في زمن يتسابق فيه كثيرون نحو الأضواء والشهرة والمال، هناك أسماء تتوهج بهدوء وتعمل في صمت، بعيداً عن الصخب والضجيج الإعلامي، وتترك أثراً لا يُنسى، ومن بين هذه الأسماء يبرز الطبيب الفنان (هيثم محمود شاولي) شخصيةً استثنائيةً تركت بصمتها في أكثر من مجال دون أن تُغريها أضواء النجومية أو تستهويها مسارح الشهرة.

ما زال اسم «هيثم» يشكّل لغزاً بالنسبة لنا، كيف لرجل يمتلك كل هذه القدرات والموهبة أن يختار العطاء في صمت؟ وأن يجمع بين الطب والفن، والعلم والقلم، ويظل متخفياً عن الضجيج.

كلما تعمّقنا في هذه الشخصية اكتشفنا نموذجاً نادراً قلّ أن يتكرر، فهو طبيب جلدية، وباحث ساهم في اكتشاف علاج للإقلاع عن التدخين منذ 2007، تعرفنا على اكتشافه ذاك من خلال حوار أجراه معه الزميل محمد داوود في هذه الصحيفة. هو في الوقت ذاته فنان شامل يغني، يكتب الشعر، يُلحن، ويُخرج، ويوزّع الموسيقى، فهو مؤسس أول مركز سعودي تعليمي للفنون عام 2011.

ورغم انشغالاته الكثيرة إلا أنه لم يبتعد عن مجتمعه، إذ يكتب مقالات طبية واجتماعية في الصحف السعودية، وألّف كتاباً توعوياً عن التوعية الصحية للمجتمع، وأعدّ وقدم برنامجاً بعنوان «كيف الصحة»، الذي كان يهدف للتوعية الصحية والوقاية من الأمراض والمضاعفات، وقدّمه مجاناً على منصات التواصل الاجتماعي صدقةً جاريةً عن روح والده الوزير المفوّض (محمود بن عمر شاولي)، الذي كان له الدور الأكبر في بناء شخصية (هيثم) الفنية والأكاديمية، فقد زرع فيه حب الفن منذ الصغر مع الحرص على تنشئة أبنائه على القيم الإسلامية والالتزام الديني، لينشأوا فى بيئة سليمة معتدلة.

وعندما بدأ نجم (هيثم) الفني يلمع وهو لا يزال طالباً في كلية الطب بمصر، ومع خشية والده أن تسرق الأضواء ابنه عن هدفه الأكبر سأله: ما الذي تريده «الطب أم الفن»؟، فجاء الرد من ابنه: «أنا عاشق للطب، وهاوٍ للفن»، وهنا تعاهدا على أمر ليس بالسهل، وهو أن يواصل دراسته الطبية، وأن يمارس الفن هوايةً لا أكثر، ومنذ ذلك اليوم، لم يخل (هيثم) بوعده لوالده.

وبالطبع؛ غيابه الفني المتكرر جعله يبعد عن أضواء الشهرة، لكنه لم يندم أبداً، بل اختار طريقاً يرى أنه أكثر سمواً وهو طريق الخير ودعوات المرضى وابتسامات البسطاء، التي يراها أعظم من تصفيق الجماهير.

في بداية حياته العملية؛ عُيّن طبيباً في بلدة صغيرة نائية، رغم شهرته الكبيرة حينها بعد إطلاق ثلاث من أنجح أغانيه (أحلى الأشواق، بتغرب، ما تسألنيش)، كنا حينها نعتقد بأنه فنان من مصر التي تشرب فيها الطب والفن، وحين عرفنا أنه سعودي زاد إعجابنا به.

لم تكن هذه الإنجازات عابرة، فهو أول فنان سعودي وخليجي يُعتمد في لجنة الإذاعة المصرية عام 1993، وأول من استخدم تقنيات الكمبيوتر (جرافيك) والرسوم المتحركة والفيديو كليب، التي صُنّفت ضمن أفضل الأغاني المصوّرة عالمياً.

ورغم كل هذه الإنجازات، اختار (هيثم) أن يترك الأضواء جانباً، ويعمل طبيباً عامّاً في تلك البلدة الصغيرة، ويخدم أهلها البسطاء، وبعدها عاد إلى جدة ليواصل رسالته الطبية دون أن يكون لشهرته أي تأثير على بساطته وتواضعه، وعلى مدى ربع قرن، بقي- كما هو- إنساناً وطبيباً للناس.

ربما لا يزال الإعلام حائراً في فك شفرة هذه الشخصية، التي تسير عكس التيار، شخصية لا تبحث عن الألقاب، ولا تهتم بالأضواء، فكل ما يسعى إليه هيثم الشاولي هو أن يكون إنساناً نافعاً، يزرع الخير بصمت.

لقد أدرك الطبيب هيثم الشاولي المعنى الحقيقي للسعادة، وهو أن تساعد وتخدم الآخرين بصمت وتواضع من غير مقابل، وهذا ما فعله؛ وفاءً لوعدٍ قطعه على نفسه أمام والده، رحمه الله.

ختاماً..

ليست كل الأضواء برّاقة، وليست كل الشهرة دليلاً على العظمة، فكثير من العظماء يمشون بيننا في هدوءٍ، يخدمون، يعطون، ويصنعون الفرق دون أن نلاحظهم، وهذا ما يجعلهم أكثر تألقاً من الجميع، وهكذا هو الطبيب الفنان (هيثم شاولي).

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version