Published On 3/9/2025
|
آخر تحديث: 15:37 (توقيت مكة)
اتخذت الصين أمس خطوة نحو تنفيذ مشروع “قوة سيبيريا 2” لاستيراد النفط من روسيا، ووافقت على زيادة الطاقة الاستيعابية لمسارات استيراد أخرى كذلك.
وقبل أيام، قدمت الصين تنازلا مهما آخر على حساب الولايات المتحدة، إذ غضت الطرف لأول مرة عن شحنة غاز طبيعي مسال من القطب الشمالي تخضع لعقوبات أميركية.
وعدّت بلومبيرغ الخطوات الصينية الأخيرة تهديدا لمساعي الرئيس دونالد ترامب لترسيخ هيمنة أميركا على قطاع الطاقة.
وذكرت بلومبيرغ في تقرير نشرته اليوم أن الكثير من التفاصيل ما زالت غير واضحة، فلم تؤكد بكين اتفاقية خط الأنابيب، التي وصفتها شركة غازبروم الروسية بأنها ملزمة، واستخدمت لغة أوسع نطاقا بشأن اتفاقيات الطاقة في تصريحاتها الرسمية، وحتى الآن لم تصل سوى شحنة واحدة من الغاز الطبيعي المسال إلى ميناء بيهاي، كما أنه من غير المرجح أن تكون الصين تخلت عن حرصها على الحفاظ على مجموعة من الموردين المحتملين.
لكن العلاقات التي تربط روسيا بأهم مستهلك لها قد تعززت بلا شك، وفق الوكالة.
رسالة جيوسياسية
ونقلت الوكالة عن مدير أبحاث الصين في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة ميشال ميدان قوله “إن الرسالة الجيوسياسية ذات دلالة.. روسيا بحاجة إلى مشترين لغازها، ولطالما روجت لتوجهها شرقا، فهذا منفذ مهم لغازها”، مضيفا أن الصين “تتحوط من تعرضها للغاز الطبيعي المسال الأميركي وهيكلية التداول المالي الأميركية”.
وحسب بلومبيرغ، يعد خط الأنابيب حيويا للجهود المبذولة لتأمين مشترين جدد في آسيا بعد أن توقفت تدفقات الغاز إلى أوروبا التي كانت أكبر مستهلك للغاز الروسي تقريبا قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022.
وبإضافة توسيع خطوط الأنابيب الحالية، فإن ذلك يعادل أكثر من 40 مليون طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال، أي أكثر من نصف إجمالي واردات البلاد من الوقود الفائق التبريد العام الماضي، حسب وحدة بلومبيرغ “إن إي إف” التي تركز على السلع ومنتجات الطاقة.
وفي حين لم تعلن غازبروم، التي ستورّد الغاز عبر خط أنابيب “قوة سيبيريا 2″، عن موعد بدء تشغيل الخط، تتوقع وحدة بلومبيرغ “إن إي إف” أن يبدأ التصدير بعد عام 2030.
وقال محللون من بيرنشتاين في مذكرة: “بما أن الصين هي أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال، فإن هذا سيقلب سوق الغاز الطبيعي المسال رأسا على عقب.. وبالنسبة لمشاريع الغاز الطبيعي المسال التي لا تزال قيد الدراسة، سيشكل ذلك تأثيرا سلبيا كبيرا”.
ولم يكن توقيت تغيير موقف بكين مصادفة، وفق بلومبيرغ، فقرارها شراء المزيد من الغاز الروسي -أو على الأقل السماح بهذا الخيار- يأتي بعد أن فرض ترامب تعريفات جمركية شاملة وردّ شي جين بينغ، بما في ذلك فرض رسوم على الغاز الطبيعي المسال الأميركي، ومع تصاعد التوترات حول مضيق هرمز، وهو شريان حيوي لشحنات الغاز الطبيعي المسال.
ولم يساعد ارتفاع الأسعار المستمر، وهو نتيجة مستمرة للحرب في أوكرانيا، على تحسين الوضع.
ولم يستورد المشترون الصينيون الغاز الأميركي لأكثر من 6 أشهر، وهذه أطول فترة امتناع منذ الحرب التجارية السابقة، خلال ولاية ترامب الأولى.
وبالنسبة لبكين، قد يكون مشروع “قوة سيبيريا 2” حيويا لاستمرار قدرتها على الاختيار والانتقاء، اعتمادا على المرونة المضمنة في أي اتفاق نهائي مع موسكو، وسيكون خط الأنابيب أكبر قناة لواردات الغاز إلى الصين. وتزداد أهمية هذا المشروع مع سعي الاتحاد الأوروبي إلى حظر الواردات الروسية من الوقود بحلول نهاية عام 2027.
منفذ أهم من الربحية
ولإتمام الصفقة، من المرجح أن تضطر روسيا إلى قبول أسعار منخفضة للغاية تقترب من مستويات الأسعار المحلية الصينية، إلى جانب التزامات شراء ضعيفة تزيد من خطر عدم استغلال خط الأنابيب بالكامل، وفقا للخبيرة المخضرمة في أسواق النفط والغاز الروسية تاتيانا ميتروفا التي تعمل حاليا في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا.
وتقول ميتروفا: “هذا يعني أن الربحية محل شك. لكن بالنسبة لموسكو، فإن إثبات أنها لا تزال تمتلك منفذا كبيرا وطويل الأجل للتصدير أهم من هوامش الربح”.
وكل هذا يعني أن الغاز الروسي قد يغطي 20% من احتياجات الصين بحلول أوائل ثلاثينيات القرن 21، مقارنة بنحو 10% حاليا، وفقا لبيرنشتاين.
مع ذلك، فإن الهدف هو إثبات أن الصين لا تحتاج إلى كميات إضافية من الغاز الطبيعي المسال الأميركي لتلبية طلبها المستقبلي، وهذا الاحتمال سيقلق البيت الأبيض ومطوري الغاز الطبيعي المسال الأميركيين.
وقالت ميتروفا إن هذا “يشير إلى نية بكين التحوط من الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال الأميركي، لا سيما في ظل تدهور العلاقات”، بين أكبر اقتصادين في العالم.
لم تكن رسالة المرونة التي بعث بها قطاع الغاز الطبيعي المسال الروسي هذا الأسبوع أقل وضوحا، إذ رست أول شحنة من مشروع تصدير الغاز الطبيعي المسال 2 في القطب الشمالي، الخاضع لعقوبات أميركية، في الصين، مما يمثل اختبارا لرغبة إدارة ترامب في تطبيق القانون.
وتعدّ الشحنات البحرية رافعة حيوية في جهود موسكو لإيجاد أسواق جديدة، لكن شركة نوفاتيك بي جيه إس سي، التي تقود عملية القطب الشمالي، واجهت صعوبة في العثور على مشترٍ لشحناتها منذ إدراج المشروع في القائمة السوداء في أواخر عام 2023، حتى بعد أن بدأت استخدام سفن أسطول الظل التي يصعب تتبع مالكيها وتحركاتها.
يأتي ذلك أيضا على الرغم من الجهود المتضافرة لجذب العملاء الصينيين الذين أبلغوا، وفقا لمصادر لبلومبيرغ، بأن ترامب قد يخفف العقوبات على المشروع لدفع محادثات السلام في أوكرانيا.
ولم تحسم الصين الأمر إلا بعد اجتماع بوتين مع ترامب في منتصف أغسطس/آب الماضي في ألاسكا، إذ بدا الزعيم الروسي -دبلوماسيا- كأنه قد عاد إلى وضعه الطبيعي، وبينما لم تناقش العقوبات على مشروع الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي 2 تحديدا، إلا أن الزعيمين تحدثا بإيجاز عن التعاون مع نوفاتيك في مشاريع الغاز في القطب الشمالي، وفقا لمصادر لم تكشف بلومبيرغ عن هويتها.
وبعد ساعات قليلة من هذه المحادثات، بدأت شحنات مشروع الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي بالتحرك، واتجهت سفن محملة بالوقود من المنشأة نحو الصين، إذ روجت نوفاتيك مجددا لعمليات التسليم على أنها أمر لن تتطرق إليه واشنطن فورا.
وتأكد هذا التقدم في أواخر الأسبوع الماضي، عندما أفرغت ناقلة الغاز الطبيعي المسال “أركتيك مولان” حمولتها في الصين قبل أيام قليلة من زيارة بوتين، وقد تسلّمت الشحنة شركة مملوكة للدولة، وفقا لمصادر نقلت عنها بلومبيرغ.