في ظل تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هدّد بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات السلع من دول الاتحاد، مع تأجيل تنفيذ هذه الخطوة حتى 9 يوليو/تموز المقبل لإفساح المجال أمام المحادثات.
وبحسب بيانات مكتب الإحصاء الأميركي، فإن الاتحاد الأوروبي يُعدّ الشريك التجاري الأكبر لواشنطن، متفوقًا على كل من المكسيك وكندا والصين. فقد بلغت قيمة واردات الولايات المتحدة من دول الاتحاد عام 2024 نحو 606 مليارات دولار، مقابل صادرات قُدّرت بـ370 مليار دولار، مما خلّف عجزًا تجاريًا بلغ 236 مليار دولار في السلع وحدها، وهو ما يصفه ترامب بأنه “غير مقبول”.
أرقام ضخمة وشركاء كبار
ويمثل التبادل التجاري في السلع والخدمات بين الطرفين حوالي 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي عام 2024، متفوقًا على التجارة مع الصين التي شكّلت 2.2% من الناتج الأميركي.
وتُعدّ المنتجات الدوائية أكبر الواردات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، بإجمالي بلغ 127 مليار دولار عام 2024، وذلك بفضل وجود شركات مثل “باير” و”سانوفي” إضافة إلى مصانع أميركية في أيرلندا تستفيد من معدلات الضرائب المنخفضة. وقد تفوقت صادرات أيرلندا لأميركا على صادرات كل من إيطاليا وفرنسا.
كما استوردت أميركا سيارات أوروبية بقيمة 45.2 مليار دولار، إلى جانب معدات صناعية متنوعة، ونحو 5.4 مليارات دولار من النبيذ، و4.4 مليارات دولار من العطور.
صادرات أميركية حيوية
في المقابل، يُعدّ الاتحاد الأوروبي مستوردًا رئيسيًا للنفط الخام الأميركي والسيارات والطائرات ومنتجات الدم كالبلازما. وقد بلغت قيمة صادرات الطائرات الأميركية وقطع الغيار 32.3 مليار دولار، بينما بلغت صادرات السيارات 12.4 مليار دولار. وبحسب الصحيفة فإن كثير من تلك السيارات أوروبية الصنع وتُنتج في مصانع أميركية مثل “بي إم دبليو” و”مرسيدس”.
كذلك صدّرت الولايات المتحدة للاتحاد الأوروبي ما قيمته نحو 5.2 مليارات دولار من منتجات البلازما، مما يكرّس دورها كلاعب رئيسي في تجارة الدم العالمية.
خلافات متكررة ومصالح متشابكة
ورغم العجز الكبير في السلع، فإن الفجوة تنخفض عند احتساب الخدمات، إذ بلغ عجز الولايات المتحدة الإجمالي -بما في ذلك الخدمات- نحو 161 مليار دولار فقط. وقدّرت الولايات المتحدة صادراتها الخدمية للاتحاد الأوروبي بنحو 277 مليار دولار، في حين بلغت وارداتها 201 مليار دولار. ومن المرجح أن تشكّل خدمات التكنولوجيا، مثل تلك التي تقدمها شركات أميركية كبرى، إحدى نقاط التوتر المستقبلية في حال نشبت حرب تجارية.

ذاكرة الحرب التجارية السابقة
وسبق أن اندلع نزاع تجاري مماثل عام 2018، حين فرض ترامب في ولايته الأولى رسومًا جمركية بنسبة 25% على الفولاذ و10% على الألمنيوم، مدعيًا أسبابًا تتعلق بالأمن القومي.
وردّ الاتحاد الأوروبي برسوم جمركية على بضائع أميركية بقيمة تفوق 3 مليارات دولار، شملت منتجات مثل الجينز والدراجات النارية.
وعام 2021، توصلت إدارة الرئيس جو بايدن إلى اتفاق مع بروكسل لتجميد تلك الإجراءات، حيث وافقت واشنطن على إعفاء كمية محددة من واردات الصلب والألمنيوم الأوروبي من الرسوم، مقابل تعليق بروكسل رسومها الانتقامية.
الترقب يسود
ويشير التقرير إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يزال مترددًا في الانخراط بمواجهة شاملة ضد الصين الشريك الاقتصادي المهم للقارة، الأمر الذي يثير استياء الإدارة الأميركية. وتكشف الوثائق الأخيرة المتبادلة بين الطرفين أن واشنطن تطالب بتنازلات تشمل حواجز غير جمركية وقضايا تتعلق بـ”الأمن الاقتصادي” وهي لغة تُستخدم للإشارة إلى مخاوف أميركية من تنامي النفوذ الاقتصادي الصيني.
وفي الوقت الذي تتحرك فيه الولايات المتحدة سريعًا باتجاه فرض إجراءات، تلتزم المفوضية الأوروبية (الجهة التنفيذية للاتحاد) بالتشاور المستمر مع الدول الـ27 الأعضاء، وهو ما يُبطئ مسار التفاوض ويزيد من توتر واشنطن.
وقد صرّح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت -في لقاء مع قناة “فوكس نيوز” الجمعة الماضية- أن التهديد بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% قد “يشعل شرارة” في موقف الاتحاد الأوروبي، بينما قال مفوض التجارة الأوروبي ماروش شيفشوفيتش إن الاتحاد لا يزال منخرطًا بشكل كامل في المحادثات لكنه “جاهز للدفاع عن مصالحه”.