إذا كنت تبحث عن دراما عائلية قصيرة للمشاهدة في عطلتك الأسبوعية، أو عمل مناسب للكبار والصغار، يمس شغاف القلب لكنه يعرف أيضا كيف يجلب لك الضحكة من أعمق نقطة بوجدانك، نرشح لك مسلسل نتفليكس الجديد “كتالوج” الذي بمجرد عرضه بات حديث الجميع عبر منصات التواصل الاجتماعي بسبب حساسية موضوعه الذي لم تخل منه غالبية البيوت والعائلات.

حب بعد الفقد

تدور أحداث العمل بالأساس حول يوسف/محمد فراج الذي فقد زوجته أمينة/ريهام عبد الغفور حديثا إثر معركة خاسرة ضد مرض السرطان، وعوضا عن الاكتفاء بدوره الأزلي وكونه الأب المعيل ماديا فقط للأسرة، يجد نفسه فجأة مضطرا لتنحية طموحه المهني قليلا والعمل على رعاية أولاده منصور/علي البيلي، وكريمة/ريتال عبد العزيز الذين لا يعرف عنهم إلا أقل القليل.

وفي خضم شعوره بالتيه والتخبط وأشباح الفشل التي تحيط به من كل اتجاه، يعثر بالصدفة على فيديوهات توعوية على قناة زوجته على يوتيوب تشرح خلالها أسس التربية والسبيل الأمثل لاحتواء الأبناء.

وهو الحل الأقرب إلى السحر الذي لا يساعد البطل فقط على تجاوز الخطوات الأولى بمشواره كأب حقيقي يتعلم بالتجربة والخطأ كيف يضم الأولاد إلى كنفه ويمنحهم قبسا من الدفء الأبوي ويعوضهم عن روح الأسرة المفقودة، لكنه يجعله أيضا يعيد اكتشاف إمكانياته الشخصية ويساعده على التغلب على شعوره الصارخ بفقده زوجته.

هكذا ومن خلال رحلة الأبطال، يستعرض “كتالوج” فكرة الفقد من منظور بنّاء ومحفز، وليس قالبا ميلودراميا مبالغا فيه. موضحا أن الفقد وإن كان ينخر قلوب أصحابه ويؤثر على حياتهم وحياة المقربين منهم، لكن ردود الأفعال حوله تختلف بين شخص وآخر.

وفي حين يفضل أحدهم الانغماس بالعمل للهروب من مر الواقع، هناك من يهرب بالعلاقات بحثا عن أي صوت يعلو على صوت الوجع، وآخرون يقررون المواجهة والغوص ضد تيار الحزن وليكن ما يكون.

 

المضمون على حساب عدد الحلقات

بعيدا عن دراما الموسم الرمضاني المتكدس، ومسلسلات الـ30 حلقة أو الأعمال ذات الـ90 حلقة المقتبسة عن “فورمات” أجنبي هجين، يأتي هذا العمل ليثبت أن المضمون والجوهر أهم من عدد الحلقات، وأن المحتوى قد يصبح كفيلا وحده لشحذ الزخم الجماهيري.

الغريب أن العمل تأليف أيمن وتار الذي اشتهر بكتاباته الكوميدية التي حقق العديد منها أعلى الإيرادات/المشاهدات، مثل: فيلم نادي الرجال السري والبعض لا يذهب للمأذون مرتين، ومسلسل الوصية، لكنه يحاول هذه المرة كسب أرض جديدة عبر دراما مؤثرة وجادة، مما جعل بعض المشاهدين يصنفونه أفضل ما قدمه بمسيرته حتى الآن.

 

بالإضافة إلى الكتابة الحساسة والملهمة والسيناريو ذي الإيقاع القصصي السريع بما لم يدع مجالا للملل حتى إن الكثيرين اعترفوا عبر حساباتهم الخاصة على منصات التواصل أنهم أنهوا حلقات العمل الثمانية خلال جلسة واحدة مكثفة ومرهقة بآن واحد؛ امتاز العمل بالخطوط الدرامية الجانبية التي لم تكتب أو تقدم باستسهال، إذ جاءت الشخصيات داعمة لكن لها وجعها الخاص وما يؤرقها بالحياة من فقد أو مرض أو أحلام مؤجلة.

كما تميز بالأداء الواقعي والعاطفي من الأبطال بداية من محمد فراج وريهام عبد الغفور الذين على قلة المشاهد التي جمعتهم ظهرت الكيمياء بينهما. وفي حين أضفت ريهام عبد الغفور لدورها الكثير من العاطفة، نجح فراج بتجسيد لحظات الضعف التي تمر بها شخصيته ليعرف كيف يبكيك ويضحكك خلال لحظات متتالية.

مرورا ببيومي فؤاد في دور القبطان جورج الذي يعيد إلى أذهاننا حضوره كممثل مخضرم لا محض كوميديان في أعمال لا يشاهدها حتى صانعيها، وصولا إلى الطفلين ريتال عبد العزيز وعلي البيلي الذي سبق وشاهدناه في رمضان الماضي بمسلسل “لام شمسية”، ويعدان مفاجأة العمل، وقد استطاعا وبجدارة تجسيد شخصيات الأبناء الذين يحاولون التكيف مع فقد الأم كل بطريقته وأثبتا حضورهما بقوة على قدم وساق مع كبار النجوم.

جائزة الأفضل

وإن كان يمكننا أن نمنح جائزة أفضل دورين بالمسلسل إلى سماح أنور وشخصية أم هاشم التي حرمت من الأمومة فقررت العمل دادة تعتني بالأبناء، وإن أظهرت الصرامة والجفاء أحيانا بوجه الكبار سرعان ما نجدها بالمشهد نفسه تمنح الحب والتفهم الذي يبحث عنه الصغار وهو ما غزلته بالكوميديا الذكية والمواقف الفكاهية التي لم تفشل بإضحاك المشاهدين.

الجائزة الأخرى تأتي من نصيب خالد كمال بدور حنفي، الأخ الكبير والعم الحنون وشقيق الزوج المثالي، دور متكامل وخط درامي شديد الثراء يثبت أن خالد كمال لا يزال لديه من الموهبة الكثير مما لم يكشف عنه بعد.

ورغم أن العمل هو التجربة الدرامية الثالثة للمخرج وليد الحلفاوي، وأحدث أعماله بعد فيلم “وش في وش” الذي حقق نجاحا هائلا، فإنه يثبت به أقدامه بالصناعة ويؤكد قدرته على تقديم أعمال يتعلق بها المشاهد، بلمسات فنية هادئة وتقنيات بصرية محسوبة وإن كانت قادرة على ترك بصمة قوية وتحقيق المعادلة الصعبة حيث الراحة البصرية والبساطة التي تخدم الحالة النفسية وتخلق توازنا بين الحزن والفرح.

 

الاستغلال الأمثل لضيوف الشرف

من بين نقاط قوة العمل الأخرى، الاستغلال الأمثل لضيوف الشرف الذين لم يلجأ لهم صناع المسلسل لما يتمتعون به من أسماء رنانة أو لمزيد من تكديس النجوم على الشاشة مثل قطع الاكسسوار، وإنما منحوا أدوارا -رغم قصرها- حملت على عاتقها بعض رسائل العمل وأنارت للأبطال عتمة الطريق.

من بين هؤلاء الضيوف عمرو يوسف، ومحمد محمود عبد العزيز، ومحمد شاهين، وحمزة العيلي، بيد أن أكثرهم تألقا كانت حنان مطاوع التي لم تظهر سوى بمشهدين ومع ذلك نالت استحسان الجمهور وجمل الإطراء من زملاء مهنتها.

دراما حقيقية

العيب شبه الوحيد الذي يمكن الإشارة إليه بوضوح، هو لَيّ ذراع الدراما أحيانا لتقديم رسائل مباشرة مع أن العمل يحمل بين طياته عشرات الرسائل الأخرى الهادفة وغير المباشرة، إذ ضفرت مع المواقف الحياتية بطريقة سلسة وإبداعية.

أبرزها كان مشهد محمود الخطيب الذي منح البطل درسه الأخير، وبخلاف الرسائل كانت هناك مشاهد أخرى جرى لَيّ ذراعها أيضا ولكن بغرض الضحك، مثل مشهد “اللانش بوكس” الذي بدا غير منطقيا.

كتالوج | المقدمة الرسمية | Netflix

كيف يصبح الرجل حاضرا كمربي

“كتالوج” مرآة إنسانية تعكس كيف يمكن للواقع تارة أن يكون هادئا وجميلا وتارة أخرى غير محتملا ويثقل الأنفس والأرواح، ولا يسعنا إلا أن نصمد ونعافر لأن الحياة لا تنحصر في الأوقات السعيدة.

كما أنه يعالج نقص الدعم الأبوي والثقافة المجتمعية حول ذلك الدور، مؤكدا أنه ما من دليل سريع للأبوة، بل إنها تجربة أشبه بالبناء، خطوة بعد أخرى، ومع خوض التجارب والتواجد الحقيقي يكون الإصغاء الصادق من دون الاكتفاء بالحضور الجسدي وتبادل الكلمات الرنانة المحفوظة، وتتكون العلاقات الأسرية التي لا تلبث أن تعيش لما بعد الموت.

مسلسل “كتالوج” كتبه أيمن وتار وأخرجه وليد الحلفاوي وأنتجه أحمد الجنايني، بطولة محمد فراج، ريهام عبد الغفور، تارا عماد، سماح أنور، بيومي فؤاد، أحمد عصام السيد، خالد كمال، دنيا سامي، علي البيلي، وريتال عبد العزيز، مع قطاع عريض من ضيوف الشرف المميزين.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version