مع حلول موسم الإجازات الصيفية وتجمع أفراد الأسرة لأوقات طويلة، تظهر خلافات أسرية نتيجة تغير الروتين اليومي للزوج والأبناء، واختلال توزيع الأدوار الأسرية، فضلاً عن الضغط على الميزانية، والخلاف حول أولويات الإنفاق.

ورفعت مختصات اجتماعيات شعار «لا لفتح الملفات القديمة في موسم الإجازات»، داعيات إلى استغلال المناسبة في صنع ذكريات إيجابية لكل أفراد الأسرة.

وتفصيلاً، قالت رئيس لجنة الاستشاريين الأسريين في جمعية الفجيرة الاجتماعية الثقافية، الدكتورة بدرية الظنحاني، لـ«الإمارات اليوم»: «من خلال التجارب التي خضتها شخصياً مع أكثر من حالة، أؤكد أن ظهور الخلافات الأسرية خلال الإجازات يعود إلى طبيعة العلاقات، وطريقة توزيع الأدوار، والتوقعات غير المعلنة». وأوضحت أنه «خلال السنة الدراسية أو فترات العمل، تكون الحياة منظمة، وفق روتين يومي، لكن الإجازة تفرض وقتاً مشتركاً طويلاً بين أفراد الأسرة لم يألفوه، ما يتيح المجال لمواجهات مؤجلة أو تباينات لم يتم حلها. كما أن غياب التواصل الحقيقي والمنتظم بين أفراد الأسرة خارج إطار المسؤوليات، يسهم في حدوث صدامات». وحذرت من تضارب التوقعات بين أفراد الأسرة، لأن كلاً منهم يحمل في ذهنه تصوراً مختلفاً عن الإجازة (راحة وتسوق وسفر ونشاطات ونوم)، ما يؤدي إلى خيبة أمل أو احتكاك عند تعارض هذه التصورات.

ولفتت إلى أن «تغير المهام الاعتيادية يسهم في إنعاش أسباب الخلاف، فمثلاً وجود الأب في المنزل طوال الوقت، والأبناء بلا التزامات، والأم مثقلة بالطلبات، عوامل تسبب ضغطاً داخلياً يتحول إلى خلاف خارجي، أي اختلال توزيع الأدوار الأسرية. يضاف إلى ذلك الاحتكاك المفرط وغياب الخصوصية الناتج عن عدم تنظيم الوقت الأسري بشكل يراعي الخصوصية والاحتياجات الفردية».

وأشارت إلى أن الأسباب الأخرى تتضمن الضغوط المالية غير المدارة، فالإجازات ترتبط في الذهنية العامة بالإنفاق (سفر وتسلية وهدايا)، ما يضغط على الميزانية ويزيد الخلافات حول أولويات الإنفاق.

وأكدت ضرورة تجديد العلاقة الزوجية وإجراء حوارات هادئة، والذهاب في نزهات ثنائية، أو ممارسة أنشطة مشتركة، وتجنّب فتح الملفات القديمة، لصنع ذكريات إيجابية، وتقليل فرص التوتر.

ورأت الظنحاني أن «الإجازة ليست هروباً من الواقع، بل فرصة لبناء واقع أكثر دفئاً إذا حسُن التخطيط لها، والأسرة الإماراتية تمتلك الإرث والثقافة التي تجعل من الإجازة موسماً للصلة لا للفرقة».

وقت الأسرة

وقالت المستشارة التربوية والأسرية، همسة يونس، إن أبرز أسباب الخلافات بين أفراد الأسرة خلال الإجازات الصيفية، يتمثل في عدم وجود خطة واضحة تنظم وقت الأسرة، وتنظم خصوصية كل فرد منها، «فوجودهم جميعاً في وقت واحد قد يتسبب في انعدام الخصوصية، وتالياً حدوث حالة من التوتر والضغط النفسي على الجميع».

وأضافت أن اختلاف اهتمامات أفراد الأسرة، لاسيما المراهقين، خلال وجودهم معاً داخل المنزل لوقت طويل، سيؤدي بشكل حتمي إلى الصدام، ما يُحدث حالة من الإحباط قد تنعكس على سلوكهم.

وتابعت أن وجود روتين يومي من دون أنشطة رياضية أو اجتماعية، وعدم وجود تغيير، يجعلان جو المنزل ملائماً للشعور بالملل، ويدفعان الأبناء للاعتماد على «السوشيال ميديا» لتمضية الوقت بشكل أكبر، ومع رفض أولياء الأمور الاستخدام المفرط للهواتف قد تكون النتيجة الخلاف بين أفراد الأسرة، موضحة أن بعض الأسر ليست لديها خطط للترفيه اليومي، داعية الأهل إلى عدم تفريغ طاقات الغضب تجاه الأبناء إذا تذمروا من الروتين، وحثّهم على فعل أشياء مفيدة، وتوعيتهم بأن التذمر غير مُجدٍ.

كما دعت إلى إشراك الأبناء في خطة أسرية واضحة، «لأن عدم إعطائهم وقتاً حقيقياً يجعل التواصل معهم ضعيفاً، حتى خلال الخروج بهم إلى النزهات، لأن بعض الأسر تقوم بذلك كواجب وليس رغبة في مشاركة الوقت».

وأكدت أيضاً أن وجود الأبناء وحدهم في المنزل خلال الإجازة الصيفية، مع عدم وجود خطة لتفريغ طاقاتهم يثير الخلافات.

واستطردت: «علينا تلافي هذه السلبيات بوضع خطة واضحة قدر الإمكان، وتحديد أنشطة صيفية للأبناء، بما يتناسب مع القدرات المادية، وضرورة وجود بعض المرونة لتخفيف القوانين الصارمة، مثل وقت النوم المبكر ولو بجزء قليل، فضلاً عن إتاحة الوقت لاستخدام الأجهزة الإلكترونية إذا لم يكن هناك بديل، فليس منطقياً تركهم للفراغ طوال اليوم، مع إتاحة ممارسة نشاط آخر بالاتفاق معهم».

عشوائية الإجازة

بدورها، عزت عضو لجنة البحوث والدراسات في جمعية الإمارات لحماية الطفل، أروى عبدالله، أسباب الخلافات الأسرية في الصيف إلى وجود الأبناء طرفاً فيها.

وشرحت أن الخلافات الأسرية تنشأ من عدم التخطيط وعشوائية وقت الإجازات، وعلى وجه الخصوص الإجازة الصيفية، لمدتها الطويلة مقارنة ببقية الإجازات. وأفادت بأن شغل وقت فراغ الأطفال والمراهقين ليس ترفاً، بل قضية مركزية، لأنه يفاقم سلوكيات خطأ، كالأكل غير الصحي، والإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية، والسهر لساعات متأخرة.

وأضافت: «نحتاج إلى أن نُحدث تغييراً إيجابياً، من خلال توفير بدائل مناسبة، كالنادي الرياضي والمخيمات الصيفية والسفر».

ودعت الآباء إلى دعم الأبناء وتوجيههم لاستغلال الإجازة في تطوير مهاراتهم وقدراتهم واكتشاف مواهبهم، فالتوجيه والدعم من أهم ما يحتاجه الأبناء، وذلك من خلال إعداد برامج مخصصة لهم، أو تسجيلهم في الأندية الصيفية التي تعزز مهاراتهم».

أما الآباء فيمكنهم جعل الرحلة مليئة بالحوافز والدعم، وتعزيز المهارات والمسؤولية لدى أبنائهم، عبر إشراكهم في اتخاذ القرارات، وتوكيل بعض المهام إليهم، وزيارة الأماكن الثقافية مثل المتاحف والمكتبات، فهذا يُلهمهم ويفتح أمامهم آفاقاً جديدة تعزز مهاراتهم ومعرفتهم.

تضارب التوقعات

وقالت باحثة دكتوراه في جامعة الشارقة، مريم حسن راشد، إن الخلافات الأسرية تُعدّ جزءاً من واقع العلاقات داخل الأسرة، إلا أن التحكم فيها والتعامل معها بوعي هما ما يضمن استقرار الأسرة وتماسكها.

وقالت: «تزداد الخلافات جداً خلال الإجازات نتيجة تغيير الروتين، وكثرة التفاعل اليومي»، لافتة إلى أن أبرز أسبابها غياب الحوار، وتضارب التوقعات حول الأنشطة، وأحياناً ضغوط الإنفاق.

ورأت أن «اعتياد بعض الآباء على الوجود خارج المنزل، وعدم تخصيص وقت كافٍ لأسرهم، يترك أثراً سلبياً على العلاقة داخل الأسرة، لأن تغيير الروتين اليومي سيشعرهم بنوع من الغربة عن محيطهم الأقرب».

وتابعت: «لتفادي هذه الخلافات، من المهم إشراك جميع أفراد الأسرة في وضع خطة واضحة ومتوازنة تُرضي مختلف الاحتياجات»، مؤكدة أن تخصيص وقت بسيط في بداية اليوم أو نهايته، يُمضيه أفراد الأسرة معاً، كفيل ببناء بيئة أسرية مستقرة وآمنة.


4 آليات

حددت الدكتورة بدرية الظنحاني أربع آليات عملية لتجنب الخلافات الأسرية في الإجازات، أولاها جلسة أسرية قبل الإجازة لتوحيد التوقعات، من خلال حوار مفتوح مع كل فرد (بمن فيهم الأبناء) عن تصوره للإجازة، بهدف الخروج بخطة توافقية تُرضي الجميع.

وثانيتها توزيع الأدوار والمهام بمرونة، عبر وضع جدول أسبوعي خفيف للأنشطة والمهام المنزلية، وإشراك الأطفال والزوج في الترتيبات، لتقليل العبء عن الأم، وتعزيز الشعور بالانتماء.

وثالثتها إدخال فترات راحة فردية لكل فرد، من خلال تشجيع الأبناء والزوجة والزوج على تخصيص وقت لأنشطتهم الخاصة (قراءة وتمارين وتسوق)، وهذا يقلل الاحتكاك ويمنح كل فرد مساحة للتجدد.

ورابعتها التخطيط المالي المسبق للإجازة، من خلال وضع ميزانية واضحة بمشاركة الأسرة، تتضمن مصروفات الترفيه والادخار، وإشراك الأبناء في اختيار الأنشطة حسب الميزانية المتاحة.

الدكتورة بدرية الظنحاني:

• ظهور الخلافات خلال الإجازة يعود إلى طبيعة العلاقات و«التوقعات غير المعلنة».

أروى عبدالله:

• عدم التخطيط والعشوائية في وضع خطة الإجازة يتصدران أسباب الخلافات.

شاركها.
اترك تعليقاً