأن العلاج النفسي ليس عيباً، بل وسيلة لاكتساب أدوات تساعد الشخص على مواجهة التحديات المحيطة به».

وفي إطار حماية الأطفال من آثار المشكلات النفسية مثل التنمر، دعا إدارات المدارس إلى تبنّي «ميثاق تعاون أو ثناء» بين الطلبة، يمنح نقاطاً إضافية للطلاب الذين يظهرون سلوكيات إيجابية، مثل التعاون والاحترام، مؤكداً أن تعزيز الثناء والامتنان يقلل سلوكيات التنمر تدريجياً، ويُعيد تشكيل طريقة تفكير الطفل نحو التقدير لا السخرية، مؤكداً أهمية التوعية النفسية المستمرة لحماية الأجيال الجديدة، وتعزيز مفهوم الصحة النفسية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الصحة العامة.

وأوضح أخصائي القلب التداخلي، الدكتور هشام طايل، أن متلازمة القلب المنكسر المعروفة طبياً باسم «توسيع القلب القمي» (Takotsubo Cardiomyopathy)، هي حالة نادرة يمكن أن نطلق عليها «جلطة كاذبة» تصيب عضلة القلب، نتيجة لتعرض الشخص لضغوط نفسية أو عاطفية شديدة، حيث يؤدي ذلك إلى ضعف مفاجئ ومؤقت في جزء من عضلة القلب، دون وجود انسداد فعلي في الشرايين التاجية، مؤكداً أن هذا الضعف قد يتسبب في الوفاة إذا تم تجاهله وعدم إسعاف المريض.

وبيّـن أن أبرز مسببات هذه المتلازمة تراوح بين التوتر النفسي والعاطفي، كفقدان شخص عزيز أو المرور بصدمات نفسية عنيفة، والتوتر الجسدي مثل الإصابات الشديدة أو العمليات الجراحية الكبيرة.

وحول الأعراض، أوضح أن متلازمة القلب المكسور تظهر غالباً بألم في الصدر شبيه بألم الجلطة القلبية، وصعوبة في التنفس، وإرهاق عام، مع ارتفاع متوسط في إنزيمات القلب، لكن دون انسداد دائم في الشرايين، التي تبدو سليمة عند الفحص، أما في حالات الجلطة القلبية التقليدية، فتكون الأعراض أكثر حدة، وتتمثل في ألم صدري ضاغط ومستمر، وغثيان ودوار، وألم يمتد إلى الذراع أو الفك أو الظهر، إلى جانب ارتفاع حاد في الإنزيمات، وانسداد أو ضيق فعلي في الشرايين التاجية.

وأضاف أن التغيرات التي تطرأ على عضلة القلب أثناء الإصابة تشمل اتساع الجزء العلوي من البطين الأيسر، ما يُضعف قدرة القلب على ضخ الدم بشكل طبيعي، ويتسبب في شعور المريض بالنهجان، وقد يصاحب ذلك اضطراب في نظم القلب، مثل عدم انتظام ضربات القلب، مشيراً إلى أن هذه التغيرات غالباً ما تكون مؤقتة، وتعود عضلة القلب إلى حالتها الطبيعية خلال أيام أو أسابيع، في حال التعامل مع الحالة بالشكل الصحيح، إلا أن المريض قد يكون عرضة لتكرار الإصابة مستقبلاً.


وأشار إلى أن النساء، لاسيما في مرحلة ما بعد انقطاع الطمث، أكثر عرضة للإصابة بهذه المتلازمة مقارنة بالرجال، كما تزداد احتمالية الإصابة لدى من يعانون اضطرابات نفسية مزمنة، مثل القلق أو الاكتئاب.

وفي ما يتعلق بالوقاية، شدّد على أهمية التعامل السليم مع التوتر والضغوط اليومية، من خلال الاهتمام بالصحة النفسية والعاطفية والروحية، مؤكداً أهمية تبني أساليب فعالة لإدارة التوتر مثل ممارسة التأمل أو اليوغا، لما لها من دور في تهدئة الجهاز العصبي والتقليل من تأثير الضغوط على القلب.

ودعا إلى ضرورة طلب المساعدة النفسية عند الشعور بمشاعر سلبية متكررة أو مزعجة مثل القلق أو الاكتئاب، مؤكداً أن العلاج النفسي لا يقل أهمية عن العلاج العضوي، ويمكن أن يكون له أثر كبير في تحسين جودة حياة المريض، ومنع تكرار المتلازمة.

وأكد رئيس قسم الطوارئ، الدكتور نشأت هنداوي، أن متلازمة القلب المنكسر من الحالات الطارئة التي تستدعي استجابة فورية داخل غرفة الطوارئ، مشدداً على ضرورة التعامل معها في بدايتها كأنها أزمة قلبية حادة إلى أن يثبت العكس.

وأوضح أن الخطوات الأولية للتعامل مع المتلازمة تشمل التعرف السريع إلى القصة المرضية للمريض، وأخذ العلامات الحيوية، وإجراء تخطيط القلب الكهربائي (ECG) على الفور، إلى جانب تحاليل الدم، بما فيها إنزيمات القلب (تروبونين)، والتعامل مع أي نقص في الأكسجين فوراً، إضافة إلى تركيب خط وريدي وإعطاء السوائل حسب الحاجة.

وأضاف أن المريض يجب أن يكون جاهزاً لاحتمال نقله إلى وحدة العناية القلبية المركزة لإجراء مزيد من الفحوص، مثل القسطرة القلبية، إذا استدعى الأمر ذلك.

وبيّـن أن هناك علامات سريرية تُميز متلازمة القلب المنكسر عن الجلطة القلبية التقليدية، أبرزها أن تخطيط القلب قد يُظهر تغيرات شبيهة بالأزمة القلبية، إلا أن القسطرة تُظهر أن الشرايين التاجية غير مسدودة، كما يكون ارتفاع إنزيمات القلب طفيفاً إلى متوسط مقارنة بالجلطات الكبرى، ويكون لدى المريض في كثير من الحالات تاريخ حديث لضغط نفسي حاد كفقدان شخص عزيز أو التعرض لحدث صادم، وهو ما يُعد مؤشراً مهماً في التشخيص.

كما أشار إلى أن تصوير الإيكو للقلب يساعد على كشف ضعف انقباض مؤقت في جدران معينة من البطين دون وجود انسداد في الشرايين.

وفي ما يتعلق بمخاطر الوفاة، لفت إلى أن المتلازمة تُعتبر في الغالب قابلة للعلاج، وتتحسن معظم الحالات خلال فترة قصيرة، إلا أن نسبة صغيرة (تُقدّر بين 1 و5%) قد تتعرض لمضاعفات خطرة، مثل فشل القلب الحاد، واضطرابات في نظم القلب، أو صدمة قلبية، خاصة إذا لم يتم التشخيص أو التدخل المبكر.

وشدد على أن دعم المريض في اللحظات الأولى أمر بالغ الأهمية، إذ يتطلب النقل الفوري إلى العناية القلبية المركزة في حال وجود علامات على فشل القلب أو عدم استقرار الدورة الدموية، مع إعطاء الأدوية المناسبة لتحسين وظيفة القلب مثل مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE inhibitors) وحاصرات بيتا، إلى جانب مراقبة دقيقة للمؤشرات الحيوية، وفي حالات القلق أو التوتر الشديد، يمكن إعطاء مهدئات خفيفة تحت إشراف طبي.

وفي ما يتعلق بالتعامل مع الأشخاص الذين تعرضوا لصدمة نفسية مفاجئة، أوصى بتقديم الدعم النفسي الفوري عبر الاستماع دون إطلاق أحكام، وتهدئة الشخص وإبعاده عن مصدر الصدمة، وتشجيعه على التنفس ببطء وعمق، مع مراقبة العلامات الحيوية باستمرار، وعدم التردد في طلب تدخل طبي عاجل في حال ظهور أعراض مثل ألم في الصدر، أو تسارع ضربات القلب، أو ضيق التنفس، إلى جانب أهمية المتابعة النفسية لاحقاً، للحد من تكرار الحالة وتأثيراتها السلبية في القلب والصحة العامة.


ضغوط العمل والاحتراق الوظيفي

أكدت الأخصائية النفسية، حصة الرئيس، أن ضغوط العمل المزمنة قد تترك آثاراً نفسية وبدنية خطرة، مشيرة إلى أن تراكم المهام، وبيئة العمل السامة، والتوتر المستمر، قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية، مثل الاكتئاب والاحتراق الوظيفي، إضافة إلى مشكلات عضوية كارتفاع ضغط الدم، واضطرابات القولون، وقد تمتد في بعض الحالات إلى ظهور أعراض مشابهة للنوبة القلبية، نتيجة لما يُعرف بمتلازمة القلب المنكسر.

وقالت: «في حال ظهور مثل تلك الأعراض يجب التوجه إلى أقرب قسم طوارئ فوراً، لأن الوقت عامل حاسم، وكل دقيقة تأخير في الحصول على الرعاية الطبية تزيد خطر المضاعفات»، مؤكدة ضرورة عدم تجاهل أي من تلك الأعراض، خصوصاً التي تظهر بعد أي توتر نفسي، واعتبارها حالة طارئة حتى توقيع الكشف الطبي والتحقق من الحالة.

وشددت على أن متلازمة القلب المنكسر، رغم كونها مؤقتة في بعض الحالات، ويمكن التعافي منها مع العلاج والدعم، فإنها قد تكون خطرة إذا لم تشخّص وتعالج في الوقت المناسب، إذ قد تؤدي إلى اضطرابات في نظم القلب أو مضاعفات مشابهة للنوبة القلبية، داعية إلى التعامل مع أي أعراض طارئة بعد صدمة عاطفية بجدية، لتفادي أي مضاعفات تهدد صحة وحياة الفرد.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version