في قرية عراء ببني ظبيان في أعالي سراة الباحة وُلد علي معجل بن سعد الغامدي عام 1340هـ، ليجد نفسه بعد عامين يتيم الأب، ويكبر في كنف أخيه الأكبر عثمان الذي حمل عنه عبء التربية والرعاية، وقد غلب عليه لقب معجل الذي منحه إياه والده نسبة إلى أخواله من بني معجل. لم يرضَ علي أن يظل أسير قريته وظروفه الصعبة، فغادرها يافعاً نحو مكة المكرمة بحثاً عن الرزق، لكن أبواب الحرم كانت له رزقاً من نوع آخر، هناك جلس في حلقات العلماء يسمع ويرى ويستضيء، فتفتحت في داخله محبة العلم وحفظ القرآن، وتعلم المتون الشرعية، والتحق بدار الحديث المكية عام 1352هـ لينهل من علومها لمدة أربع سنوات، ثم مضى إلى الرياض حيث درس على يد كبار العلماء وفي مقدمتهم المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ.

انتقل بعد ذلك إلى الطائف ليلتحق بـ«دار التوحيد» وتخرج فيها بعد سنوات من الجد والاجتهاد، ثم واصل مشواره في كلية الشريعة بمكة المكرمة، ليتخرج عام 1375هـ ضمن ثاني دفعة، وهو أول طالب من جنوب المملكة يدخل هذا الصرح العلمي ويتخرج منه بهذه الشهادة العريقة والتخصص الدقيق.

حمل العلم سلاحاً والصدق زاداً، فالتحق بسلك القضاء ملازماً في الطائف، ثم قاضياً في مكة المكرمة حيث عرف بخطابته ووعظه، فجلس على كرسي الحرم المكي يخاطب القلوب والعقول، وبعد عشرة أعوام من العمل القضائي ترك المنصة القضائية، ليلتحق بوزارة المعارف متنقلاً بين التفتيش الديني وإدارة التعليم بالباحة التي تولاها عام 1386هـ، فكان شاهداً على مرحلة تأسيسية مفصلية استمرت سبعة أعوام، وضع فيها معجل الإستراتيجية العلمية التي كانت لبنة صالحة لتعليم واعٍ أخرج جيلاً أسهم في التنمية وتبوأ مناصب قيادية على مستوى الدولة.

لم يكن علي معجل قاضياً ومربياً فحسب، بل كان واعظاً صاحب صوت مسموع في الباحة ومكة المكرمة والطائف، يخطب في المساجد، ويكتب في الصحافة من خلال زاوية أسبوعية في جريدة «الندوة» يعالج فيها قضايا الناس ويرد على استفتاءاتهم الدينية. وكان من أشد ما عُرف عنه حرصه على تصحيح المفاهيم المتعلقة بالتوحيد، فكان له موقف شهير حين سعى لإزالة مسجد بُني على القبور في قريته، حتى تجاوبت الجهات الرسمية ونُقل المسجد إلى موضع آخر.

ورغم جلال مكانته ظل بيته مفتوحاً للغريب والفقير وعابر السبيل، يفرش لهم أجود الفُرُش، ويكسوهم من ثيابه الخاصة، ويغمرهم بابتسامته المعهودة، وضحكه الذي لم يفارقه، وقد أشار الأديب حمد الجاسر إلى كرمه في كتابه «سراة غامد وزهران» بعد زيارته للباحة في التسعينات الهجرية.

امتلك مكتبة زاخرة بكتب الفقه وكتب التراث الأدبي، كـ«العقد الفريد» و«صبح الأعشى» و«نهاية الأرب»، فكان يجمع بين الفقيه والأديب، بين الجدية والدعابة، بين العلم والحياة، وكان له زملاء بارزون في رحلته، مثل الشيخ حسن آل الشيخ، والشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، والشيخ محمد بن جبير.

في السابع من ربيع الأول عام 1395هـ طوى علي معجل صحيفته بعد معاناة مع المرض، تاركاً أبناء وبنات وأحفاداً أكملوا عنه المسيرة وتبوأوا مناصب قيادية في شتى المجالات، وتاريخاً يروي أن اليتم قد يكون بوابة العظمة، وأن أثر الرجال يبقى ما بقي العطاء.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version