أصدرت المحكمة العليا في إقليم تيغراي حكما لصالح الطالبات المسلمات في مدينة أكسوم، يقضي بالسماح لهن بمواصلة تعليمهن وارتداء الحجاب داخل المدارس، وذلك بعد أن مُنعن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من دخول المؤسسات التعليمية بسبب ارتدائهن الحجاب.

تعود القضية إلى منع نحو 250 طالبة من مختلف المراحل الدراسية من دخول المدارس وأداء الامتحانات، بعد رفضهن خلع الحجاب.

وقد تمركزت الشرطة أمام بعض المدارس، فاعتُقلت بعض الطالبات ومنعت أخريات من الدخول، مما أدى إلى خروج مظاهرات واسعة في مدينة مقلي، عاصمة الإقليم، احتجاجا على ما اعتُبر انتهاكا لحرية المعتقد.

وفي تعليقه على الأحداث، قال البروفيسور آدم كامل، المتحدث باسم المجلس الأعلى الفدرالي للشؤون الإسلامية في إثيوبيا، في تصريح للجزيرة نت، إن “المظاهرات جاءت كرد فعل على محاولات سلب بعض الحقوق”، مؤكدا أن ما حدث في أكسوم كان تصرفا فرديا من بعض المسؤولين، وقد تم التعامل معه قانونيا عبر تقديم دعاوى ومحاسبة المتورطين.

قرار قضائي يعيد الطالبات للدراسة

أصدرت محكمة دائرة أكسوم في 14 يناير/كانون الثاني 2025 قرارا بتعليق توجيه منع ارتداء الحجاب في المدارس، معتبرة أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى “انتهاكات لا رجعة فيها للحقوق”.

وعلى إثر القرار، تم استدعاء عدد من المدارس للرد على الاتهامات، إلا أن القاضي الذي أصدر الحكم نُقل من منصبه، واستُبدل بآخر قرر إغلاق الملف بحجة عدم اختصاص المحكمة، وأحاله إلى جهة قضائية أعلى، مما أدى إلى حرمان عشرات الطالبات من التعليم، وغياب مسار قانوني مؤسسي يضمن استمرارية النظر في القضية.

وأوضح البروفيسور كامل أن الخلاف في تيغراي لا يتعلق بالحجاب التقليدي، بل بالنقاب، مؤكدا أن الحكومة الإثيوبية ملتزمة بضمان حقوق المسلمين في التعليم والمعتقد، وأن مشاركة المسلمين في العملية التعليمية تُعد أولوية وطنية.

احتجاجات شعبية ومطالبات بتنفيذ القرار

خرج آلاف المواطنين في 21 يناير/كانون الثاني 2025 بمدينة مقلي في مظاهرة دعا إليها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مطالبين بتنفيذ القرار القضائي وعودة الطالبات إلى صفوفهن، خاصة أنهن فقدن فرصة أداء الامتحانات الوطنية والإقليمية بسبب الانقطاع عن التعليم منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ورغم أن كثيرين اعتبروا ما حدث تصرفا فرديا من بعض موظفي وزارة التعليم، فإن القضية أثارت جدلا واسعا حول مناخ الحريات الدينية في البلاد.

وفي هذا السياق، وصف الكاتب والصحفي علي هاشم القرار القضائي بأنه “انتصار مهم ليس فقط للفتيات، بل أيضا للنظام الفدرالي ولإقليم تيغراي”، مشددا على أن القرار يمثل مكسبا للدستور وللمجتمع المسلم، ويعكس مناخا إيجابيا من الحريات الدينية والثقافية في إثيوبيا.

المحكمة العليا تؤيد الحق في ارتداء الحجاب

في ظل الضغط الشعبي والاحتجاجات المتواصلة، أعادت المحكمة العليا في تيغراي النظر في القضية، وأكدت عدم وجود أي نص دستوري يمنع ارتداء الحجاب، معتبرة أن ما حدث لا يستند إلى أي قانون نافذ في البلاد.

وبناء عليه، أُعيد التأكيد على حق الطالبات في مواصلة تعليمهن بالحجاب، وفقا لما يكفله الدستور من حرية المعتقد واللباس.

ورحب المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالحكم، واعتبره انتصارا للحق القانوني والدستوري للمسلمين، خاصة أن المنع من الدراسة تسبب في آثار نفسية واجتماعية على الطالبات وأسرهن، وأدى إلى تأخرهن عن عام دراسي كامل.

أكسوم بين التعايش والتوتر

تُعد مدينة أكسوم مركزا روحيا للكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية منذ أن اعتنق الملك عيزانا المسيحية في القرن الرابع الميلادي، لكنها أيضا تمثل رمزا للتسامح الديني، إذ لجأ إليها المسلمون الأوائل في القرن السابع الميلادي هربا من اضطهاد قريش، فوجدوا فيها ملاذا آمنا تحت حماية النجاشي.

ورغم هذا الإرث التاريخي، شهدت المدينة في السنوات الأخيرة توترات دينية متفرقة، خاصة في قضايا مثل الحجاب في المدارس أو بناء المساجد قرب مواقع مسيحية، مما أدى إلى استغلال البُعد الديني في تأجيج بعض النزاعات.

وفي حديثه للجزيرة نت، أشار علي هاشم إلى أن فترة حكم رئيس الوزراء آبي أحمد شهدت تحولات إيجابية فيما يتعلق بحقوق الشعوب والأديان، مؤكدا أن ما يعيشه المسلمون اليوم من حرية ومساواة هو انعكاس لمسار سياسي يستند إلى مبادئ المواطنة والانفتاح.

هل القرار القضائي حل دائم أم مؤقت؟

تقف أكسوم اليوم بين إرث تاريخي يجمع بين التعايش والصراع، وبين واقع يحتاج إلى إحياء روح النجاشي، حيث كان الدين وسيلة للتلاقي لا أداة للانقسام.

وقد شكّل حكم المحكمة العليا في تيغراي خطوة مهمة نحو ترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية واحترام حرية المعتقد، في بلد لطالما سعى إلى التوازن بين مكوناته الدينية والثقافية.

فهل تنجح تيغراي في تحويل هذا الحكم إلى نقطة تحول دائمة في مسار الحريات الدينية؟

شاركها.
اترك تعليقاً