اعلان

بعد سنوات طويلة من الحصار والدمار الذي حوّل مخيم اليرموك في دمشق إلى رمز للمعاناة الإنسانية، بدأت الحياة تدب تدريجياً في شوارعه الضيقة.

عودة السكان الذين غادروا المخيم تحت القصف والحصار تعكس إصرارهم على استعادة ما فقدوه خلال سنوات الحرب الأهلية في سوريا رغم أن آثار الدمار لا تزال بادية في كل زاوية، إلا أن الجهود الذاتية لترميم المنازل والمحلات التجارية بدأت بإعادة بعض الروح إلى المخيم.

العودة إلى اليرموك

شوارع اليرموك التي كانت ترزح تحت الأنقاض، بدأت معالمها تظهر مجددا بعد إزالة مخلفات الحرب وهو ما شجع الكثيرين على العودة لما اصطُلح على تسميته بعاصمة الشتات الفلسطيني لما يحمله من رمزية في الصراع مع إسرائيل، ورغم نقص الخدمات الأساسية من كهرباء واتصالات فإن العودة تعكس إصرارهم على استعادة ما فقدوه.

وقال أبو يوسف، أحد العائدين ليورونيوز: “كنا نسكن في عفرين قبل أن تسيطر عليها تركيا والفصائل الموالية لها، ثم انتقلنا إلى إدلب، ومنها هربنا مراراً. الآن عدنا إلى اليرموك، رغم أننا لم نجد شيئا، حتى الكهرباء والماء غير موجودة وهناك دمار كبير كأن المشهد غزة صغيرة لكن هذا بيتي، وأريد أن أبدأ من جديد.”

أبو يوسف، صاحب الإمكانات المادية المتواضعة، بدأ بترميم منزله بنفسه، ويقول: “استطعت تأمين بعض مواد البناء من خارج المخيم، وبدأت بإصلاح الأساسيات. صحيح أن الطريق طويل، لكنني أشعر بأنني أستعيد جزءاً من كرامتي كلما قمت بخطوة جديدة نحو إعادة بناء حياتي هنا.”

ومعتزايد أعداد العائدين، بدأت الحياة تعود تدريجياً إلى المخيم. بعض العائلات التي تملك إمكانيات مالية أفضل تمكنت من ترميم منازلها بالكامل، فيما يتعاون الآخرون لتحسين البنية التحتية للمخيم.

يقول أبو جمال أحد العائدين للمخيم منذ عام 2020: “كل يوم نرى شيئاً جديداً. الناس يحاولون إعادة الحياة إلى المكان بطريقتهم الخاصة. من لديه المال يبني، ومن لا يملك يجمع الأنقاض ويضع حجراً فوق الآخر. الجميع يعملون معاً.”

يعود أبو جمال بذاكرته قليلا إلى الوراء فيقول إن النظام السوري السابق كان غير اسم مخيم اليرموك إلى شارع اليرموك بعد عام 2018، لكن أول شيء قام به الفلسطينيون بعد رحيل بشار الأسد هو أنهم أعادوا إليه صفته القديمة وهي كلمة “مخيّم” لما تحمله العبارة من رمزية وتاريخ.

شهادات من الجحيم

الطريق إلى هذه العودة لم يكن سهلاً. فمنذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، تحول مخيم اليرموك إلى ساحة للدمار والقتال. مع تصاعد الصراع، سيطرت التنظيمات الجهادية على المخيم، مما استدعى تدخل النظام السوري تحت ذريعة “تطهير المنطقة”. ومنذ ذلك الحين، عاش سكان اليرموك سنوات من الحصار الشديد والتجويع، حيث استُخدمت المجاعة كسلاح ضد المدنيين.

يروي أبو محمود، أحد السكان الذين عاشوا تلك السنوات المريرة: “عشنا هنا سنوات الجوع والحصار، لم نعد نعرف ماذا يعني الأمن أو الطعام الآمن. القصف لم يتوقف، والمدارس دُمّرت، والمستشفيات اختفت. كنا نأكل العشب في بعض الأيام”.

أبو محمود الذي أسعدته عودة أولاده من مخيمات شمال سوريا القريبة من الحدود مع تركيا، يحاول مع أبنائه استعادة مخبز الحلويات الذي دُمّر أثناء المعارك ويقول: “الفرن يحتاج إلى ترميم كامل. الجدران انهارت، والمعدات دُمّرت تماماً. التكلفة عالية جداً بالنسبة لنا، لكننا نحاول جمع الموارد اللازمة لإعادة تشغيله. الناس هنا يتوقون إلى طعم الحلويات التي كانت تجمعهم في الماضي.”

واستغل النظام السوري السابق تنظيم “أكناف بيت المقدس”، الذراع الفلسطيني المنتمي لتنظيم “داعش”، كذريعة إضافية لتشديد القبضة الأمنية على المخيم، مما زاد من تعقيد الوضع الإنساني. فأصبح اليرموك رمزاً للخراب، حيث فقد الآلاف منازلهم وممتلكاتهم، وهُجّرت غالبية السكان إلى دول الجوار أو بلدان اللجوء البعيدة.

وفي تقرير نشرته وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) قبل أيام، كشفت أن حوالي 72% من المنازل والشقق في مخيم اليرموك قد تعرضت للتدمير أو التضرر خلال الحرب في سوريا. وبحسب التقرير، فإن المكان كان يستضيف قبل الحرب أكثر من 160 ألف لاجئ فلسطيني، وكان يُعدّ مركزاً تجارياً وثقافياً مهمّاً في دمشق.

اعلان

الفصائل الفلسطينية: جمود وانقسامات داخلية

على الصعيد السياسي، يبدو المشهد الفلسطيني في سوريا معقداً. فمعظم الفصائل الفلسطينية، خاصة تلك المنضوية تحت لواء “التحالف الفلسطيني”، جُمّدت نشاطاتها، وسُلّمت مقارّها وأسلحتها كما أن قياداتها قد غادرت البلاد.

أما الفصائل المحسوبة على السلطة الفلسطينية، فلا تزال تعمل من مكاتبها في دمشق، وهي تابعة للسفارة دولة فلسطين. لكن يُلاحظ أنها لا تدلي بأية تصريحات ولا تعقد أية لقاءات رسمية تظهر إلى الإعلام.

وأكد ناشط فلسطيني ليورونيوز رفض ذكر اسمه أن الفلسطينيين فيسوريادفعوا ثمناً باهظاً خلال سنوات الحرب، وهو لا يقل عمّا عاناه الشعب السوري. وقال: “إنهم دفعوا ذات الكلفة التي دفعها السوريون خلال سنوات الثورة. قُتلوا، وهُجّروا، وشُرّدوا، وفقدوا بيوتهم، تماماً مثل السوريين، واليوم أيضاَ فإنهم ضحية ذات الممارسات التي تُطبَّق عليهم، فعدد كبير منهم فُصِلَ من عمله، حاله كحال الموظفين السوريين. هم لا معيل لهم والمساعدات التي تقدّمها الأونروا قليلة والوضع الاقتصادي صعب جداً.”

اعلان

وأضاف الناشط” “المشهد الفلسطيني يشهد تغييراً فعلياً، وبعض الفصائل توقفت عن العمل أو تراجع أداؤها بشكل كبير. الفصائل التي تحالفت مع النظام السابق انتهى دورها، وبعض الشخصيات الفلسطينية المتورطة في الدم السوري أصبحت مطلوبة حالياً، وفرّ معظمهم إلى العراق أو إيران خشية المساءلة.”

غياب قيادات “أكناف بيت المقدس”

ويلفت الناشط الفلسطيني إلى أنه وبالرغم من عودة عدد من المدنيين من خارج المخيم ، لم يلاحظ أي علامات على عودة قيادات تنظيم “أكناف بيت المقدس”، الذي كان له دور بارز داخل المخيم خلال سنوات الحرب. ويرجّح أنهم متخوّفون من العودة بسبب ماضيهم المرتبط بتعذيب وترهيب من بقوا في اليرموك من مدنيين قبل أن يتم إخراجهم منه في 2018، أو أن الحكومة الجديدة قد فرضت قيوداً على تحركاتهم أو تتعرض لهم.

مخاوف من التطبيع بين سوريا وإسرائيل

في ظل الحديث عن احتمالات التطبيع بين سوريا وإسرائيل في المرحلة المقبلة، أعرب الكثير من الفلسطينيين عن مخاوفهم من أن يكون هذا التحوّل بداية لمساعٍ لتصفية القضية الفلسطينية عبر التوطين أو الترحيل.

وقال أبو ليلى، أحد النشطاء السياسيين في المخيم: “نخشى أن يصبح الشعب الفلسطيني في سوريا ورقة مساومة. إذا طبّعت دمشق مع إسرائيل، فماذا سيكون مصيرنا؟ هل سنُجبر على التوطين؟ هل ستُمنع فعالياتنا السياسية التي نمارسها اليوم بحرية؟ نحن نرفض أي تسوية تتجاوز حق العودة وتغيّب قضية القدس.”

اعلان
شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version