بقلم: يورونيوز
نشرت في
اعلان
أعلنت وزارة التربية السورية عن استقبال طلبات عودة نحو 17 ألف معلم ومعلمة كانوا قد فُصلوا تعسفياً خلال سنوات النزاع في عهد نظام بشار الأسد السابق.
ووفق بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء السورية “سانا”، أكدت الوزارة أن هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز دور المعلمين كركيزة أساسية للعملية التعليمية، مشددة على أن عودتهم تمثل رسالة وفاء لتضحياتهم وجهودهم خلال السنوات الماضية.
وأشار البيان إلى أن المعلمين المشمولين بهذا القرار سيستأنفون عملهم بعد استكمال إجراءاتهم الإدارية لدى المديريات المعنية، بموعد نهائي يمتد حتى الخامس عشر من أيلول الجاري.
أكدت الوزارة أن عملية إعادة المعلمين تم تنظيمها بناءً على إحصائيات دقيقة وشاملة وفرتها وزارة التنمية الإدارية، حيث تم استخدام رابط إلكتروني مخصص لرصد بيانات المتقدمين وتوزيعهم على المحافظات بما يضمن تحقيق التوازن المطلوب في مختلف المناطق. وقالت المصادر الرسمية إن هذه الآلية تهدف إلى ضمان شمولية القرار وعدالته، بحيث يستفيد منه أكبر عدد ممكن من المعلمين في المناطق الأكثر احتياجاً.
إصلاح نظام السجون
وتأتي هذه الجهود في إطار خطة واسعة النطاق تسعى الحكومة السورية الجديدة من خلالها إلى إعادة هيكلة المؤسسات الوطنية، بما في ذلك القطاع الأمني والسياسي، لتحقيق الاستقرار وتعزيز ثقة المواطنين في النظام الجديد.
ففي مايو الماضي، أعلنت وزارة الداخلية السورية عن خطط لإصلاح نظامي السجون والأمن بهدف تعزيز احترام حقوق الإنسان والحفاظ على كرامة السجناء، وفقًا لما نقلته صحيفة نيويورك تايمز. وتتضمن هذه الخطط بناء سجون جديدة أو إعادة تأهيل القديمة لتلبية المعايير الإنسانية الدولية.
وقال نور الدين البابا، المتحدث باسم وزارة الداخلية، للصحيفة: “استبداد القوات الأمنية قد انتهى”.
لكن رغم هذه الوعود، أفادت الصحيفة بأن هناك مؤشرات تدل على أن القيادة الجديدة لم تتخلَّ بشكل كامل عن أساليب النظام السابق، حيث ما زالت الأساليب القمعية التي ميّزت حقبة بشار الأسد تلقي بظلالها على المشهد السياسي في سوريا.
تركيز السلطة: شبح الحكم الرئاسي القوي
وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن “رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وهو زعيم سابق للمعارضة الإسلامية، يحكم البلاد عبر دائرة ضيقة من الموالين له، بما في ذلك أشقاؤه”.
وأشارت مونا يعقوبيان، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في تصريح للصحيفة، إلى أن النظام الحالي يظل قريبًا جدًا من النموذج الرئاسي القوي الذي كان سائدًا في عهد الأسد.
وأضافت يعقوبيان أن هناك مقاومة واضحة لتفكيك تركيز السلطة والسماح للجماعات المختلفة، بما في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، بالمشاركة الفعلية في الحكم. وهذا يشكل تحديًا كبيرًا في بلد يعاني من تنوع مجتمعي عميق.
البرلمان الجديد: خطوة ديمقراطية أم مسرحية سياسية؟
كان من المفترض أن يمثل اختيار برلمان جديد، الذي كان مقررًا لاحقًا هذا الشهر، خطوة نحو بناء نظام سياسي أكثر شمولية وديمقراطية، وفقًا لما أوردته صحيفة نيويورك تايمز. ومع ذلك، جاءت التفاصيل المتعلقة بالانتخابات مخيبة للآمال. من بين 210 مقاعد، سيتم تعيين ثلث المقاعد مباشرة من قبل الرئيس، بينما ستُحدد المقاعد المتبقية عبر هيئات انتخابية محلية خاضعة لسيطرة الحكومة. وبالإضافة إلى ذلك، تم تخصيص خمس مقاعد فقط للنساء، مما أثار تساؤلات حول مدى جدية الحكومة في تعزيز المشاركة السياسية المتساوية.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت لجنة الانتخابات تأجيل التصويت في ثلاث محافظات لا تزال خارج سيطرة الحكومة، وأعلنت الدولة تعيين مرشحين لتمثيل تلك المناطق. ويعد هذا القرار، كما أشارت الصحيفة، دليلًا واضحًا على التحديات التي تواجهها القيادة الجديدة في تحقيق الوحدة الوطنية وإعادة بناء الثقة في مؤسسات الدولة بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية.
تصاعد العنف الطائفي: هشاشة الاجتماع الوطني
ووفقًا لتقرير نيويورك تايمز غياب الشمولية في اتخاذ القرارات السياسية أدى إلى فقدان الثقة بين مختلف المجتمعات السورية، بما في ذلك المسيحيون، العلويون، الدروز، والأكراد. وعلى الرغم من تعيين بعض أعضاء الأقليات في المناصب الحكومية، إلا أنهم يُعتبرون مجرد رموز دون أي تأثير حقيقي.
“الأكثر إثارة للقلق هو غياب الانفتاح على أولئك الذين لديهم انتماءات سياسية مختلفة”، قالت ديمة موسى، محامية وناشطة كانت تعارض نظام الأسد، للصحيفة. وأكدت موجات العنف الطائفي الثلاث التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الستة الماضية هذا الانقسام. في يوليو الماضي، قُتل مئات الأشخاص في محافظة السويداء الجنوبية بعد اندلاع اشتباكات بين قبائل البدو المسلحة والأقلية الدرزية.
وقالت جماعات حقوق الإنسان إن قوات مرتبطة بالحكومة متورطة في كل حالات العنف الثلاث، حيث نفذت عمليات قتل خارج نطاق القضاء وأعمال عنف أخرى مدفوعة بالانتقام أو الطائفية.
وأدانت الحكومة هذه الأعمال، مشيرة إلى أنها كانت نتيجة تجاوزات فردية، وأطلقت تحقيقات في هذا الصدد، حسبما أفادت الصحيفة.
المفاوضات الكردية: طريق مسدود
وبحسب الصحيفة فإن الحكومة الذاتية بقيادة الأكراد، التي لا تزال تسيطر على شمال شرق سوريا، كانت في مفاوضات مع الحكومة المركزية في دمشق لدمج الهياكل السياسية والعسكرية الوطنية. لكن هذه المفاوضات توقفت الآن. وقد انتقدت القيادة الكردية الانتخابات البرلمانية باعتبارها “محاولة لإعادة إنتاج السياسات الاستثنائية التي حكمت سوريا لعقود”، مؤكدة أنها لا تعكس إرادة الشعب.
وأضر تصاعد العنف الطائفي والانتقامي بأولويات الحكومة المعلنة، والتي تشمل تحقيق الأمن والاستقرار، تعزيز السلام الداخلي، وتوحيد البلاد، وفقًا لتقرير نيويورك تايمز. ويؤكد الخبراء أن الاختبار الحقيقي سيكون في تنفيذ الإصلاحات المخطط لها وتقييد صلاحيات قوات الأمن.
وقالت ديمة موسى: “ما زال هناك الكثير من القضايا للتحسين، ونعتقد أنه يجب تحقيق تقدم أكبر في قضايا الاقتصاد والأمن وإعادة هيكلة القوات المسلحة.”
على الرغم من أن حكومة الشرع تضم بعض الوزراء ذوي الخبرة المهنية من الشتات السوري، بالإضافة إلى أفراد من الأقليات وامرأة واحدة، فإن التعيينات في الوزارات الأكثر أهمية، مثل الدفاع والخارجية والداخلية، تظل محصورة في دائرة صغيرة من الموالين المقربين، حسبما ذكرت الصحيفة.
وحذر غير بيدرسن، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، مجلس الأمن الدولي قائلاً، وفقًا لتقرير نيويورك تايمز: “سوريا لا تزال هشة للغاية، والانتقال السياسي لا يزال على شفير الهاوية”.
وأضاف أن السوريين يحتاجون إلى الشعور بأن هذا الانتقال ليس مجرد سلسلة من الترتيبات المؤقتة، بل هو عملية شاملة قائمة على الشفافية والشمولية.
بدون إصلاحات ذات مصداقية ومؤسسات حكومية أقوى، قد تخسر سوريا الدعم الدولي الحاسم الذي تحتاجه لتحقيق التعافي والاستقرار، حسبما أكدت الصحيفة.