نشرت في
اعلان
أصدر الجيش الإسرائيلي، صباح اليوم الثلاثاء، إنذارًا لحوالي مليون غزي على الأقل يعيشون في مدينة غزة، يطالبهم بإخلائها من الشرق إلى الغرب، مشيرًا إلى أنه “سيعمل في المنطقة بقوة كبيرة” من أجل “الحسم العسكري مع حركة حماس”، داعيًا المدنيين إلى التوجه عبر محور الرشيد باتجاه المنطقة الإنسانية في المواصي جنوب القطاع.
وقد وصف مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة، محمد أبو عفش، أوامر الإخلاء الإسرائيلية بأنها “مستحيلة” و”غير عملية”، نظرًا لكثافة السكان وضيق المساحة المطلوب التوجه إليها جنوبًا، خاصة وأن العديد من الغزيين باتوا “غير مقتنعين بأن الجنوب أكثر أمانًا”، وفق تعبيره.
صحيفة “هآرتس” العبرية نقلت عن تقديرات إسرائيلية أن أكثر من نصف مليون شخص قد لا يغادرون منازلهم في مدينة غزة وشمال القطاع، فإلى أي حد تعتبر فكرة الإجلاء في غزة قابلة للتنفيذ؟
عملية برية متوقعة
منذ أسابيع، يتوقع الفلسطينيون أن يبدأ الغزو البري لمدينة غزة، مع مصادقة الحكومة ورئيس الأركان إيال زامير على خطة “عربات جدعون 2″ التي تهدف إلى القضاء على “معقل حركة حماس” والحسم العسكري في المدينة.
ومع ذلك، يعتبر الإنذار الذي صدر اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي عبر صفحة المتحدث باسم الجيش، أفيخاي أدرعي، والذي وُزّع بمناشير ورقية أسقطتها طائرات حربية على المدنيين، الأكثر “رهبة” ووقعًا بين جميع الإنذارات السابقة، إذ كانت تلك تتوجه للمستشفيات ودور الرعاية وأماكن العبادة وحتى المجمعات السكنية على مراحل، لكن إنذار اليوم يشمل هذه المرة كافة المدينة المكتظة بالسكان.
مدينة غزة وعدد سكانها
تقع مدينة غزة شمال قطاع غزة، في الطرف الجنوبي للساحل الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، بمساحة تمتد نحو 56 كيلومترًا مربعًا، ويقطنها حوالي مليون غزي، وفقًا لتقديرات الصليب الأحمر الدولي.
تقول الأمم المتحدة إن عدد سكان قطاع غزة يصل إلى 2.1 مليون نسمة، ويشير المكتب الفلسطيني المركزي للإحصاء إلى أن هذا العدد انخفض منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023 غداة هجوم حماس وحتى يوليو/تموز الماضي بنسبة لا تتجاوز 6% فقط، أي أن هناك على الأقل نحو 2 مليون فلسطيني في القطاع.
إلا أن الدولة العبرية تقول إن هذه البيانات “مفبركة ومبالغ فيها ومُحوّرة بهدف تشويه صورة إسرائيل”.
من جهة ثانية، يفيد آخر تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن إسرائيل، حتى 3 سبتمبر 2025، باتت تسيطر على نحو 86.5% من قطاع غزة، وأن معظم سكانه يعيشون ضمن المنطقة العسكرية، أو تحت أوامر التهجير، أو في مناطق تتداخل فيها هذه الأوامر.
وقد حدث أكبر تهجير للسكان في 26 أغسطس الماضي، حيث نزح حوالي 15,535 شخصًا نحو غرب مدينة غزة، ودير البلح، وخان يونس.
وبين 27 و31 أغسطس، أُبلغ أن 83% من حالات التهجير كانت من مدينة غزة نحو مناطق الجنوب مثل دير البلح وخان يونس.
لكن هل تسعهم مواصي خان يونس؟
بالقيام بحسابات بسيطة، يتبين أن مساحة مدينة مواصي خان يونس، التي طلبت تل أبيب أن يتوجه السكان إليها، لا تتجاوز 12 كيلومترًا مربعًا، وهي تمثل 3.3% من مساحة القطاع بالكامل، كما أن مدينة غزة أكبر من المواصي بحوالي 4.7 مرات.
وهذا يعني أن هناك لكل شخص حوالي 12 مترًا مربعًا فقط للتحرك، هذا ما لم نأخذ عدد الأشخاص الموجودين في المواصي قبل النزوح.
قلق بالغ بسبب الاكتظاظ
في الأسبوع الماضي، أعربت مجموعة إدارة المواقع التابعة للأمم المتحدة (SMC) عن قلق بالغ إزاء تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة.
وأشارت إلى أن السكان يعيشون ظروفًا مزرية في مواقع التهجير، بما في ذلك الاكتظاظ الشديد وسوء النظافة ونقص المياه، مؤكدة أن الأراضي في دير البلح وخان يونس تستضيف آلاف العائلات النازحة ولا يمكنها استيعاب المزيد من النازحين من مدينة غزة بشكل كافٍ.
كما أفاد مراقبو الحماية في الأونروا أن معظم الملاجئ تعمل بكامل طاقتها، ما أدى إلى نوم بعض العائلات النازحة في الخارج أو في مناطق غير آمنة.
ويزيد نقص مستلزمات التنظيف والصرف الصحي من خطر انتشار الأمراض، وهناك حاجة ماسة للصيانة الفورية لمرافق الحمامات في الملاجئ.
إضافة إلى ذلك، تقول الأونروا إن هناك نقصًا حادًا في الحفاضات، التي لا تستطيع العائلات الضعيفة تحمل تكلفتها بسبب ارتفاع الأسعار في السوق.
كما يواجه الأطفال مخاطر متعددة تشمل نقص الأماكن الآمنة، والإهمال في الإبلاغ عن حالات الإساءة، وحواجز أمام التعليم والرعاية الصحية، والوعي المحدود بحقوقهم.
ماذا يقول القانون الدولي؟
تنص اتفاقية جنيف الرابعة (المادة 49) والبروتوكول الإضافي الثاني (المادة 17) على حظر نقل السكان القسري كوسيلة من وسائل الحرب. ويطبق هذا القانون على النزاعات الدولية وغير الدولية على حد سواء، مشيرًا إلى أن الإخلاء العسكري مسموح به فقط في ظروف محدودة جدًا.
وتحدد الاتفاقية هذه الظروف في المادة 49 على النحو التالي:
-
يمكن تنفيذ الإخلاء العسكري فقط إذا كانت سلامة السكان أو أسباب عسكرية ملحة تتطلب ذلك.
-
يجب أن تكون هذه الإخلاءات مؤقتة، ويجب إعادة الأشخاص الذين تم إخلاؤهم إلى منازلهم بمجرد توقف الأعمال العدائية في المنطقة المعنية.
-
لا يجوز أن تشمل الإخلاءات تهجير الأشخاص المحميين خارج حدود الأراضي المحتلة، إلا إذا تعذر تجنب ذلك لأسباب مادية.
-
يجب أن تُنفذ الإخلاءات مع احترام مصالح السكان المدنيين؛ فلا يجوز نقلهم إلى مناطق معرضة لخطر الحرب، ويجب ضمان سكن مناسب، ونقل صحي وآمن، وتغذية كافية، مع عدم فصل أفراد الأسرة.
-
يجب إبلاغ القوة الحامية أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأي عمليات إخلاء فور حدوثها.