لندن- منذ أن قررت الحكومة البريطانية حظر حركة “فلسطين أكشن” وتصنيفها منظمة “إرهابية”، تكثف الشرطة مؤخرا ملاحقاتها لنشطاء مؤيدين للقضية الفلسطينية مشهرة في وجههم “قانون الإرهاب”، إذ اتسعت حملة الاعتقالات لتشمل حتى أولئك الذين رفعوا لافتات داعمة لفلسطين رغم خلوها من أي إشارات إلى المنظمة المحظورة.

وحذرت المحكمة العليا البريطانية الشرطة من إساءة استخدام سلطاتها أو تأويل القانون بشكل خاطئ، وذلك بعد أن قدم مدافعون عن الحركة أدلة تظهر لجوء الشرطة إلى هذا القانون لاعتقال متظاهرين بسبب ارتدائهم قمصانا كتب عليها “فلسطين حرة”، أو لرفعهم لافتات تندد بما وصفوه بجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة.

ونهاية الأسبوع الماضي، اعتقل عناصر الشرطة حوالي 100 متظاهر في أنحاء متفرقة من البلاد خلال احتجاجات مناهضة لحظر الحركة ومن ضمنهم مسنون، حيث خرج محتجون مُتحدين قرار الحظر ورفعوا شعارات ولافتات مساندة لحركة “فلسطين أكشن”.

اعتقالات بالجملة

وتكررت تلك المشاهد في ساحات التظاهر البريطانية خلال الأسبوع السابق أيضا حين بادرت الشرطة لاعتقال 72 محتجا على خلفية إبدائهم التضامن مع الحركة، ليبلغ عدد المعتقلين بموجب “قانون الإرهاب” 200 شخص، بينما تواترت تصريحات محتجين آخرين بشأن توقيفهم لمجرد حمل لافتات داعمة لفلسطين أو غزة.

وبرزت مخاوف من أن يتحول هذا “التحرك القانوني” إلى استهداف واسع لحركة التضامن مع فلسطين وتجريم للاحتجاج رفضا للإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وكان التفسير الفضفاض للإرهاب في بريطانيا وسوء تأويل الشرطة لهذا القانون مثار قلق المنظمات الحقوقية على مدى سنوات، إذ دعت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والمحكمة البريطانية العليا -في وقت سابق- لمراجعة تعريف الإرهاب الوارد في قانون عام قانون عام 2000.

ويؤكد كريس دويل، الناشط البريطاني في حملة التضامن مع فلسطين، للجزيرة نت، أن التظاهر السلمي يعد من الحقوق الأساسية التي لا يجوز المساس بها تحت أي ظرف، مشددا على أن الجدل الدائر حول حظر حركة “فلسطين أكشن” لا ينبغي أن ينعكس سلبا على حرية التعبير، أو يدفع المتظاهرين إلى فرض رقابة ذاتية على آرائهم ومواقفهم.

ويرى دويل، ويشغل أيضا منصب رئيس مركز التفاهم العربي البريطاني، أن حكومة حزب العمال تسير في اتجاه مقلق، محذرا من أن إصرارها على التعامل مع خروقات جنائية ارتكبها بعض نشطاء الحركة ضمن إطار قانون الإرهاب، قد يؤدي إلى إرباك تطبيق القانون، ويضيق مساحة الاحتجاج، ويرهق منظومة العدالة نتيجة حملة الاعتقالات الواسعة.

ورغم حدة النقد المصوب إليها، تدافع الحكومة البريطانية عن المسار الذي اختارته للتعامل مع هذه الحركة، وتتهمها “بالانحراف عن الاحتجاج السلمي وارتكاب جنح إرهابية”.

وكانت وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر قد أعلنت في 23 يونيو/حزيران الماضي عن قانون لحظر الحركة وافق عليه البرلمان بعد اقتحام ناشطَين قاعدة “برايز نورتون” العسكرية وإلقائهما طلاء أحمر على طائرتين عسكريتين، في حادث وصفه رئيس الوزراء كير ستارمر بـ”المشين”.

حملة ضغط

وقامت الحركة على مدى سنوات بعمليات استهداف شركات الصناعات العسكرية البريطانية، في حملة ضغط على السلطات لوقف تصدير الأسلحة لإسرائيل، وأصبح الآن الانتماء إليها أو التضامن معها محظورا بموجب قانون الإرهاب في بريطانيا، وتصل مدة عقوبته إلى 14 سنة سجنا.

وتحاول الحركة إقناع المحكمة بمراجعة قانونية كاملة لقرار حظرها ووضعها على قوائم الإرهاب بعد أن رفضت سابقا طعنا لمنع سريان الحظر مؤقتا رفعته المنظمة قبل ساعات قليلة من دخوله حيز التنفيذ في الخامس من يوليو/تموز الجاري.

وتكبدت حركة التضامن مع فلسطين خسارة أخرى قبل أسابيع أمام القضاء البريطاني، إذ لم تمانع المحكمة العليا استمرار توريد أسلحة لإسرائيل، ولم تعارض إمداد جيش الاحتلال بقطع غيار لطائرات “إف-35” التي يعتمد عليها لشن الضربات الجوية ضد قطاع غزة، رغم رفع نشطاء قضية تطالب بوقف تصدير تلك الأسلحة.

ويثير تحرك الحكومة البريطانية لحظر “فلسطين أكشن” محاذير بشأن تضييق ممنهج أوسع على جمعيات ومؤسسات أخرى مؤيدة لفلسطين، إذ أشارت صحيفة غارديان إلى إن بنوكا بريطانية جمدت الحسابات المصرفية لمنظمتين متضامنتين مع الفلسطينيين.

وكشفت الصحيفة أن كلا من منظمة “أصدقاء مانشستر الكبرى من أجل فلسطين” و”حملة التضامن الأسكتلندية مع فلسطين” جُمدت أرصدتهما، في الوقت الذي تعد فيه الحركتان إحدى الجمعيات النشطة في الحشد لدعم القضية الفلسطينية والاحتجاج ضد السياسات الحكومية الداعمة لإسرائيل.

ويشير نهاد خنفر أستاذ القانون في جامعة لندن، في حديث للجزيرة نت، إلى أن حكومة حزب العمال تخوض هجمة شرسة وحربا معلنة -عبر وزارة الداخلية وشرطة مكافحة الإرهاب وتحت غطاء الادعاء العام البريطاني- على حرية الرأي والتعبير، إذ لم تعد تقتصر الاعتقالات على المتضامنين مع حركة “فلسطين أكشن” المحظورة بل أصبحت تمتد لجمعيات تقدم مساعدات لغزة وأصوات تعارض الإبادة ضد سكانها.

سياسات متناقضة

وتصر الحكومة البريطانية على أن تلك الخطوة لا تسعى للتضييق على حركة الاحتجاج الفلسطينية، إذ قال وزير الأمن البريطاني دان جارفيس في وقت سابق أمام البرلمان إن الحظر “لا يمس بأي شكل حركة الاحتجاج المناهض للسياسات الإسرائيلية وتواصل الحكومة ضمان حق الداعمين لفلسطين في التظاهر”.

وبينما تصعّد حكومة حزب العمال ضد النشطاء المؤيدين لفلسطين، اختارت من جديد تشديد الضغط على الحكومة الإسرائيلية بعد إصدارها بيانا موقعا من 28 وزير خارجية دول غربية وأوروبية، في محاولة لحث تل أبيب على الوقف الفوري للحرب على غزة، ولتفاقم حملة التجويع الممنهج ضد سكانها.

وفي الوقت الذي فشل فيه الأوروبيون في التوافق قبل أيام على فرض عقوبات على إسرائيل، قادت بريطانيا إصدار البيان غير المسبوق في سياق محاولات الحكومة رفع نبرة التحذير تجاه تل أبيب، إذ هدد وزير الخارجية ديفيد لامي بفرض عقوبات جديدة إذا لم يتم وقف إطلاق النار في القطاع.

لكن الناشط دويل يرى أن موقف الحكومة ينبني على تناقض صارخ، إذ تدعي أنها تبذل جهودا لضمان احترام القانون الدولي وتمارس ضغطا على إسرائيل لوقف حرب إبادة جماعية، في حين أنها تضيق الخناق على حركة التضامن مع فلسطين التي لا تطالب سوى بقرارات حكومية منسجمة أيضا مع القانون الدولي الإنساني.

من جانبه، يرى خنفر أن وزارة الداخلية تخوض حملة شرسة ضد الحركة التضامنية الفلسطينية في تناقض واضح مع تصريحات وزير الخارجية “التي لم تقدم أي تحرك جدي لمعاقبة إسرائيل”.

شاركها.
اترك تعليقاً