التفاهمات السياسية في سوريا: تحديات وآفاق
في العاشر من مارس الماضي، شهدت الساحة السياسية السورية محاولة جديدة للتقارب بين الحكومة السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة مظلوم عبدي. جاء هذا الاتفاق في سياق زخم إعلامي كبير وأحداث متسارعة على الساحل السوري، مما أعطى انطباعاً بأن هذه الخطوة قد تشكل نقلة نوعية نحو التفاهمات السياسية في البلاد.
الإعلان الدستوري وتداعياته
رغم الآمال المعقودة على الاتفاق، إلا أن تطورات الأحداث سرعان ما أخذته إلى مسارات سياسية معقدة. ففي 19 مارس، وبعد ساعات قليلة من الإعلان الدستوري الجديد الذي أطلقته الحكومة السورية، شنت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا هجوماً لاذعاً على هذا الإعلان. واعتبرت الإدارة الذاتية أن الإعلان لا يختلف عن سياسات حزب البعث السابقة ويفتقر إلى معايير التنوع الوطني السوري، حيث لم يعكس مشاركة فعالة لأبناء المكونات المختلفة مثل الأكراد والعرب والسريان والآشوريين.
هذا الانتقاد كان بمثابة الضربة الأولى لمسار التفاهم بين دمشق والإدارة الذاتية، مما دفع قسد إلى تبني موقف أكثر حذراً وبراغماتية في التعامل مع الحكومة السورية. كما ظهرت تيارات داخل الأوساط الكردية تحمل مظلوم عبدي مسؤولية الاندفاع نحو دمشق، مما أضعف موقفه داخل الدوائر الكردية.
التشكيل الحكومي الجديد وتصاعد التوترات
مع نهاية شهر مارس، أعلن الرئيس الشرع تشكيل حكومة سورية جديدة خلت من أي تمثيل للإدارة الذاتية. هذه الخطوة زادت من تعقيد المشهد السياسي وأضعفت موقف مظلوم عبدي الذي وجد نفسه في موقف صعب لتبرير التفاهم مع دمشق أمام قواعده الشعبية. كما أثارت هذه التطورات مخاوف الأكراد بشأن مكتسباتهم السابقة وزادت من قلقهم تجاه نوايا دمشق.
على الرغم من أن القيادة السورية الحالية لا تتبنى رؤية إقصائية تجاه الأكراد وتعامل المسألة الكردية بشكل سياسي بعيداً عن القومية المتشددة، إلا أن هذه الخطوات دفعت الأكراد إلى توحيد صفوفهم بدعم من الزعيم مسعود برزاني. وللمرة الأولى منذ عام 2011، اجتمع المجلس الوطني الكردي المقرب من الحزب الديمقراطي…
الموقف السعودي والدور الإقليمي
في ظل هذه التطورات المعقدة داخلياً وإقليمياً، تبرز المملكة العربية السعودية كلاعب دبلوماسي مهم يسعى لتحقيق الاستقرار في المنطقة عبر دعم الجهود الرامية إلى إيجاد حلول سياسية مستدامة للأزمة السورية. ومن خلال مواقفها المتوازنة واستراتيجياتها المدروسة بعناية، تواصل الرياض تعزيز دورها كوسيط موثوق به قادر على تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة.
إن الدور السعودي يعكس قوة دبلوماسيتها وقدرتها على التأثير الإيجابي في مسار الأحداث بما يخدم مصالح الشعب السوري ويضمن استقرار المنطقة بأسرها.
الخلاصة والتوقعات المستقبلية
يبقى المشهد السياسي السوري مفتوحاً على احتمالات متعددة تتطلب جهوداً مكثفة لتحقيق توافق حقيقي بين الأطراف المختلفة. ومع استمرار التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه البلاد، يبقى الحوار البناء والمفاوضات الصريحة السبيل الأمثل للوصول إلى حل شامل يضمن حقوق جميع المكونات ويحقق السلام والاستقرار المنشودين.
The post “رحلة دمشق: كيف تؤثر باريس في السياسة السورية” appeared first on أخبار السعودية | SAUDI NEWS.