أنقرة- العلاقات مع حلف شمال الأطلسي (ناتو) والحرب الروسية الأوكرانية والتجاذبات السياسية في العالم، ملفات عدة على طاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال ولايته الجديدة التي تستمر حتى عام 2028، بعد فوزه في جولة الإعادة الأحد الماضي على منافسه كمال كليجدار أوغلو.
الانتخابات التركية لفتت أنظار العالم، لا سيما مع اختلاف التوجه السياسي والأيديولوجي لكل من أردوغان ومنافسه كليجدار، وما كان سيترتب على نتائج الانتخابات من تأثير مباشر على توجه تركيا في سياساتها الداخلية والخارجية، نظرا لموقعها الجغرافي، وتوسطها لمنطقة ديناميكية بين الشرق والغرب وتموضعها في التجاذبات الدولية.
وبحسب محمد علي مرت الأستاذ المشارك بجامعة طيب أردوغان، فإن هناك عمليات صنع قرار جادة على صعيد السياسة الخارجية تنتظر أردوغان مع بداية مدة حكمه الجديدة، موضحا أن الوضع العالمي يشهد عمليات تفكك وتكوين تحالفات جديدة، مما ينعكس على تركيا وأهمية الموقف الذي ستتخذه في بعض الملفات.
ورجح مرت، في حديث للجزيرة نت، أن تركيا تحت قيادة أردوغان ستحاول أن تنأى بنفسها عن الاستقطاب على الساحة الدولية، في حين أنه “لو فاز كليجدار أغلو فكان من المتوقع أن تكون تركيا أقرب للغرب”، مشيرا إلى أن أول القرارات التي سيتعين على تركيا اتخاذها هو الموافقة على انضمام السويد إلى حلف “الناتو”.
تهميش تركيا
ويضيف الأكاديمي التركي أن هذا القرار سيكون مؤشرا على موقف تركيا في ظل التطورات الدولية، حيث يعد انضمام السويد ذا أهمية للناتو للضغط على التهديد الروسي، لافتا إلى أن تركيا مطالبة بالموافقة على ضم السويد، ولكن بسبب الموقف الحالي تحاول دول كبرى في الناتو تهميش تركيا دوليا.
وأفاد مرت بأن هذه الدول تحاول تطويق تركيا من شرق البحر المتوسط وبحر إيجه عبر اليونان، ومن جهة سوريا والعراق عن طريق دعم حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة جماعة إرهابية.
واستبعد الأكاديمي التركي انضمام بلاده للاتحاد الأوروبي كما هو واضح من موقف دول مثل ألمانيا، بالإضافة إلى عدم وجود وفاق مع إنجلترا وفرنسا.
أما الأستاذ بجامعة سكاريا الأكاديمي إسماعيل نعمان تلجي فرجح أن نتائج الانتخابات التركية ستؤدي إلى استقرار السياسة الخارجية، التي ستكون في وضع أقوى للتغلب على الفترات الإشكالية في العلاقات مع الدول الغربية والحلفاء مثل الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو.
وفي حديثه للجزيرة نت، أفاد تلجي بأنه عندما تكون تركيا قادرة على ترسيخ استقرارها في السياسة الداخلية والخارجية وتعزيز مواردها الاقتصادية والوضع الاقتصادي بشكل عام، فإن ذلك سينتج عنه فصل جديد تكون فيه علاقات تركيا أقوى مع الدول الغربية.
وأرجع الأكاديمي رأيه إلى أن تجربة إدارة الأزمة لكل من أردوغان وحكومات حزب العدالة والتنمية تؤكد على الاستقرار فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التركية، وبالتالي يمكن إدارة التطورات غير المتوقعة وغير المحسوبة بنجاح.
بدوره، قال الباحث بمعهد أورسام للدراسات قان دفجي أوغلو، إن من أهم الاختراقات التركية في سياستها الخارجية في عهد أردوغان هو تطوير الارتباطات مع حلف الناتو مع كونها أكبر القوى العسكرية داخل الحلف.
الصناعات الدفاعية
وأشار الباحث إلى أن تقدم تركيا في مجال الصناعات الدفاعية بشكل ملحوظ خفض استيراد المعدات الأمنية من الولايات المتحدة، وزادت من مشاركتها مع جهات فاعلة مختلفة مع إعطاء أهمية للإنتاج المحلي.
وشدد دفجي أوغلو، على أنه سيكون من مصلحة الولايات المتحدة الاقتراب من تركيا في الفترة المقبلة، لافتا في الوقت نفسه إلى سياسة “آسيا مرة أخرى” التي اتبعها أردوغان والتي بفضلها تطورت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول التركية في آسيا الوسطى، وكذلك مع روسيا والصين.
وحسب الباحث، أدى تعميق العلاقات إلى ارتباطات وثيقة مع روسيا وأذربيجان، وهو ما تجلى في دعم أذربيجان خلال حربها مع أرمينيا لضم إقليم ناغورني قره باغ من جهة، والأزمة السورية والعلاقات الاقتصادية والأمنية مع روسيا من جهة أخرى، متوقعا استمرار هذه الارتباطات في العلاقات بين تركيا وروسيا في الفترة المقبلة نظرا لكون المصالح بين البلدين متوافقة إلى حد كبير.
وبدوره، أفاد تلجي بأن تركيا عملت كجسر مهم لكل من روسيا والدول الغربية في الحرب الروسية الأوكرانية، وظهر ذلك من خلال اتفاقية ممر الحبوب والقمم الدبلوماسية الأخرى، مشيرا إلى أن تركيا تواصل اتباع سياسة متوازنة بين روسيا والولايات المتحدة، مما سيجعلها قادرة على تعزيز مكانتها كمركز جيوسياسي ودبلوماسي واقتصادي.
بدوره، أكد محمد علي مرت أن نتيجة لطبيعة العلاقات الحالية مع الغرب سيكون هناك احتياج للتوصل إلى شراكة مع روسيا في بعض الملفات، وبالأخص في ملف النزاع بين أذربيجان وأرمينيا والملفات العالقة في سوريا وشمال العراق، ويأتي هذا في ظل وجود مواقف متعارضة من الغرب مع روسيا خصوصا فيما يتعلق بأوكرانيا.
واعتبر مرت أن التقارب مع روسيا من شأنه أن يؤثر سلبا على علاقة تركيا بالغرب، في حين رجح أن العلاقات مع إيران ستكون أكثر صعوبة في الفترة المقبلة، وستعاد مناقشة العلاقات الثنائية والبحث عن نقاط الخروج من أجل تجاوز الخلافات.
وأفاد الأكاديمي بأن موقف إيران من تركيا سيكون مدعوما من الصين التي تأخذها إلى جانبها في الأمور المتعلقة بالشرق الأوسط.
عقدان من التقارب
وعن إطار العلاقات التركية العربية، يعتقد تلجي أنه سيتم إقامة علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية مكثفة اعتبارا من هذا العام مع دول الشرق الأوسط والجغرافيا الإسلامية، مشيرا إلى تقوية هذه العلاقات خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية.
وأشار الأكاديمي إلى أن تعاقب التهاني من دول الشرق الأوسط والجغرافيا الإسلامية لأردوغان عقب فوزه بالرئاسة يدل على إيمان هذه الدول بالعلاقات الثنائية مع تركيا والاستقرار الإقليمي.
وأضاف دفجي أوغلو أن السياسة الخارجية لتركيا واجهت تحديات نظرا للتطورات الإقليمية الهامة، وآخرها الأزمات في سوريا وليبيا، لافتا إلى أن الأزمة السورية وقضايا اللاجئين التي انعكست أيضا على السياسة الداخلية ستكون أيضا على قمة جدول الأعمال للسياسة الخارجية.
وأوضح الباحث بمعهد أورسام للدراسات أنه يمكن القول إن إدارة أردوغان ستنتهج سياسة تضمن العودة الآمنة والكريمة للسوريين إلى وطنهم في الفترة المقبلة.
العلاقة مع أفريقيا
وبحسب المتحدث، فقد طورت تركيا بقيادة أردوغان علاقاتها مع أفريقيا من خلال رؤيتها الريادية والإنسانية للسياسة الخارجية، مضيفا أن الدور الذي لعبته أنقرة في الصومال وليبيا حظي بتقدير المجتمع الدولي.
وأكد دفجي أوغلو أن تركيا ستواصل جهودها الدبلوماسية مع الأطراف الليبية والدولية من أجل إجراء انتخابات ديمقراطية في ليبيا وإقامة إدارة عادلة ومستدامة.
بدوره، رجح مرت أن علاقة تركيا بدول الشرق الأوسط ليست مستقلة عن علاقتها بالدول الغربية، مشيرا إلى تعاون اليونان -التي تريد تقليص نفوذ تركيا في شرق البحر المتوسط- مع دول المنطقة وخاصة مصر وإسرائيل.