موسكو- مع تعرض العاصمة الروسية موسكو لهجوم بطائرات مسيرة يبدو أن سلاح المسيّرات دخل بقوة على خط وسائل وتقنيات المواجهة العسكرية المتواصلة دون توقف بين روسيا وأوكرانيا.
يأتي ذلك بعدما تعرضت مبان سكنية في موسكو ومقاطعتها فجر أمس الثلاثاء لهجوم باستخدام 8 مسيّرات في نفس الوقت تقريبا، وفقا لما يؤكده عدد من الخبراء العسكريين الروس.
وحسب بيان وزارة الدفاع الروسية، فقد تم تحييد 3 من هذه المسيّرات من قبل قوات الحرب الإلكترونية، وتم إسقاط المسيّرات الخمس الباقية بواسطة نظام صواريخ “بانتسر” المضاد للطائرات.
ومنذ بداية الحرب في 24 فبراير/شباط من العام الماضي لجأت كل من موسكو وكييف وبشكل مكثف إلى سلاح المسيّرات، وجرى الاعتماد عليها في عمليات يحرص فيها الطرف المهاجم على الإفلات من شبكات الصد والأنظمة الدفاعية.
لكن في الأشهر الأخيرة جرى استخدام المسيّرات لضرب أهداف في عمق أراضي كلا البلدين، مما يحمل -بدرجة أكبر- رسائل سياسية ومحاولة لإحداث خدش معنوي أكثر مما هو تحقيق إنجاز عسكري كما حصل في محاولة استهداف قصر الكرملين مطلع مايو/أيار الحالي.
انتقام
وبرأي الخبير العسكري فيكتور ليتوفكين، فقد جاءت هجمات المسيّرات على موسكو ردا على الضربات التي وجهتها القوات الروسية إلى كييف، ولا سيما استهداف مقر المخابرات العسكرية.
ويؤكد ليتوفكين في حديث للجزيرة نت أن كييف باتت في أمس الحاجة لتحقيق أي إنجاز إعلامي لرفع معنويات القوات المسلحة والرأي العام بعد السقوط المدوي لباخموت، والشكوك التي بدأت تتصاعد في أوكرانيا بشأن قدرة الجيش على شن الهجوم المضاد الذي وعد به الرئيس فولوديمير زيلينسكي منذ أشهر، فضلا عن التدمير اليومي لأنظمة الدفاع الجوي بالقرب من كييف من قبل القوات الروسية.
وحسب وصفه، فإن الهجوم بالطائرات المسيرة الأوكرانية على منطقة العاصمة لا يعدو كونه “إرهابا في أنقى صوره”، كما لم يكن هناك أي معنى وجدوى عسكرية سوى تضرر بعض المباني السكنية ودون وقوع إصابات.
ميزات
بدوره، يشير الخبير الإستراتيجي رولاند بيجاموف إلى أن تكثيف كييف استخدام المسيّرات نابع من التكلفة الرمزية لهذا السلاح وقدرته على إحداث ضجيج إعلامي دون التسبب في نفس الوقت بإحداث تدمير كبير للمواقع التي يستهدفها، الأمر الذي يمكن أن يثير في المقابل ردود أفعال سياسية وعسكرية عكسية، ولا سيما إذا كانت هذه الأهداف مدنية أو تحمل طابعا رمزيا.
وأكد بيجاموف أن نوعية المسيّرات التي استخدمت في الهجوم الأخير لن تكون بديلا عن سلاح الصواريخ، وسيتوقف استخدامها على الرسائل السياسية والإعلامية المراد إيصالها وليس على حجم التدمير المطلوب.
وحسب رأيه، أرادت كييف دراسة عمل وآلية تشغيل أنظمة الدفاع الجوي بهدف رصد نقاط الضعف فيها ومحاولة اختراقها أهدافا تكتيكية.
وأشار إلى أنه من المستحيل فعليا تغطية كل شيء بالتساوي، فأنظمة الدفاع الجوي ليست مهيأة بشكل مطلق للتعامل مع هذا النوع الذي وصفه بـ”مسيّرات الهواة”، مضيفا “فربما تكون هذه الأهداف هي الأصعب، إذ إن تحليق هذه المسيّرات على ارتفاع منخفض يحعل من الصعب اكتشافها، نظرا لأنها مصنوعة من ألياف الكربون وذات محرك صغير”.
ومع ذلك، يعتبر بيجاموف أن رد الفعل السريع للدفاعات الجوية الروسية على هجوم الطائرات المسيرة على موسكو أن هذا النظام يعمل بشكل فعال وقادر على التعرف على الأهداف العسكرية للعدو وتدميرها.
ثغرات ونقل المعركة
من جهته، رجح الخبير في الشؤون العسكرية يوري كنوتوف أن تكون المسيّرات من طراز “يو جي 22” (UG22) أوكرانية الصنع قد طورت بنسبة 80% من قبل الأميركيين، وهي مسيّرات يمكن أن تطير لمسافة 800 كيلومتر في اتجاه واحد ونحو 1600 كيلومتر في المجموع.
ويعتبر كنوتوف أن ما حصل لن يمنع كييف من مواصلة استخدام الطائرات المسيرة لنقل المعركة إلى مدن وسط روسيا، بما في ذلك العاصمة.
وشدد على ضرورة إخطار سكان المدن الروسية حتى لا يصوروا أو ينشروا لقطات ومقاطع الفيديو التي تظهر عمل أنظمة الدفاع الجوي الروسية، مما يعني أنه سيكون من الأسهل للاستخبارات الأوكرانية تحديد مواقع المنشآت العسكرية الإستراتيجية الروسية التي يمكن أن تصبح الهدف الرئيسي لهجوم جديد.
وبرأيه، فقد أصبح من الضروري الآن تعزيز أنظمة الدفاع الجوية وتحديثها، والتعامل مع هذه التحديات بمستوى أعلى وأكثر جدية، وإنشاء شبكة إنذار مبكر أكثر تطورا.
ويشير كنوتوف إلى مشاكل موضوعية تعترض منع المسيّرات من اختراق الأجواء والوصول إلى أهدافها، وعلى رأسها خطوط التماس وجبهات القتال الطويلة جدا، والتي تتطلب وضع عدد كبير من محطات الكشف عن الأهداف الطائرة الحساسة لتكون في حالة جاهزية دائمة.
وحسب كلامه، فإن هذا مكلف مقابل انخفاض تكلفة مثل هذه المسيّرات، موضحا أن مسافة 400 أو 500 كيلومتر لمثل هذا المسيّرات ليست عقبة كبيرة، إذ تحتاج إلى نحو 3-4 ساعات طيران فقط لتصل إلى موسكو.