في تطور نوعي ينذر بتصعيد جديد على الساحة الإقليمية، كشفت إسرائيل عن أن الصاروخ الذي أُطلق من اليمن الجمعة الماضي كان يحمل رأسا انفجاريا قابلا للانشطار. وهو نوع من الرؤوس الحربية التي صُممت لتحدث انفجارات متعددة وتُلحق دمارا واسعا للغاية داخل دائرة الاستهداف.
ويقول خبراء عسكريون -تحدثوا للجزيرة نت- إن هذا الصاروخ يعمل بتقنية متقدمة تتيح له التشظي عبر الانفجار قبل ملامسة الأرض لتوزيع القنابل والرؤوس الحربية على أهداف متفرقة، أو عبر الانفجار اللاحق الذي يُحوّل الأرض المستهدفة إلى حقل من الألغام الموقوتة، مما يجعل مهمة الدفاع أو إزالة الخطر عملية شديدة التعقيد.
كما أشار الخبراء إلى أن امتلاك جماعة أنصار الله (الحوثيين) لهذا النوع من السلاح يرتبط ارتباطا وثيقا بدعم وتسليح خارجي، وهو ما يعكس انتقال هذه التقنية الفتاكة إلى ساحة صراع لم تكن تشهد مثل هذا التطور النوعي من قبل، كما يبرز حجم التحوّل في أدوات المواجهة.
وأمام هذا التصعيد، أعلن الحوثيون أمس الأحد عن عدوان إسرائيلي جديد استهدف بعدة غارات محطة شركة النفط بشارع الستين وسط صنعاء، ومحطة حزيز الكهربائية جنوبي العاصمة، بالإضافة إلى استهداف مجمع دار الرئاسة.
وقالت وزارة الصحة التابعة لجماعة الحوثي -في بيان- اليوم الاثنين إن حصيلة الغارات الإسرائيلية على العاصمة صنعاء ارتفعت إلى 6 قتلى و86 جريحا.
مفهوم الانفجار الانشطاري
وهذا النوع من الصواريخ لديه القدرة على حمل رأس قادر على الانشطار والتشظي لتغطية عدة أهداف على مساحة أكبر مما يستهدفه صاروخ انفجاري عادي، ويعد أحد أكثر الأسلحة تطورا وتعقيدا في ترسانة الحروب الحديثة.
وحسب الخبير الأمني والعسكري أسامة خالد، فإن طريقة عمل الصاروخ الانشطاري تعتمد على آليتين متقدمتين لإحداث أكبر قدر ممكن من الضرر في المنطقة المستهدفة، ويعتمد ذلك على:
- الآلية الأولى: تقوم على انفجار الرؤوس الحربية أو القنابل فوق الهدف قبل أن يلامس الصاروخ الأرض، فتتوزع شظاياه وانفجاراته لتصيب نقاطا متفرقة في مساحة واسعة، وهو ما يصعب على منظومات الدفاع الجوي التعامل معه أو اعتراضه، خاصة حين يُركب على صواريخ باليستية أو فرط صوتية ذات سرعة عالية ومسار متغير.
- الآلية الثانية: تتمثل في اصطدام الرأس الحربي بالأرض، ثم تشظيه إلى قنابل فرعية تتحول بدورها إلى ألغام موقوتة أو ألغام تنشط عند اقتراب البشر أو محاولة العبث بها.
وحسب الخبير الأمني والعسكري -في حديثه للجزيرة نت- فإن ذلك يعني أن منطقة الاستهداف تبقى ملوثة وخطرة لفترات طويلة، وتحتاج إلى فرق هندسية عسكرية متخصصة لإزالة آثارها.
ويضيف خالد أن هذا النوع من الذخائر تمتلكه عادة الدول الكبرى لما يتطلبه من تقنيات دقيقة وخبرات متقدمة، مؤكدا أن لديه قوة تدميرية فتاكة وفاعلية شديدة في إرباك الخصم وصناعة حالة من الرعب لدى قواته البرية والمدنية.
مصدر التسليح
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن أمس الأحد عقب الهجمات التي شنها على صنعاء أن جماعة الحوثي تعمل بتوجيه وتمويل إيراني لضرب إسرائيل وحلفائها، وأنها تستغل المجال البحري “لتفعيل أنشطة إرهابية” تستهدف سفن التجارة والشحن، حسب تعبيره.
وهذا الاتهام الإسرائيلي لا يعد جديدا، فسبق أن ربط الاحتلال الإسرائيلي كثيرا بين الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي على إسرائيل سواء بالصواريخ أو المسيرات بالقدرات التقنية الإيرانية. لكن الحوثيين يقولون إن عملياتهم تأتي إسنادا للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أمام حرب الإبادة الجماعية المستمرة التي يشنها جيش الاحتلال منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأمام هذه الصورة، يرى الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية والإستراتيجية علي الذهب أن وصول هذه التقنية المتقدمة إلى أيدي الحوثيين لا يمكن عزله عن الدعم والتسليح الخارجي، مشيرا بشكل خاص إلى إيران ودورها المركزي في تطوير وتسليم منظومات الصواريخ الحديثة للجماعات الحليفة لها في المنطقة، حسب تعبيره.
ويقول الذهب -في تصريحات للجزيرة نت- إن “وجود مثل هذا السلاح لدى الحوثيين يرتبط بقضايا أخرى تتعلق بالتدريب على كيفية الإطلاق، ووصوله إلى أهدافه، والتعامل مع تعقيداته التقنية”. مضيفا أن إيران قد تمثل إما المصدر المباشر أو الوسيط بين منتج آخر لهذه الأسلحة وبين الحوثيين، وأن امتلاك الجماعة لهذه الصواريخ يعد ترجمة عملية لإستراتيجية الدعم الإيراني لحلفائها في المنطقة، خاصة بعدما أصبح الحوثيون يمتلكون السيطرة على مناطق واسعة في اليمن ومواقع حيوية على البحر الأحمر.
كما يربط المتحدث نفسه بين التصعيد الأخير ومرحلة جديدة من التدخل الإيراني في الصراع، ويشير إلى أن الانشطار المتعدد للرؤوس الحربية يندرج في إطار تقنيات كانت حكرا على الدول الكبرى، وانتقالها الآن إلى الفاعلين الإقليميين يعني توسع دائرة المواجهة وكسر بعض معادلات الردع التقليدية في المنطقة.
نوعية الأهداف التي يصيبها الصاروخ
ويعكس توسع دائرة المواجهة في المنطقة مدى التغيرات في معادلات القوة والردع السابقة، وأن الصراع مرشح ليأخذ أبعادا جديدة لم يصلها من قبل، في ظل امتلاك فاعلين جدد تقنيات تسليحية لم تكن متاحة من قبل، وربما الهجمات الإيرانية الأخيرة على إسرائيل تعكس نوعية المواجهات المستقبلية.
وأمام هذه التطورات التقنية، قال الباحث في الشؤون العسكرية والإستراتيجية إن العمليات الصاروخية تعتمد في الأساس على نوعية الهدف المستهدف، حيث تُوجه الصواريخ الانشطارية غالبا نحو مواقع عسكرية حساسة أو مراكز سيادية سياسية في إسرائيل، مثل القواعد الجوية أو المطارات.
ويوضح أن “هذه الصواريخ تحمل رؤوسا انفجارية متعددة، وقادرة على إحداث سلسلة انفجارات متزامنة في حال تعدد الأهداف، مما يضاعف أضرارها ويوسع دائرة التأثير التكتيكي والإستراتيجي”.
ويشير الذهب أيضا إلى أن فعالية الانفجار ترتبط بمدى تواجد الأهداف أو تفرقها، فإذا كانت المجموعة المستهدفة متقاربة فإن ذلك يُزيد عدد الانفجارات ويوسع مدى الضرر، أما إذا كانت المسافة بين النقاط المستهدفة محدودة فإن أثر الصاروخ قد يكون تكتيكيا أكثر منه إستراتيجيا.
تقنية عالية
ويبرز الصاروخ الانشطاري كواحد من أكثر الأسلحة تعقيدا، ذلك أن فاعليته لا ترتبط فقط بقوة الانفجار وإنما بالذكاء الكامن في توقيت وطبيعة تشظي الرأس الحربي. ولذلك يقول أسامة خالد إن الصاروخ مصمم “لينفجر في مراحل مختلفة حسب الحاجة”، فقد ينشق قبل الاصطدام أو بعده، وينتج عن ذلك سلسلة انفجارات قد تتكرر حسب عدد الأهداف داخل نطاق الرأس المتشظي.
ويضيف خالد أن هذه التقنية التي تتحكم بها عادة منظومات متقدمة جدا من الناحية الميكانيكية والإلكترونية تجعل الصاروخ الانشطاري “سلاحا مرعبا” في ساحة القتال، وترفع التحديات أمام الدفاعات الجوية والهندسة العسكرية في آن واحد. مبينا أن القدرة على الانتشار السريع للرؤوس الفرعية، وصعوبة كشفها واعتراضها، يمثلان نقطة قوة إستراتيجية في يد الطرف المهاجم، ويغير طبيعة الاشتباك بشكل جوهري.
يذكر أنه في 27 يوليو/تموز الماضي، أعلنت جماعة الحوثي تصعيد عملياتها البحرية ضد إسرائيل عبر استهداف جميع السفن التابعة لأي شركة تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية بغض النظر عن جنسيتها “نصرة لقطاع غزة الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023″.
وفي المقابل، ترد إسرائيل بقصف مكثف على منشآت حيوية وأهداف مدنية في صنعاء وجنوب العاصمة اليمنية، متسببة بسقوط ضحايا ومصابين.