إذا كنتَ شخصا شديد التعاطف وتستمع للآخرين باهتمام كامل وتميل إلى التركيز على مشاعرهم وتشعر بها أكثر من شعورك بنفسك كما لو كنت تشعر بآلام الآخرين عميقا بداخلك، حتى تجد نفسك مرهقا ومستنزَفا تماما وغير قادر على الاعتناء بالآخرين ولا بنفسك، هنا ينصحك علماء النفس بأهمية وضع حدود لتعاطفك مع الآخرين وانشغالك بهم.
لماذا نتعاطف مع الآخرين؟
التعاطف هو القدرة على مشاركة وفهم مشاعر الآخرين وهناك 3 طرق للتعاطف وهي:
- التعاطف الشعوري: وهو القدرة على مشاركة مشاعر الآخرين حيث يشعر الشخص بالخوف أو الألم عندما يشعر الآخرون بهذه المشاعر أمامه.
- التعاطف المعرفي: ويعني القدرة على فهم مشاعر الآخرين، مثل الطبيب النفسي أو المحلل النفسي الذي يفكك مشاعر المريض بطريقة عقلانية لكنه لا يشاركه مشاعره بالضرورة.
- التعاطف المنظم: الذي يعني القدرة على تنظيم عواطف الشخص والتحكم بها.
عندما نفتقد التعاطف
يساعد التعاطف على توثيق العلاقات بين الناس وبناء علاقات لطيفة ومحبة سواء بين الأصدقاء أو الأزواج أو حتى علاقات العمل، كما يدفعنا لرؤية الأشياء من منظور الآخرين؛ حيث لا تشبه تجربة شخص ما تجربة شخص آخر ولا يمكن أن يفكر شخصان تفكيرا متماثلا.
ويجلب كل شخص أفكاره وتجاربه وصراعاته إلى علاقاته، وبدون محاولة قضاء بعض الوقت لفهم وجهات نظر الآخرين والتعاطف معهم ومع مشاعرهم وأفكارهم؛ لن تنجح العلاقات وسيشعر أطراف العلاقة بأنهم غير محبوبين.
ولا يقتصر الأمر على العلاقات الشخصية، بل يمتد إلى آفاق أوسع، فيمكن أن يؤدي التعاطف إلى تقديم الدعم والمساعدة في الكوارث الإنسانية الكبرى، حيث سيكون العالم مكانا أكثر وحشة وقتامة بدون مشاعر التعاطف.
كيف يجهدنا التعاطف مع الآخرين؟
رغم أن التعاطف يبدو سمة إنسانية محببة إلا أن مساعدة الآخرين والتعاطف معهم يمكن أن يستنزف الشخص عقليا. وقد يكون من المرهق للشخص مساعدة الآخرين باستمرار في التغلب على تحدياتهم، وكما عرفنا التعاطف فهو القدرة على الشعور ببعض آلام الآخرين والتعاطف مع صراعاتهم، وعند الاستمرار في التعاطف لفترات طويلة يحدث ما يسمى بإجهاد التعاطف، وهو شعور شائع لدى محترفي تقديم الدعم النفسي الذين يساعدون الناس كل يوم، لكنه يمكن أن يحدث أيضا مع الأشخاص العاديين الذين يسعون بقوة لمساعدة الأصدقاء والعائلة.
ويعبّر مصطلح “إجهاد التعاطف” عن التأثير الجسدي والعاطفي والنفسي لمساعدة الآخرين والذي غالبا ما يكون تراكميا، ويؤثر على أنشطة الشخص اليومية، وله علامات لا يمكن تجاهلها.
ومن أهم هذه العلامات تقلب المزاج والتحول إلى التشاؤم، وأن يصبح الشخص سريع الغضب أو الانفعال. بالإضافة إلى الانسحاب من الروابط والعلاقات الاجتماعية والانفصال العاطفي عن الناس من حولك.
ويُعد الشعور بالقلق أو الاكتئاب رد فعل شائع أيضا لإرهاق التعاطف الذي قد يدفع الشخص للتشكيك في فعاليته كصديق أو كمقدم للدعم والرعاية، كما يؤثر على الذاكرة في المدى الطويل.
كن متعاطفا بدون تفريط
يفضل أن يتبنى مقدمو الرعاية المتخصصون أو حتى الأصدقاء الذين يتعاطفون مع الجميع باستمرار شعار إنقاذ الحياة في رحلات الطيران “ضع قناع الأكسجين الخاص بك قبل مساعدة الآخرين”. بمعنى الاهتمام بالرعاية الذاتية الجيدة وتطوير روتين يومي يعتمد على النوم الكافي والطعام الصحي والنشاط البدني والاسترخاء والتواصل الاجتماعي الفعلي.
وهنا لا تُعد الرعاية الذاتية أنانية أو عدم إدراك لمشكلات الآخرين لأن التعاطف يجب أن يكون تعاطف ذاتيا أولا وقبل كل شيء قبل الوصول إلى نقطة الإرهاق التام.
تقول عالمة النفس آنا بارانسكي إن علماء النفس يميلون إلى الإفراط في التعاطف ويركزون بشدة على كمال ما يقدمونه وهذا ما يحدث أيضا مع الأصدقاء المتعاطفين. لذلك من الضروري أن يأخذ كل شخص وقته الشخصي لنفسه واحترام كونه هو أيضا إنسان يضطرب ويتأثر بمن حوله.