رام الله – لعبت النقابات والاتحادات الفلسطينية دورا بارزا في التصدي للاحتلال الإسرائيلي وقبله الانتداب البريطاني والتوسع الصهيوني قبل النكبة، لكن السنوات الأخيرة شهدت تراجعا ملحوظا في دورها، سواء من حيث التفاعل مع القضايا والهموم الوطنية وآخرها حرب الإبادة في غزة، أو الدفاع عن حقوق منتسبيها.

عن أسباب هذا التراجع، يقول نقابي سابق ومحلل سياسي للجزيرة نت إن الحكومات الفلسطينية المتعاقبة والنظام السياسي عملا على احتواء كثير من النقابات أو تطويعها وحتى حظرها للتقليل من تأثيرها ودورها، وذلك بعد تنامي الإضرابات وشل العمل الحكومي مرات عديدة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014 قررت الحكومة الفلسطينية حظر الجسم النقابي للموظفين العموميين، إحدى أكبر النقابات الفلسطينية، كما اعتقل نقيب الموظفين بسام زكارنة 3 مرات بعد ذلك، ووجهت له في إحداها تهمة “الانتساب لجمعيات غير مشروعة”.

بداية مبكرة

بدأ تنظيم العمل النقابي في فلسطين قبل أكثر من مائة عام، وتحديدا عام 1920، وتبلور عام 1925، حيث تشكلت جمعية العمال العرب الفلسطينية، وفق مركز المعلومات الوطني الفلسطيني الذي يوضح أن ميلاد الحركة النقابية الفلسطينية ارتبط بخصوصية واقع الصراع بين المشروع القومي التحرري الفلسطيني والمشروع الصهيوني التوسعي آنذاك.

يقول بسام زكارنة، رئيس نقابة الموظفين المحظورة، إن لدى فلسطين تاريخ في العمل النقابي مختلف عن معظم دول العالم، خاصة التي لم تخضع للاحتلال ولا تقع تحت الظلم السياسي.

وأضاف زكارنة أن معظم النقابات والاتحادات الفلسطينية كانت تعمل في المجال السياسي، كاتحاد المعلمين واتحاد العمال، وكانت جزءا فاعلا من حركة التحرر الوطني، في مواجهة الاحتلال ودعم الثورة الفلسطينية بالكادر التنظيمي وحتى بالكوادر المسلحة.

وأشار إلى دور الحركة الطلابية واتحادات الطلبة كقوة مؤثرة، موضحا أن قادة في الثورة الفلسطينية كانوا في الأصل أعضاء في اتحاد طلاب أو اتحاد معلمين وغيرهما، لكن عندما جاءت السلطة الوطنية، كان هناك عجز في العمل النقابي مقابل إبداع في العمل السياسي، “لأن تربية الكادر كانت تربية وطنية لخدمة القضايا السياسية والوطنية أكثر من خدمة الأعضاء”.

يتابع رئيس نقابة الموظفين المحظورة أن العمل النقابي داخل فلسطين تطور مع تطور الحالة السياسية من حالة ثورة إلى سلطة، حيث بدأت القيادات النقابية تجمع بين العمل السياسي والعمل النقابي، وأدى ذلك إلى حراك قوي ونقلة نوعية للعمل النقابي بعد عودة السلطة الوطنية.

وأشار إلى دور النقابة المحظورة التي كان يرأسها في خدمة أعضائها، وتفاعلها مع القضايا الوطنية، وكان آخر دور سياسي لها في إضراب الشهيد خضر عدنان عن الطعام عام 2012، حيث قادت النقابات الشارع وتمت الدعوة لمسيرات حاشدة.

فسطين- بسام زكارنة -رئيس نقابة الموظفين العمومييين المحظورة - الجزيرة نت

لا ديمقراطية ولا حرية

أما اليوم، فيوضح زكارنة أن “الوضع مختلف تماما، فلا توجد نقابات بالصورة المنتخبة ديمقراطيا، ولا توجد تقريبا حرية للعمل النقابي”.

ويضيف أن النقابات حظيت بالدعم في بدايات قيام السلطة، وكان الاهتمام كبيرا بأن تكون ديمقراطية منتخبة، ومعظم الأشخاص الذين يتم اختيارهم من القاعدة كان يجب أن تتوفر فيهم اهتمامات وطنية وليست حزبية، وألا يجيّر النقابة لحزبه أو فصيله، بل كان المطلوب أن يكون مهتما بالقدس واللاجئين والعدوان على الشعب الفلسطيني.

أما الآن “بصراحة الموضوع اختلف بشكل كلي عن السابق، وعندما تم حل المجلس التشريعي وغابت الانتخابات التشريعية والرئاسية لفترة طويلة، لم تعد هناك ديمقراطية في النقابات، وأغلبها تم تدجينها أو تعيين أعضائها، أو تحولت لممالك للبعض ممن مضى عليهم 44 سنة في النقابة ذاتها بدون انتخابات ودون جسم نقابي”.

وباستثناء نقابات قليلة فاعلة انحصر دورها غالبا في العمل وحقوق منتسبيها، فإن الكثير من النقابات لا تستطيع الدعوة لأي وقفة أو مسيرة، وإذا تمت الدعوة لا تتم الاستجابة، “وبالتالي لم يعد لها دور نقابي، فكيف بالدور السياسي؟” يتساءل النقابي الفلسطيني.

ومن هنا يفسر زكارنة غياب الفعاليات الوطنية في ظل الحرب على غزة “والسبب غياب الحياة الديمقراطية بشكل عام ليس فقط في النقابات، وبدون ديمقراطية ومشاركة الشعب في القرارات، وغياب الثقة فلا تأثير للقادة”.

وبرأيه فإنه “لا إمكانية لعودة الفعاليات النقابية إلا بعودة المجلس التشريعي والانتخابات الرئاسية حتى تتوفر الحماية القانونية للعمل النقابي”.

سليمان بشارات

منهجيات الإضعاف

من جهته، يقول المحلل السياسي سليمان بشارات إن إضعاف الدور والمكانة النقابية سياسة انتهجتها الحكومات الفلسطينية المتتابعة، وبرزت بشكل واضح في الحكومة السابقة والحالية، ومن ذلك حظر بعض النقابات أو توقيع اتفاقيات معها، وعدم تنفيذها أو تجاهل فعالياتها أو احتواء وتطويع قادتها.

وأضاف أن النقابات ظلت -حتى سنوات ماضية- الممثل لأعضائها وتمارس مهامها النقابية، وتطالب بحقوقهم استنادا إلى قوة التحرك في الشارع “فحالة التجييش في النقابات جعلتها قادرة على الضغط وإعلاء الصوت أمام الحكومة، قبل أن تنجح الأخيرة في إضعافها”.

ويرى بشارات أن سياسة إضعاف النقابات اتخذت عدة أشكال وعبر عدة منهجيات، منها: الانقسامات الداخلية في النقابات وتحويلها إلى تيارات متعددة، ومنهجية التشكيك في أهداف الحراكات التي تقودها، ودخول البعد السياسي نتيجة انقسام 2007، واستخدام اعتداءات الاحتلال والحرب على غزة ذريعة لإحباط المطالب النقابية.

وتابع أن “هذا كله قاد إلى نتيجة واحدة أن الحكومة الفلسطينية باتت هي من يشكل الرأي العام للموظفين تجاه ما يتعلق بالرواتب، أو فيما يتعلق بالخطوات التي يمكن الذهاب إليها من النقابات نفسها كجزء من إعادة هندسة الدور الوظيفي لها، وتحديد شكل العلاقة بين النقابات والحكومة”.

ومؤخرا تماهت الحكومة الفلسطينية مع حراك النقابات احتجاجا على عدم صرف رواتبها، فقررت تقليص أيام الدوام، وهي خطوة احتجاجية طالما لوحت بها النقابات للضغط على الحكومة، ما أفقدها تأثيرها.

وتعاني السلطة أزمة مالية نتيجة احتجاز إسرائيل نحو 2.7 مليار دولار من أموال الضرائب الفلسطينية، ما جعل السلطة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها كاملة.

شاركها.
اترك تعليقاً