الخليل- في مايو/أيار 2022، وبعد معركة قضائية استمرت نحو عقدين خاضها السكان الفلسطينيون بمسافِر يطا (جنوبي الضفة الغربية) ومنظمات حقوقية، رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية التماس السكان ضد ترحيلهم من “منطقة إطلاق النار 918” وأقرت أحقية الجيش في المنطقة كمنطقة تدريب عسكري.

لكن المدهش أنه -وبعد أكثر من 3 سنوات- لم تشهد المنطقة الممتدة على مساحة نحو 33 كيلومترا مربعا جنوب شرق بلدة يطا (جنوب مدينة الخليل) أي تدريبات عسكرية، حيث زعم الجيش حاجته للمنطقة لأغراض التدريب.

والمدهش أكثر أنه في الوقت الذي يستمر فيه الضغط على سكان 12 تجمعا فلسطينيا بغرض ترحيلهم، سواء بالملاحقة أو منع من البناء والبنية التحية، غزت البؤر الاستيطانية المنطقة ومناطق أخرى شاسعة بمسافر يطا، ليس لهذا فحسب، إنما تم تأهيل طرقات للمستوطنين سبق وتم تجريفها عندما شقها الفلسطينيون.

وتعود القضية إلى أوائل ثمانينيات القرن الماضي، عندما أعلن الجيش الإسرائيلي المنطقة منطقة عسكرية مغلقة وحظر على السكان الوجود فيها، وأطلق عليها اسم “منطقة إطلاق نار 918” رغم أن عشرات العائلات سبق وجودها فيها قبل احتلال الضفة عام 1967.

أطول التماس

وفق مسؤول محلي وناشط في متابعة انتهاكات المستوطنين -تحدث للجزيرة نت- فإن منطقة إطلاق النار “918” باتت مستباحة من المستوطنين وبرعاية رسمية، وباتت التجمعات الفلسطينية هدفا لهجمات المستوطنين بشكل شبه مستمر، كما حدث مساء أمس الثلاثاء حيث هاجم مستوطنون تجمع اقواويس وأصابوا عددا من المواطنين والمتضامنين الأجانب.

ويتحدث نضال يونس رئيس مجلس محلي قرى مسافر يطا عن “أطول التماس” قدمه السكان المحليون، وربما على مستوى أنحاء الضفة -للمحكمة العليا الإسرائيلية- حيث قدموا التماسا عام 2002 ضد تهجيرهم وتحويل قراهم إلى منطقة تدريب. ثم جاء القرار النهائي بعد عقدين برفض الالتماس بذريعة أن “المنطقة حيوية للجيش”.

وأشار يونس إلى محاولات سابقة لطرد السكان الفلسطينيين بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلا أنهم أصروا على البقاء وتحملوا في ذلك الكثير من العناء.

وما لاحظه المسؤول المحلي أن 3 بؤر استيطانية كانت تنتشر بالمنطقة 918، قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023 حيث بدأت حرب الإبادة على غزة والتصعيد في الضفة الغربية المتحتلة، وهي: متسبيه يائير وأفيغال وجفعات، وقد أنشئت قبل أكثر من 30 عاما.

أما بعد ذلك التاريخ، فيكشف يونس أنه في الوقت الذي أعطت فيه المحكمة الإسرائيلية الضوء الأخضر لإجلاء سكان القرى الفلسطينية، أقيمت 8 بؤر استيطانية داخل منطقة إطلاق النار “وهذا يدل على أن هدف الإعلان الإسرائيلي تهجير السكان وإفراغ القرى التاريخية الموجودة منذ مئات السنين لصالح الاستيطان، لا التدريبات العسكرية”.

تنسيق مع الجيش

تتم أفعال المستوطنين وهجماتهم على التجمعات الفلسطينية -آخر عامين- بتنسيق وتنظيم من قبل الجيش، وفق رئيس المجلس المحلي، لافتا إلى “تكثيف استهداف كل مظاهر الزراعة الفلسطينية بإتلاف 12 ألف شجرة زيتون من خلال رعيها بقطعان الماشية”.

وأوضح يونس أن سكان القرى الفلسطينية -وعلى مدى عامين متتاليين- زرعوا آلاف الدونمات (الدونم يساوي ألف متر مربع) بالقمح والشعير لأغنامهم، لكنهم منعوا من حصادها، وهيمن عليها مستوطنو البؤر الرعوية الذين استحوذوا على المراعي أيضا.

وأشار إلى أن كل بؤرة رعوية تتكون من عدة عائلات، ولديها قطيع من الأغنام وأحيانا من الجمال، أو مجموعة من المستوطنين تتراوح بين 10 و15 مستوطنا متطرفا وفرت لهم الحكومة الإسرائيلية مركبات كهربائية مخصصة للمناطق الوعرة يتم بها اقتحام التجمعات الفلسطينية وملاحقة رعاة الأغنام.

وقال يونس إن قرى مسافر يطا تعتمد بشكل أساسي على تربية الثروة الحيوانية والإنتاج الزراعي، وقد حرمت من ذلك بسبب هيمنة المستوطنين على 100% من المراعي و90% من الأراضي المخصصة للزراعة البعلية الشتوية، وتم تدمير 80% من أشجار الزيتون والأشجار المثمرة.

ولفت إلى أن هذه البؤر الاستيطانية أقيمت بإمكانيات مسروقة من الفلسطينيين بما في ذلك خزانات المياه وسياج الحظائر، بل إن بعضها يسرق المياه من الشبكة الفلسطينية المحلية، وقد تولت الحكومة الإسرائيلية تهيئة البنية التحتية من كهرباء وطرق.

ووفق المسؤول المحلي فإن مخطط المستوطنين لمنطقة مسافر يطا استبق 7 كتوبر/تشرين الأول 2023، حيث تم قبل عام تهجير تجمع سمري، وإقامة بؤرة استيطانية والسكن محل الفلسطينيين.

وأضاف أن المستوطنين بحماية الجيش سيطروا على طرقات تم تجريفها عامي 2017 و2018 بذريعة أنها في منطقة تدريب، مع أنها تربط بين التجمعات الفلسطينية. واليوم تتكشف النوايا وتختفي الذرائع وتتم السيطرة عليها وإعادة تأهيلها من قبل المستوطنين.

تصميم خاص - خريطة تظهر البؤر الاستيطانية في مسافر يطا جنوب الخليل جنوبي الضفة الغربية

23 بؤرة

من جهته يقول أسامة مخامرة، الباحث المختص بتوثيق انتهاكات المستوطنين وجيش الاحتلال (جنوبي الخليل) إن المستوطنين أقاموا 23 بؤرة أو نواة لبؤرة استيطانية في مَسافِر يطا، بما في ذلك المناطق الواقعة خارج منطقة إطلاق النار، خلال السنوات الأربع الماضية، أغلبها بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأضاف أن البؤر الرعوية والاستيطانية -ومعها 6 مستوطنات أقيمت في ثمانينيات القرن الماضي- تقطع أوصال قرى وخرب مسافر يطا وتسيطر على عشرات آلاف الدونمات، وسط اعتداءات على المناطق الفلسطينية المحاذية، وبينها هدم خلة الضبع بالكامل قبل شهور.

وذكر الباحث أن تلك البؤر مقامة على أو قريبا من أراضي التجمعات الفلسطينية، ومنها: تلة خشم الدرج، الشومرة، أم زيتونة، شعب أبو العنبية، خربة الخروبة، صارورة، الحُمرة، الركيز، أم الهيمان، أم ظريط، خربة اقواويس، سِمري، البطمة، الزويرة، اللوزة، بئر العد، خربة الحلاوة، هريبة النبي، رجم الحمرا، قرية سوسيا، واد اجحيش، بئر ماعين، حوارة.

وبرأيه فإن دفع الفلسطينيين للهجرة وراءه الزحف الاستيطاني ونشر البؤر الاستيطانية، وشق الشوارع، وبناء المزارع والتهام أراضي الفلسطينيين، وهدم منازلهم، وتخريب محاصيلهم واقتلاع أشجارهم، ومهاجمة قراهم والاعتداء عليهم.

ويلخص مخامرة ما يجري في مسافر يطا ومنطقة إطلاق النار بقوله “زحف استيطاني كبير وبؤر جديدة وشق شوارع وبناء مزارع وحفريات، وفي المقابل إخطارات هدم منازل وتخريب محاصيل واقتلاع أشجار ومهاجمة القرى والسكان الفلسطينيين”.

شاركها.
اترك تعليقاً