تبدأ في الرابع والعشرين من هذا الشهر الدورة التاسعة والسبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة وتستمر لستة أيام. القضية الأساسية في هذه الدورة، هي: القضية الفلسطينية، ولن تطغى عليها لا سياسياً ولا دبلوماسياً ولا إعلامياً أي قضية أخرى، سادت أروقة الأمم المتحدة في الماضي.. أو ممكن أن تهيمن على فعاليات الجمعية العامة، في المستقبل. قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، التي ستشعل أروقة الجمعية العامة، في دورتها القادمة قضية لها علاقة مباشرة بوجود النظام الدولي، الذي من أهم أولياته والوظيفة الأساسية لمؤسساته والالتزام الأول لأعضائه، هي: الحفاظ على سلام العالم وأمنه.

الدورة العادية القادمة للأمم المتحدة، لا تختلف في أجندتها عن الدورة الأولى الاستثنائية (28 أبريل-15 مايو 1947)، التي صدر عنها قرار التقسيم الجائر باقتسام فلسطين التاريخية بين اليهود والفلسطينيين (دولة يهودية ودولة عربية)، إلا ربما، وفي أسوأ الظروف: تأكيد على مشروعية دولة الاحتلال (إسرائيل)، والحؤول دون قيام الدولة الفلسطينية، لتبقى كالدولة المعلقة، لا هي قائمة، ولا هي معترف بها من النظام الدولي.

قد لا تطول هذه الدورة العادية عن فترة انعقادها؛ لأنها ببساطة لن تتعرّض لموجة علاقات عامة ولا مساومات التصويت وحملات جمع الأصوات وشراء ذمم الدول الأعضاء؛ لأن العالم، في معظمه، نظمه السياسية وحراكه الشعبي، مهيأ للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإن كانت هذه الدولة، بمساحة أقل وبمواصفات الدول أدنى، فهي ليس لها من مواصفات الدول، ما تتمتع به بقية الدول الأعضاء، من امتيازات السيادة ومعالم الاستقلال، إنما هي دولة والسلام!

حتى هذه الدولة الفلسطينية، إن حدث وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بها، فإن المعارضين لقيامها، سوف يجادلون ضد سلامة إجراءات طلب العضوية؛ لأن البداية لا بد أن تكون بتوصية من مجلس الأمن، للجمعية العامة، لا العكس. هذا الجدل المناوئ للاعتراف بالدولة الفلسطينية، حتى في إطار حل الدولتين، سوف تستخدمه إسرائيل والدول الداعمة لها والمناوئة لحل الدولتين، لإفراغ أي قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، من مضمونه، كمقدمة لمنح العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية، بالذات من الولايات المتحدة. حتى على مستوى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذا ما احتج المؤيدون بإقامة الدولة الفلسطينية، أن هناك بالفعل قرار سابق من الجمعية العامة للأمم المتحدة (قرار التقسيم)، فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو أمر سيادي (فردي) تقوم به الدول، بصفة ثنائية، ولا يلزم المنظمة الأممية ولا أعضاءها، فالأمم المتحدة ليست دولة، يتطلب اعتراف متبادل بينها وبين أعضائها. كما أن على الأمم المتحدة ألا تُلزم بقرار به عيوب قانونية، لم يصدر وفق إجراءات محددة تضمنها الميثاق.

كذلك: فإن أي دولة فلسطينية، إن فُرض، وهذا مستبعد، أن وافق مجلس الأمن على التوصية بعضويتها في الأمم المتحدة، فإنها لا تتوفر بها عناصر الدولة المادية. لا أحد ينكر أن هناك شعباً فلسطينياً، عدا إسرائيل، وربما الولايات المتحدة، مؤخراً، فأين إقليمها، أليس محتلاً من قبل دولة أخرى (عضو في الأمم المتحدة)؟. وإن كان المجتمع الدولي لا يعترف بهذا الاحتلال، لكنه أمر واقع، يحول فعلياً، دون قيام الدولة الفلسطينية. ثم لنفرض أن هناك أرضاً، وإن كانت محتلة لا يعترف باحتلالها ولا يقر بذلك المجتمع الدولي ومؤسساته بواقع الاحتلال وربما يدينه ويشجعه ويطالب بزواله، فإين، إذن: السلطة الوطنية الفلسطينية (الحكومة) في هذه الدولة التي يُراد الاعتراف بها. لعل من أبرز صعاب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، من قبل الأمم المتحدة، راجعاً لقصور ذي صلة مباشرة، بتوفر ظروف ومستلزمات الدولة بها.

رغم العيوب العملية والقانونية، التي تصل لمستوى العدمية من أي محاولة، لا أساس قانونياً ولا سياسياً ولا مادياً، للاعتراف بها أممياً، ولو تحت مسمى وعنوان مختلف (حل الدولتين)، فإن العداء للقضية الفلسطينية وتقويض أية جهود دولية للاعتراف بها أممياً، يصل لدرجة الجرم الإنساني، بل لمستوى «الإبادة السياسية الجماعية»، لحق هذا الشعب المظلوم ممارسة تقرير مصيره، ولو بعرض قضيته على المجتمع الدولي. الولايات المتحدة لم تكتفِ بالتخلي عن مشروعها بحل الدولتين، الذي هو عنوان الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة، هي تتمادى عندما ترفض منح تأشيرات للوفد الفلسطيني، حضور جلسات دورة الجمعية العامة، في مخالفة واضحة لاتفاقية المقر.

العالم لم يترك للشعب الفلسطيني.. ولا لضمير الإنسانية، ولا لأحرار العالم، حتى ولو بصيص أمل في آخر النفق المظلم يطل منه خلاص من الاحتلال بمستقبل أكثر أماناً وكرامة. ثم نلوم بعد ذلك الشعب الفلسطيني أن يأخذ قضيته بيده، ويتعامل معها، وفقاً لنصوص قانون ورسالة الأمم المتحدة، بمنهج: أن آخر الدواء الكي.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version