واشنطن- رغم تأكيد البنتاغون على وجود حوالي ألفي جندي أميركي داخل الأراضي السورية، لا تتفق التيارات السياسية الأميركية على طبيعة مصالح بلادها داخل سوريا، أو مداها الزمني، أو معايير تحقّقها.

ودفع قدوم إدارة دونالد ترامب لبدء فترة حكم جديدة تبدأ في 20 من يناير/كانون الثاني المقبل إلى حالة من الضبابية والشكوك حول مستقبل وجود هذه القوات، خاصة بعد تكرار ترامب التأكيد على ضرورة عدم التورط في سوريا، أو في أي حروب إقليمية بالشرق الأوسط.

في الوقت ذاته، أشار النائب مايكل والتز، مستشار ترامب للأمن القومي، إلى أن تفويض الناخبين لترامب يعني “عدم جرّنا إلى حروب الشرق الأوسط، ونحن لسنا بحاجة إلى جنود أميركيين يركضون في جميع أنحاء سوريا بأي شكل من الأشكال. لكننا نراقب هذه الأشياء”.

أهداف قديمة متجددة

مثّلت زيارة الوفد الدبلوماسي الأميركي الرفيع لدمشق، الأسبوع الماضي، محاولة أميركية للتأثير على مسار الأحداث وعلى طبيعة التحول السياسي الجاري منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد.

وكانت واشنطن قد بدأت التدخل العسكري المباشر في الشأن السوري في سبتمبر/أيلول 2014 بهدف معلن هو محاربة تنظيم الدولة من خلال قيادتها لجهد دولي سُمي عملية “العزم الصلب”.

وعلى مدى السنوات العشر التالية، حافظت واشنطن على وجودها العسكري، على الرغم من إعلان الرئيس ترامب خلال فترة حكمه الأولى القضاء على تنظيم الدولة.

وتدعم واشنطن فصيل الجيش السوري الحر وقوات سوريا الديمقراطية الكردية، وهما من الفصائل التي عارضت وانشقت عن نظام بشار الأسد.

ورغم توجيه ترامب أمرا بانسحاب القوات الأميركية التي كان قوامها 2500 جندي في سوريا قبل نهاية عام 2019، أعلنت القيادة الوسطى العسكرية بأنه لا يوجد “تاريخ انتهاء” للتدخل الأميركي في سوريا، وبدلا من الانسحاب الكامل، ستبقى قوة طوارئ قوامها حوالي 400 جندي أميركي متمركزة في سوريا إلى أجل غير مسمى، وأن انسحابهم سيكون تدريجيا وقائما على المستجدات على الأرض.

وعلى مدى السنوات الماضية، كرر البنتاغون أن هناك حوالي 900 من جنوده يعملون في سوريا، إلا أنه عاد بعد سقوط نظام الأسد ليؤكد وجود حوالي ألفي جندي أميركي في سوريا.

فرصة ومصالح

في حوار مع الجزيرة نت، يقول البروفيسور ستيفن هايدمان، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة سميث بولاية ماساتشوستس الأميركية، والخبير غير المقيم بمركز سياسات الشرق الأوسط في معهد “بروكينغز” بواشنطن، إن “الولايات المتحدة تنظر إلى المرحلة الانتقالية في سوريا على أنها فرصة لتعزيز تحول إستراتيجي كبير في المشرق العربي، وتهميش إيران وتقوية الأنظمة العربية المعتدلة الموالية للغرب المنفتحة على علاقات أقوى مع إسرائيل”.

ويضيف هايدمان “تشمل المصالح الأميركية كما حددتها إدارة بايدن حكومة سورية مستقرة وشاملة تستجيب لمجتمع متنوع، وقادرة على احتواء خطر تنظيم الدولة والتهديدات المتطرفة الأخرى، وأن تكون مندمجة جيدا في العالم العربي، وقادرة على إبقاء النفوذ الخارجي تحت السيطرة، بما في ذلك من تركيا”.

وقال وزير الخارجية الأميركية توني بلينكن في حوار موسع مع دانيال كورتز من مجلة فورين أفيرز “أعتقد أن لدينا مصلحة حقيقية في التأكد من أننا نبقى على معرفة بما يمكن أن تصبح عليه سوريا إذا تركناها أرضا خصبة للإرهاب، ومصدرا للنزوح الجماعي للسكان، وكلاهما كان لهما عواقب وخيمة على بلدان خارج سوريا”.

لذلك، يضيف بلينكن “آمل أن تستمر دبلوماسيتنا وقيادتنا ومشاركتنا في محاولة تحريك دول الجوار وتحريك سوريا في اتجاه يستفيد من هذه اللحظة الاستثنائية للشعب السوري”.

أهداف تُحرك واشنطن

كما كشف بلينكن أنه “لا توجد ضمانات على الإطلاق. لقد رأينا مرات عديدة يمكن استبدال ديكتاتور بآخر، ويمكن استبدال مجموعة من التأثيرات الخارجية بمجموعة أخرى من التأثيرات الخارجية. ويمكن لجماعة متطرفة أن تفسح المجال لجماعة متطرفة أخرى”.

لذلك، “هذا محفوف بالمخاطر، لكننا نعلم بشكل شبه مؤكد أنه في غياب مشاركتنا، وغياب قيادتنا، فهذه هي الطريقة التي ستسير بها. لدينا فرصة، والشعب السوري لديه فرصة، إذا عملت الدول المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة، على تحريك هذا في اتجاه جيد”.

ومن جانبه، قال السفير فريدريك هوف، أول مبعوث أميركي لسوريا بعد الثورة عام 2011، والخبير بالمجلس الأطلسي والأستاذ بجامعة بارد، للجزيرة نت “أفترض أن سياسة الرئيس ترامب تجاه سوريا ستسعى إلى تعزيز هزيمة إيران واستكمال تدمير تنظيم الدولة”.

وإذا كانت هذه هي الأهداف، يقول هوف، “فسيوجّه ترامب فريقه للعمل عن كثب مع حكومة سورية جديدة وشاملة لتعزيز فعاليتها وشرعيتها من خلال تعزيز إعادة الإعمار وتقديم المساعدة الإنسانية عند الحاجة، وحتى المساعدة الأمنية لا يمكن استبعادها. وسيميل إلى إخراج القوات الأميركية من شمال شرق سوريا، لكنه قد يؤجل هذا الانسحاب لمساعدة السلطات الجديدة على استكمال هزيمة تنظيم الدولة”.

لمنع الإرهاب

وبصفة عامة، اتفق عدد من خبراء العلاقات الأميركية السورية بواشنطن، تحدثت إليهم الجزيرة نت، على أن منع عودة الإرهاب لسوريا يأتي على رأس أولويات أي إدارة أميركية في البيت الأبيض، ولا تختلف هنا إدارة جو بايدن عن إدارة دونالد ترامب.

وحدد خبير السياسة الأميركية بالشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، ستيفن كوك، في حديث للجزيرة نت، المصالح الأميركية الرئيسية في سوريا بعد الأسد بإيجاز في 3 نقاط هي:

  • مواجهة عودة ظهور الجماعات المتطرفة.
  • وضمان عدم تمكن الروس من الحفاظ على قواعدهم الجوية والبحرية في سوريا.
  • وأخيرا، ضمان عدم إمكانية استخدام سوريا كجسر بري من قبل إيران إلى لبنان.

واتفق السفير ديفيد ماك -في حديث للجزيرة نت- مع هذا الطرح. وقال الخبير الذي سبق أن عمل مساعدا لوزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، ويعمل حاليا خبيرا بالمجلس الأطلسي، إن هناك 4 مصالح أميركية رئيسية في سوريا بعد الأسد، وهي:

  • تحقيق استقرار طويل الأمد لسوريا، ولدول الجوار، لبنان وتركيا، والعراق، والأردن، وإسرائيل.
  • وعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى ديارهم.
  • ومواجهة الجهود التي تبذلها موسكو لاستئناف دورها العسكري في سوريا ومنطقة شرق البحر المتوسط.
  • وأخيرا، منع استئناف النشاط الإرهابي المتمركز في سوريا، وخاصة مما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية.

لكن برأي هايدمان “لا يزال ما يجب أن تكون عليه السياسات الأميركية لتحقيق هذه الأهداف موضوعا للنقاش في واشنطن، على الرغم من أنه يبدو أن هناك إجماعا ناشئا حول الحاجة إلى الجمع بين الحوافز والشروط في تعاملات الولايات المتحدة مع هيئة تحرير الشام”.

و”إذا ظل الانتقال خاضعا لرقابة مُحكمة من قبل الهيئة، واستمر في الافتقار إلى الشفافية”، كما يقول هايدمان، “فأعتقد أن المشروطية بدلا من الحوافز هي التي ستلعب دورا أكبر في السياسة الأميركية. دعنا ننتظر ونرى”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الخليج مباشر. جميع حقوق النشر محفوظة. تصميم سواح سولوشنز.