لندن – “على الغرب أن يتعلم كيف يعيش مع أردوغان”، بهذا العنوان اختار موقع “بوليتيكو” (POLITICO) التعليق على العلاقات الغربية التركية، مع استمرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيسا لتركيا لمدة 5 سنوات مقبلة، وهو عنوان يظهر مدى تعقيد العلاقات الغربية التركية، وخصوصا الأوروبية منها.
ولم تخف تحليلات غربية كثيرة أن بروكسل، باعتبارها مركز صناعة القرار الأوروبي، كانت تتابع من كثب الانتخابات التركية، ولها في ذلك مآرب شتى وملفات مشتركة مع تركيا ذات أبعاد مصيرية وحاسمة.
وقالت شبكة “بي بي سي” (BBC) البريطانية إن كل الأزمات الكبرى “لم تكن كافية لهزيمة أردوغان، بدءا بالأزمة الاقتصادية مرورا إلى الزلزال المدمر”، كما ألقت اللوم على معسكر كمال كليجدار أوغلو الذي لم يكن مستعدا للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية.
وستكون على طاولة الأوروبيين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ملفات كثيرة ساخنة تحتاج إلى حلول عاجلة، وتبقى العلاقات التركية البريطانية حالة استثناء مقارنة مع حالة الشد والجذب التي تطبع العلاقات بين أنقرة وبروكسل.
الاستثناء البريطاني
يمكن القول إن العلاقات البريطانية التركية تعيش عصرها الذهبي منذ سنوات، ولم تتأثر بالهزات التي تعرفها العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وتنهج لندن سياسة براغماتية مع أنقرة، تقوم على البحث عن المصالح أولا.
ولم يصدر أي موقف دبلوماسي بريطاني طوال الانتخابات التركية، رغم العلاقة الجيدة مع الرئيس أردوغان، ففي عهده تم تطوير التعاون العسكري بين البلدين وكذلك الاقتصادي.
وتراهن بريطانيا على مواصلة التعاون العسكري بين البلدين، خصوصا في ملف تصنيع الطائرات الحربية وكذلك تصنيع الطائرات المسيرة.
وتوفر تركيا لبريطانيا شريكا جيدا، فبعد سنتين من توقيع اتفاق التبادل الحر بلغت المبادلات التجارية بين الطرفين 23.5 مليار جنيه إسترليني، وهو أعلى رقم في تاريخ المبادلات التجارية بينهما.
هدوء حذر ومخاوف من الملف اليوناني
في مقال عن العلاقات الأوروبية التركية، يتوقع مجتبى رحمن مدير الملف الأوروبي في مجموعة أوراسيا (Eurasia Group) أن العلاقات بين الطرفين في عهد أردوغان ستكون هادئة على المدى القصير، مضيفا أن الاتحاد الأوروبي سيعطي الأولوية لتقديم 7 مليارات دولار التي وعد بها لدعم تركيا للتعافي من آثار الزلزال المدمر في فبراير/شباط الماضي.
كما توقع الباحث المتخصص في العلاقات الأوروبية التركية أن أنقرة أيضا ستظهر مزيدا من الليونة في ما يتعلق بالمطالب الأوروبية للحد من التهرب من العقوبات.
لكنه حذرمن نقطة واحدة قد تفجر العلاقات التركية الأوروبية، وهي التوتر التركي اليوناني، متوقعا أن التصعيد سيكون سيد الموقف في هذا الملف، خصوصا مع إصرار تركيا على مواصلة التنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط.
دبلوماسية مشدودة
بدورها، ذكرت الباحثة في “مؤسسة الأبحاث والملاحظة” (ORF) أنكيتا دوتا الملفات المحددة للعلاقات التركية الأوروبية في السنوات الخمس المقبلة، وتتعلق بملف الهجرة والأمن لا سيما ما يخص أوكرانيا والطاقة والعلاقة مع روسيا.
وتتوقع الباحثة أن المحادثات بين الأوروبيين والأتراك حول الانضمام للاتحاد الأوروبي ستبقى جامدة ودون أي تغيير حقيقي، وهذا خبر جيد للأوروبيين المنشغلين حاليا في بحث انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد.
في المقابل، سوف تستمر الخلافات الغربية التركية المتعلقة بصفقة أنظمة الدفاع الصاروخي “إس 400″، إضافة إلى تعثر صفقة طائرات “إف-35” الأميركية.
وتوقعت الباحثة أن تستمر العلاقات الأوروبية التركية على المنوال ذاته في السنوات الماضية، خصوصا مع الرسالة التركية الواضحة بأنها ستستمر في الموازنة بين مصالحها بين الشرق والغرب، وعليه ستستمر الشراكة الأوروبية التركية في ملف المهاجرين إضافة إلى مساعدة تركيا لتجاوز آثار الزلزال.
أما في الملف الأوكراني، فإن أوروبا تريد أن تواصل تركيا ضمان اتفاق الحبوب، “ولا يريد الأوروبيون أي تغيير في الموقف التركي في ما يخص هذا الاتفاق تحديدا”، حسب الباحثة.
أما من جهة الاتحاد الأوروبي، فتوقعت أنكيتا دوتا أن يستمر الاتحاد الأوروبي في وقف السفر من دون تأشيرة للمواطنين الأتراك، وسيكون هناك تحرك محدود في تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي، مضيفة أن العلاقات سوف تسير في طريق دبلوماسي مشدود.
ورقة الناتو
وفي مقال مطول بعنوان “ماذا يعني فوز أردوغان للعالم؟”، ركزت مجلة “تايم” (TIME) الأميركية على ملف مهم وهو عضوية السويد في حلف الشمال الأطلسي (ناتو)، خاصة مع الفيتو التركي على هذه العضوية.
وتتوقع المجلة أن تقبل تركيا بعضوية السويد قبل القمة المقبلة للحلف في شهر يوليو/تموز المقبل أو قبل نهاية السنة على أبعد تقدير، لكن المجلة تقول إن هذا القبول لن يكون بلا ثمن، بل ستسعى تركيا للحصول على مزيد من التنازلات من قبل الأوروبيين.
وتقول المجلة إن تركيا ومن خلال هذا الملف تريد أن تظهر للعالم أنها قادرة على التأثير في الملفات العالمية، كما سيواصل أردوغان سعيه لتقديم تركيا في صورة الوسيط المهم بين الغرب وورسيا.