بقلم:&nbspيورو نيوز

نشرت في

اعلان

أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإقالة رئيسة مكتب الإحصاءات العمالية، إيريكا ماكنتارفر، موجة قلق واسعة في الأوساط الاقتصادية، إذ يهدد القرار مصداقية البيانات الرسمية في وقت حرج تتزايد فيه حاجة الأسواق والمستثمرين إلى مؤشرات موثوقة بشأن صحة الاقتصاد الأميركي.

وجاءت الإقالة بعد نشر بيانات مخيبة للآمال حول نمو الوظائف في الولايات المتحدة، إلى جانب مراجعات هبوطية كبيرة لأرقام سابقة. ورغم عدم تقديم أي دليل، اتهم ترامب ماكنتارفر بالتلاعب بالأرقام، واصفًا إياها بأنها “معيّنة سياسية من إدارة بايدن”، وهو ما اعتُبر بمثابة تدخل سياسي مباشر في مؤسسة يفترض أن تكون مستقلة.

ويرى مايكل ستراين، مدير دراسات السياسات الاقتصادية في معهد “أميركان إنتربرايز” المحافظ، أن “مجرد الشك بوجود تابع سياسي يدير الوكالة ويُنتج بيانات غير حقيقية، يُشكل أزمة ثقة عميقة”، على حد تعبيره.

 

أزمة ثقة قد تمتد لسنوات

تؤكد تجارب دولية سابقة أن فقدان الثقة في البيانات الرسمية ليس بالأمر الهيّن، وقد يتطلب سنوات لاستعادتها، كما حدث في الأرجنتين وتركيا واليونان والصين.

فعلى سبيل المثال، شكك كثيرون في بيانات التضخم الأرجنتيني عام 2024، رغم تسجيلها أول معدل تضخم أحادي الرقم منذ شهور، في ظل سجل طويل من التلاعب في الأرقام خلال العقدين الماضيين. ويقول ألدّو أبرام، من مؤسسة “الحرية والتقدم” الليبرتارية في بوينس آيرس، إن “الناس ما زالوا يتذكرون التزوير السابق، وهذا يُغذي الشكوك الحالية”.

وفي تركيا، جرى تغيير رئيس معهد الإحصاء أربع مرات منذ عام 2019، وسط اتهامات باستخدام الجهاز كأداة سياسية. ويرى روجر مارك، محلل الدخل الثابت في شركة “Ninety One”، أن هذه التغييرات أدت إلى “تآكل تدريجي في ثقة المستثمرين بالأرقام الرسمية”.

أما في اليونان، فقد تطلب الأمر إصلاحًا جذريًا لوكالة الإحصاء الوطنية “ELSTAT” عام 2016، وتشكيل لجنة دولية لاختيار رئيسها، بهدف استعادة الثقة عقب فضيحة إخفاء عجز الميزانية التي ساهمت في اندلاع أزمة الديون السيادية.

وفي الصين، رغم الجهود لتحسين جودة البيانات، بما في ذلك إصدار مقياس جديد للبطالة بين الشباب مطلع عام 2024، إلا أن الشكوك ظلت قائمة بسبب “تاريخ طويل من التلاعب”، بحسب محلل “كابيتال إيكونوميكس” جوليان إيفانز-بريتشارد.

تشكيك… ومصادر بديلة

مع تصاعد الشكوك، يُجبر المحللون والمستثمرون على التوجه إلى مصادر بديلة لقياس النشاط الاقتصادي. وتطوّر مؤسسات بحثية مؤشرات خاصة تعتمد على بيانات متنوعة، كما في “مؤشر النشاط الصيني” التابع لـ”كابيتال إيكونوميكس”، الذي يستخدم 18 مؤشراً من حركة الشحن إلى استهلاك الكهرباء.

لكن، بحسب إريك وايزمان، كبير الاقتصاديين في “MFS Investment Management”، فإن “الكثير من هذه البيانات تُعد ناعمة وتعتمد على الاستطلاعات والانطباعات، وليس على أرقام دقيقة مثل ساعات العمل أو حجم الإنتاج”.

وفي ظل هذا الوضع، يُخشى أن تدفع إقالة ماكنتارفر المؤسسات إلى الاعتماد المتزايد على بيانات غير حكومية، ما يعمّق أزمة الثقة.

سيتولى ويليام ويتروفسكي، نائب مفوض مكتب الإحصاءات العمالية، منصب المفوض المؤقت إلى حين تعيين بديل لماكنتارفر. ويُتوقع أن يُعلن ترامب عن اسم جديد خلال أيام، وفق ما أشار إليه في تصريحات سابقة.

وفي سياق متصل، حذرت “الجمعية الإحصائية الدولية”، وهي هيئة مهنية دولية، من أن هذه الخطوة تمثل انتهاكاً لمبادئ الأمم المتحدة بشأن حماية الإحصاءات المبنية على الحقائق، ودعت الإدارة الأميركية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لاستعادة الثقة العامة في البيانات الفيدرالية.

المخاوف من “نظام الغنائم”

أثار القرار كذلك مخاوف من إعادة تفعيل ما يُعرف بـ”نظام الغنائم”، والذي يسمح بتعيين موالين سياسيين في مناصب حكومية حساسة. وقال إنريكو جيوفانيني، كبير الإحصائيين السابق في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، في حديث لـ “رويترز”إن النظام الأميركي يتيح مجالًا أوسع لتعيينات سياسية مقارنة بدول أخرى تعتمد على فترات خدمة ثابتة.

من جهته، حذر آرون سوجورنر، الباحث في معهد “أبجون” لأبحاث التوظيف، من أن أمرًا تنفيذيًا سابقًا لترامب بشأن التوظيف الفيدرالي – ينص على تخصيص المناصب لمن يُثبت ولاءه للقيم والمصالح الأميركية – قد يؤدي إلى تحويل العديد من الوظائف الإحصائية إلى مناصب سياسية، يمكن فيها فصل الموظفين بسبب مواقفهم.

وقال: “هذا سيحوّل عدداً من هذه الوظائف إلى مناصب سياسية، حيث يمكن طرد الموظفين لأي سبب إذا لم يرضوا القادة السياسيين”، محذرًا من تداعيات ذلك على استقلالية أجهزة الإحصاء.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version