أنقرة- يشهد حزب الشعب الجمهوري مرحلة حاسمة ومليئة بالتحديات الداخلية في الوقت الراهن، حيث تتصاعد التوترات السياسية على خلفية حدثين بارزين يشغلان الأوساط السياسية.
- يتمثل الأول في إعلان مؤسس حزب “الوطن”، محرم إينجه، حلّ حزبه رسميا، في خطوة تمهّد لعودته المحتملة إلى صفوف الحزب الأم (حزب الشعب الجمهوري) الذي انشق عنه في 2021.
- أما الثاني، فيظهر في الجلسة القضائية المنتظرة اليوم الاثنين، التي ستبت في الطعون المقدمة ضد نتائج المؤتمر العام لحزب الشعب الجمهوري لعام 2023.
ومع هذه المحطات الهامة، يواجه الحزب تحديّا كبيرا في الحفاظ على تماسكه الداخلي واستقراره، في وقت تتسارع فيه المناورات السياسية وتتزايد الانقسامات داخل صفوفه، ما يضع مستقبله السياسي على المحك.
عودة منتظرة
وكان إينجه أعلن، الثلاثاء الماضي، حل حزبه “الوطن” وتقديمه عرضا للعودة إلى صفوف حزب الشعب الجمهوري، بعد لقاء جمعه بأوزغور أوزيل، رئيس الحزب الحالي، الذي دعا إينجه إلى العودة إلى “بيته السياسي”.
وأشار أوزيل إلى أن العودة كانت بتوجيه دعوة رسمية لإينجه ورفاقه للالتحاق بالحزب الأم، والتي لاقت قبولا من الأخير الذي أكد أنه سيعرض الموضوع على اللجان المختصة في حزبه (الوطن) قبل اتخاذ القرار النهائي.
واجتمعت اللجان المختصة في حزب “الوطن” الاثنين الماضي، واتخذت قرارا بحل الحزب، بينما شارك إينجه في اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري في البرلمان بعدها بيوم.
وأكد إينجه في اللقاء، أنه لم يأت بدافع الكبرياء أو الندم، بل استجابة لدعوة صادقة من أوزال لتعزيز وحدة الحزب والوقوف ضد النظام الحاكم، الذي وصفه بالمنهار اقتصاديا، موضحا أن عودته لا تحمل أهدافا شخصية، وإنما هي جزء من رؤية لتقوية صفوف المعارضة عموما.
ورغم أن عودة إينجه لاقت ترحيبا من بعض أعضاء الحزب، بمن فيهم عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي رحَّب بحرارة في وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن هناك معارضة واضحة من بعض القادة التاريخيين، خاصة المقربين من كليجدار أوغلو الرئيس السابق للحزب.
ويرون في عودة إينجه تهديدا لسلامة الحزب ومبادئه، حيث كان قد انتقد الحزب بشدة سابقا، واتهمه بعلاقات مشبوهة بجماعة فتح الله غولن وحزب العمال الكردستاني، ما أدى إلى انشقاقه وتأسيس حزب “الوطن”.
تعزيز المعارضة
ويثير الجدل في عودة إينجه تساؤلات عن مستقبل حزب الشعب الجمهوري في ظل التوترات الداخلية والصراعات الأيديولوجية بين التيار الإصلاحي بقيادة أوزيل وأكرم إمام أوغلو، التي تدعو إلى توسيع قاعدة الحزب الانتخابية، وبين التيار الكمالي التقليدي الذي يعارض هذه التوجهات ويخشى تأثيرات عودة شخصيات مثيرة للجدل مثل إينجه.
وفي السياق، يرى المحلل السياسي عمر أفشار، أن عودة إينجه المحتملة ستترك بصمة مهمة على التوازنات السياسية في تركيا، مع ما تحمله من تداعيات داخلية وخارجية.
ويقول للجزيرة نت، إنه إذا أُحسن التعامل مع هذه العودة، فقد تُعزز من قوة المعارضة، حيث ستساعد على جذب الناخبين الذين يشعرون بالإقصاء من الأحزاب الأخرى في صفوف المعارضة.
ومع ذلك، يحذّر أفشار من أن الانقسامات الداخلية في الحزب قد تقوِّض تماسكه، مما سيؤثر سلبا على إستراتيجيته الانتخابية، مضيفا أن التوترات القائمة بين الأجنحة الإصلاحية والتيار التقليدي في الحزب قد تصبح أكثر وضوحا، مما يهدد استقراره.
ويشير أفشار إلى أن نجاح هذه العودة في تعزيز قوة المعارضة يتوقف على قدرة حزب الشعب الجمهوري على إدارة خلافاته الداخلية، واستغلال هذه اللحظة لتوحيد الصفوف بدلا من تحولها لعامل يزيد من الشرخ السياسي داخل صفوف المعارضة.
زمام السلطة
ويواجه حزب الشعب الجمهوري تحديا كبيرا على صعيد شرعية القيادة، حيث تقترب الدوائر الحزبية من جلستين قضائيتين حاسمتين، فمن المقرر أن تنظر محكمة أنقرة، اليوم الاثنين، في الطعن القانوني المقدم ضد نتائج المؤتمر العام الـ38 للحزب، بعد شكوى من رئيس بلدية هاتاي السابق، لطفي سواش، عن وقوع تجاوزات في انتخابات المؤتمر.
وتؤكد التقارير الصحفية، أن حكم المحكمة، إذا صدر لصالح الطاعنين، قد يعيد كمال كليجدار أوغلو لرئاسة الحزب تلقائيا باعتباره الرئيس القانوني الأسبق الذي أُقصي نتيجة المؤتمر.
واجتمع وفد من كبار قيادات الحزب الاثنين الماضي، بمن فيهم عمدة أنقرة منصور يافاش، مع كليجدار أوغلو للتشاور في الأمر، حيث طلبوا منه إعلان معارضته لأي قرار يقضي بإلغاء نتائج المؤتمر أو فرض وصاية قضائية على الحزب. إلا أن كليجدار أوغلو اكتفى بالقول “نأمل ألا يكون البطلان كليا، لكن إذا كان الأمر كذلك فلا يمكنني ترك الحزب للوصاية، بعد القرار سنجلس مع أوزيل ونتحدث”.
من جانبه، شدد أوزغور أوزيل، رئيس الحزب الحالي، على ضرورة احترام الإجراءات الحزبية الداخلية، محذرا من أن “أي شخص لم ينتخب في المؤتمر لا يحق له حكم الحزب”، مشيرا إلى أن قبول أي تغيير خارجي سيكون “خطأ تاريخيا”.
وعن تلك التطورات، شنَّ نواب من الحزب هجوما مضادا للدفاع عن كليجدار أوغلو، وأصدر 10 منهم، الجمعة الماضية، بيانات عبر مواقع التواصل دفاعا عنه، معتبرين الهجوم عليه “غير مقبول” ومخالفا لـ “ثقافة الحزب وتقاليده”.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الضغوط السياسية، بدأت أوساط مقربة من كليجدار أوغلو بوضع خطط طوارئ لاحتمال عودته لقيادة الحزب، تشمل دراسة سيناريوهات لإبعاد أوزيل وإمام أوغلو من مناصبهم إذا استعاد السيطرة على الحزب.
كما عقد رؤساء فروع الحزب في الولايات أخيرا اجتماعا في أنقرة، عبروا فيه عن دعمهم التام لأوزيل، مطالبين كليجدار أوغلو برفض أي عودة مفروضة قضائيا.
تأجيج الخلاف
وتجسد هذه التطورات المتشابكة اختبارا حقيقيا لوحدة حزب الشعب الجمهوري. وفي حين يرى بعض القادة أن عودة محرم إينجه، خصم الحزب السابق، قد تعزز كتلة المعارضة الانتخابية، يحذر آخرون من أن عودته ستفتح من جديد الخلافات الأيديولوجية العميقة التي لطالما كانت أحد أسباب انقسامات الحزب.
من جهته، يرى بدري أغاج، الرئيس السابق لفرع حزب الشعب الجمهوري في ولاية غوموشهانة، أن التوترات الحالية في الحزب تشكل تحديا حقيقيا، ولكنها ليست نهاية الطريق. ويعتقد أن الطعن ضد نتائج المؤتمر العام يجب أن ينظر إليه بحذر، وتخوَّف من أن تكون المحكمة قد تأثرت بالضغوط السياسية، وهو ما قد يهدد نزاهة العملية القانونية.
وقال للجزيرة نت، إن عودة محرم إينجه للحزب تُعد مسألة طبيعية، مؤكدا أن إينجه جزء من تاريخ الحزب وسيعود لمكانه الطبيعي، لكنه شدد على أن اللحظة الراهنة تتطلب من جميع أعضاء الحزب التكاتف وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.