تعد الأقمار الاصطناعية أحد أعظم الإنجازات البشرية في مجال الفضاء، وعلى مر التاريخ تم بناء معظم الأقمار الاصطناعية من المعدن، غير أنه لا يوجد ما يحول دون استخدام مواد أخرى في بناء هذه الأقمار.
عندما تتخيل القمر الاصطناعي، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك هو شكل المكون المعدني الذي يحتوي على شرائح إلكترونية بداخله. ومع ذلك، فإن هذا يرجع ببساطة إلى أن معظم الأقمار الاصطناعية تم صنعها بهذه الطريقة منذ البداية، وليس هناك ما يعارض استخدام مواد أخرى لبناء الأقمار الاصطناعية.
ولذا، فقد اختبر فريق من الباحثين من اليابان إمكانية استخدام نوع آخر من المواد -وهو خشب المغنوليا (Magnolia wood)- في صناعة الأقمار الاصطناعية.
فضاء أقل تلوثا
وطبقا للتقرير الصحفي الذي نشرته جامعة “كيوتو” (Kyoto University) اليابانية في 18 من مايو/أيار الجاري، فإن المشروع -الذي يعرف باسم “ليغنوسات” (LignoSat)- يستند إلى فكرة بسيطة، تتمثل في إمكانية استخدام الخشب كغلاف خارجي للقمر الاصطناعي. إذ يتميز الخشب عن غيره من المواد في بعض النواحي، نظرا لمرونته وقوته ووزنه النسبي الخفيف، مما يجعله ملائما للتطبيقات الفضائية.
غير أن المشروع يحاول أيضا حل مشكلة أخرى تتعلق بالغلاف المعدني للأقمار الاصطناعية. فعندما يعود القمر الاصطناعي إلى الغلاف الجوي ويبدأ في الاحتراق، تنفصل أجزاء من قشرته -وعادة ما تكون من الألومنيوم- وتصبح محاصرة في مدارها الخاص دون أن تحترق تماما في الغلاف الجوي.
غير أن مثل هذه الشظايا المدارية يمكن أن تسهم في تزايد التلوث الفضائي الناجم عن تراكم الحطام الفضائي، الأمر الذي يمكن التخلص منه باستخدام أغلفة للأقمار الاصطناعية مصنوعة من مواد مختلفة، مثل الخشب.
ولأن الخشب كان جزءا من كائن حي في وقت ما، فإن هناك احتمالية كبيرة بأن يلحقه بعض الضرر إن ترك في بيئات قاسية مثل فراغ الفضاء، غير أنه لم يتم اختبار ملائمة الخشب في بيئات قاسية كتلك.
الخشب بديل ملائم
لذا، قام باحثو مشروع “ليغنوسات” بإطلاق تجربة إلى محطة الفضاء الدولية في العام الماضي، ولمدة استمرت 290 يوما. ووفقا للتقرير الذي نشره موقع “يونيفرس توداي” (Universe Today)، فقد تركت قطع مختلفة من خشب المغنوليا -الذي يتمتع بالمرونة النسبية والقوة والصلابة الكافية- خارج وحدة التجربة على متن محطة الفضاء الدولية، ثم عادت إلى الأرض في يناير/كانون الثاني الماضي.
وقام الباحثون بعد ذلك باختبار هذه الأخشاب عبر تعريضها لمجموعة من اختبارات المواد. ورغم تعرض الخشب إلى إشعاع استمر أكثر من نصف عام في الفضاء، لم يظهر أي تشوه أو تقشير أو تلف سطحي على أي من العينات المفحوصة.
كما أنه لم يحدث أي تغيير جوهري في كتلة العينات، مما يظهر أن الخشب يمكنه أن يوفر حماية طويلة الأمد لأي مكونات داخلية للأقمار الاصطناعية. ويواصل الباحثون جهودهم لدراسة العينات المستعادة من محطة الفضاء الدولية لتحقيق فهم أكثر دقة عن تأثيرات الفضاء على الخشب على المستوى النانومتري.
مستقبل واعد للخشب في الفضاء
وتعد هذه النتائج المبشرة خطوة واعدة نحو استخدام الخشب في صناعة الأقمار الاصطناعية. فمن المخطط أن تطلق وكالة استكشاف الفضاء اليابانية (JAXA) بالتعاون مع وكالة ناسا في عام 2024 القمر الاصطناعي “ليغنوسات”، الذي سيستخدم على الأرجح خشب المغنوليا.
وبالتأكيد، فإن هذا التطور قد يفتح آفاقا جديدة ويحدث تغييرا ثوريا في مجال صناعة الأقمار الاصطناعية الصغيرة في المستقبل.
وقد تشهد الصناعة الفضائية تحولا نحو استخدام المواد البديلة والمستدامة، مما يعزز الجهود في حماية الفضاء الخارجي والحد من تلوثه بالحطام الفضائي.