في غضون 5 إلى 10 ملايين سنة، يمكن لمحيط جديد أن يقسم القارة الأفريقية إلى جزأين ويحوّل شرقها إلى جزيرة في المحيط الهندي
ببطء شديد يشهد شرق أفريقيا واحدة من أندر الظواهر الطبيعية وهي انقسام القارة إلى جزأين وظهور محيط جديد بسبب مجموعة من الصدوع تمتد على آلاف الكيلومترات، مما قد يؤدي إلى ظهور محيط جديد في المستقبل، بحسب العلماء.
ولكن كيف تشكّلت هذه الصدوع؟ وكيف سيؤدي إلى انقسام القارة ومتى؟ إليك أهم ما يجب معرفته حول هذه الظاهرة الفريدة.
كيف تحدث الصدوع؟
على عكس ما يبدو للعيان، فإن سطح اليابسة ليس ثابتا؛ فقبل ملايين السنين لم تكن خريطة العالم كما تبدو اليوم، ولن تكون في المستقبل البعيد كما هي اليوم بسبب حركة الصفائح التكتونية البطيئة والمستمرة.
هذه الصفائح تشكل الغلاف الصخري للأرض المكون من القشرة والجزء العلوي من الوشاح، وهي تتحرك بالنسبة لبعضها بعضا بسرعات متفاوتة، منزلقة فوق طبقة لزجة من الصهارة الذائبة. لكن الآليات الكامنة وراء هذه الحركة، التي قد تتضمن تيارات الحمل الداخلي والقوى المتولدة عند الحدود بين الصفائح، لا تزال محل نقاش بين العلماء، وفق موقع “ذا كونفرسيشن” (The Conversation).
بالإضافة إلى تحرك الصفائح، فقد تتسبب هذه القوى أيضا في إحداث صدوع تؤدي إلى تمزيقها وتشكيل صفائح جديدة. وبحسب العلماء فإن نظام صدع شرق أفريقيا يعد أبرز مثال على إمكان حدوث هذه الظاهرة الجيولوجية في المستقبل.
ما نظام صدع شرق أفريقيا؟
نظام صدع شرق أفريقيا أو الوادي المتصدع في شرق أفريقيا، عبارة عن حدود تفصل صفائح متباينة متطورة في شرق القارة. في تلك المنطقة يتحرك الجزء الشرقي من أفريقيا، الذي يسمى الصفيحة الصومالية، بعيدا عن الصفيحة النوبية أحد أهم مكونات القارة. وفي نفس الوقت، تبتعد الصفيحتان النوبية والصومالية عن الصفيحة العربية في الشمال، مما يخلق نظام صدع على شكل حرف “واي” (Y) في منطقة عفار بإثيوبيا عند ما يُعرف باسم “تقاطع ثلاثي”.
وبحسب موقع “ذا جيولوجكال سوسايتي” (The Geological Society)، تشكل هذا الصدع في العصر الميوسيني منذ حوالي 25 مليون سنة، ويمتد حاليا لمسافة 3500 كيلومتر من البحر الأحمر شمالا إلى موزمبيق جنوبا، ويتكون من فرعين رئيسيين متوازيين على نطاق واسع: الصدع الشرقي الذي يمر عبر إثيوبيا وكينيا، والصدع الغربي الذي يمتد بشكل منحن من أوغندا إلى ملاوي.
وتقع الصفيحة الصومالية شرق نظام صدع شرق أفريقيا وتتحرك شرقا بعيدا عن الصفيحة النوبية بسرعة بطيئة لا تتجاوز بضعة مليمترات في السنة. ويتسبب انفصال هاتين الصفيحتين في اتساع الوادي المتصدع والمساهمة في تمدد القشرة القارية إلى جانب أنشطة بركانية وزلزالية خاصة في الجزء الشمالي منه.
ويتميز الفرع الشرقي من الصدع بنشاط بركاني أكبر، بينما يتميز الفرع الغربي بأحواض أعمق بكثير تحتوي على بحيرات كبيرة والكثير من الرواسب، ومن بينها بحيرات تنجانيقا، ثاني أعمق بحيرة في العالم.
ويرتبط نظام صدع شرق أفريقيا بنشاط بركاني كبير بسبب حركة الصفائح التكتونية وصعود الصهارة من الوشاح. كما يتميز أيضا بنشاط زلزالي متكرر مع استمرار الصفائح في التباعد.
كيف سيؤدي الصدع إلى انقسام أفريقيا؟
يعتقد العلماء أن أعمدة الوشاح التي تحمل الصهارة الساخنة من أعماق الأرض في اتجاه السطح، تلعب دورا حاسما في تشكل الوادي المتصدع العظيم، من خلال إضعاف القشرة وجعلها رقيقة وأقل سمكا، مما يدفع الصفائح التكتونية إلى الانفصال.
تحت هذا الوادي، عثر العلماء على أدلة جيولوجية عن وجود عمود وشاح عملاق أطلق عليه “البئر الأفريقي الفائق”، يؤدي إلى إضعاف الغلاف الصخري على السطح نتيجة لزيادة درجة الحرارة وإلى تمدده وانكساره.
وبحسب موقع “جيولوجي دوت كوم” (Geology.com)، فإن التدفق الحراري الصاعد من الوشاح تسبب في حدوث “انتفاخات” حرارية في وسط كينيا ومنطقة عفار في شمال وسط إثيوبيا. هذه الانتفاخات شكّلت التضاريس العالية للهضاب الأفريقية الجنوبية والشرقية الواقعة على جانبي الصدع وأدت إلى كسر القشرة الخارجية الهشة وإحداث سلسلة من التشققات تشكل اليوم الوادي المتصدع في شرق أفريقيا.
وكشف الباحثون أن قاع الوادي في منطقة عفار، أصبح مغطى بالصخور البركانية، مما يشير إلى أن الغلاف الصخري في هذه المنطقة قد ترقق لدرجة الانهيار التام تقريبا.
ما عواقب انقسام قارة أفريقيا؟
مع استمرار اتساع الوادي المتصدع في شرق أفريقيا، تشكلت على مدى ملايين السنين العديد من البحيرات في المنخفضات الناتجة عن تمدد قشرة الأرض. ويتوقع العلماء أنه بمرور الوقت، يمكن لهذه المسطحات المائية أن تندمج وتؤدي إلى نشأة محيط جديد يفصل الصفيحتين – الصومالية والنوبية.
كما ستصبح القارة الأفريقية أصغر وسوف تكون هناك جزيرة كبيرة في المحيط الهندي تتكون من أجزاء من إثيوبيا والصومال، بما في ذلك القرن الأفريقي. وتشير التقديرات إلى أن الأمر قد يستغرق بين 5 و10 ملايين سنة أخرى.
وسوف يؤدي تقسيم أفريقيا إلى إعادة تشكيل الجغرافيا العالمية بشكل كبير، فالمحيط الجديد لن يغير فقط كتل اليابسة الموجودة، ولكن سيؤدي أيضا إلى إنشاء خطوط ساحلية وبيئات بحرية جديدة.
كما سيكون لانقسام القارة الأفريقية تأثير على الصفائح التكتونية العالمية، وفق موقع “وورلد أطلاس” (World Atlas) حيث سيؤثر على حركة وتفاعل الصفائح التكتونية الأخرى حول العالم. وقد يؤدي هذا إلى تغييرات في وتيرة وشدة الأحداث الجيولوجية، مثل الزلازل والنشاط البركاني، في مناطق أخرى.
ما تأثيرات الانفصال على المناخ والبيئة؟
يتوقع العلماء أن يكون لانقسام القارة الأفريقية وتشكل محيط جديد تأثير كبير على أنماط المناخ العالمي. ويمكن للمحيط الجديد أن يغير تيارات المحيطات ودوران الغلاف الجوي، مما قد يؤدي إلى تغيرات في درجات الحرارة وهطول الأمطار وأنماط العواصف وإحداث تحولات مناخية بعيدة المدى.
وسيؤدي تقسيم أفريقيا أيضا إلى إحداث تحولات كبيرة في الموائل للعديد من الأنواع وفي التنوع البيولوجي، حيث تتكيف الأنواع مع الأنظمة الطبيعية المتغيرة أو تهاجر إلى موائل أكثر ملاءمة. كما يمكن أن تخلق هذه العملية فرصا لظهور أنواع جديدة، فضلا عن الانقراض المحتمل لأنواع أخرى.
وبالنسبة للعلماء يعد نظام صدع شرق أفريقيا مختبرا ميدانيا فريدا لدراسة نظام صدع حديث ومتطور وفهم كيفية تفكك القارات على مدى ملايين السنين وتأثير ذلك على المنظومات البيئية حولها.