تداول ناشطون ورواد منصات التواصل الاجتماعي، في الأيام الماضية، منشورات ومقاطع فيديو تزعم أن لجنة نوبل قررت شطب اسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب من قائمة المرشحين لجائزة نوبل للسلام.

الحسابات التي روجت لهذا الادعاء، بعضها يحمل طابعا إخباريا ويتابعه مئات الآلاف على منصة “إكس”، ربطت ما وصفته بقرار الاستبعاد بـ”انتهاكات للمعايير الدولية” وبإجراءات جنائية لا تزال جارية ضد ترامب، وفق روايتها.

ورافقت هذه المزاعم صورة واسعة الانتشار تحمل ميدالية نوبل الذهبية وعنوانا عاجلا يفيد أن “اللجنة أزالت بهدوء اسم ترامب من قائمة المرشحين”.

 

استبعاد مستحق

وأثارت هذه الادعاءات موجة جدل واسعة بين المستخدمين؛ فبينما اعتبرها بعضهم خطوة “غير منطقية” من لجنة نوبل، رحب آخرون بما رأوا أنه استبعاد مستحق، واقترح بعض المدونين أسماء بديلة للجائزة، منهم الرئيس الأوكراني الذي “يقاتل دفاعًا عن سيادة بلاده”.

في المقابل، هاجم مغردون مجرد التفكير في تكريم ترامب، واعتبروا أن لجنة نوبل لا يمكنها منح جائزتها شخصية “متهمة بالجرائم وتحيط نفسها بالمجرمين”.

 

وليست هذه المرة الأولى التي تنتشر فيها روايات من هذا النوع؛ فقد رصد فريق “الجزيرة تحقق” تداول الخبر نفسه بصيغ مختلفة على منصات فيسبوك وإكس بتاريخ 24 يونيو/حزيران الماضي، حيث حظي حينها بانتشار واسع وتفاعل ملحوظ، قبل أن يتبيّن أنه لا يستند إلى أي مصدر رسمي.

في موازاة ذلك، استندت حسابات موثقة على منصة “إكس” في الترويج لهذه المزاعم، إلى تقرير نُسب إلى مجلة نيوزويك الأميركية بعنوان: “انسحاب ترشيح دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام”. غير أن صياغة العنوان والمحتوى في تلك المشاركات بدت مُحرفة عن الأصل، إذ جرى تداولها باعتبارها قرارًا من لجنة نوبل نفسها، في حين أن التقرير المشار إليه لم يرد فيه ما يؤكد صدور أي إعلان رسمي عن اللجنة بشأن شطب أو إلغاء ترشيح ترامب.

 

 

وساعد التقرير المنشور في يونيو/حزيران الماضي، في تعزيز الجدل والتكهنات، بل دفع بعض المستخدمين العرب إلى ربط الخطوة بسيناريوهات جيوسياسية مثل احتمال تجدد المواجهة بين إسرائيل وإيران، في سياق ساخر.

 

وتبين لفريق “الجزيرة تحقق” أن ما ورد في تقرير نيوزويك الأميركية مختلف تماما عمّا رُوج له، فالمجلة أوضحت أن الترشيح لم يسحب من لجنة نوبل، بل إن نائبا أوكرانيا –هو رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان ألكسندر ميريجكو– كان قد رشح ترامب في وقت سابق، ثم عاد وأعلن بنفسه سحب الترشيح.

السبب، بحسب تصريحات ميريجكو، يعود إلى “خيبة أمله” في قيادة ترامب، وما اعتبره عجزا عن الإسهام في تحقيق وقف شامل للحرب بين روسيا وأوكرانيا.

ومع أن تقرير المجلة أشار بوضوح إلى أن الخطوة صادرة عن النائب الأوكراني، فإن صياغة العنوان حملت قدرا من الالتباس، ما جعل بعض القراء يفهمون -خطأ- أن “لجنة نوبل هي التي سحبت الترشيح”، وهو أمر غير صحيح من الأساس، إذ إن اللجنة لا تسحب الترشيحات أصلا.

 

في الوقت ذاته، توصلنا إلى أن الصورة المتداولة التي استُخدمت لترويج خبر شطب ترامب من جائزة نوبل مفبركة، إذ لم تنشرها مؤسسة نوبل على أي من صفحاتها الرسمية أو على موقعها الإلكتروني.

وبالتحقق من القنوات الرسمية للجائزة، تبين أن هذه المزاعم لا تستند إلى أي مصدر موثوق أو إعلان رسمي، ما يجعلها ضمن فئة المعلومات الزائفة التي ضُخمت عبر المنصات الرقمية.

سرية الترشيحات

وبالاطلاع على القوانين الناظمة لعمل مؤسسة نوبل، والتي تنص على أنه “لا يجوز الكشف عن الترشيحات أو التحقيقات أو الآراء المتعلقة بجائزة نوبل للسلام إلا بعد مرور 50 عاما على منح الجائزة”.

وتوضح لجنة نوبل على موقعها الرسمي أنها لا تعلن عن أسماء المرشحين أو تكشفها لأي جهة خارجية، بمن فيهم المرشحون أنفسهم، أما الأسماء التي تتداولها وسائل الإعلام من حين لآخر فهي ليست قوائم رسمية، بل مجرد تخمينات غير مؤكدة أو معلومات تختار جهات مانحة الترشيحات نشرها تلقائيا.

توضيح مؤسسة نوبل حول الترشيحات وقائمة الأسماء المرشحة لنيل الجائزة (موقع جائزة نوبل)

 

حلم نوبل

وفي 12 أغسطس/آب الجاري، نشرت الصفحة الرسمية للبيت الأبيض على منصة “إكس” صورة حصدت 8 ملايين مشاهدة، تظهر ترامب وهو يقف أمام ميدالية نوبل للسلام، وأرفقت الصورة بتعليق مقتضب: “دونالد ترامب رئيس السلام”.

 

كما أعلن حساب البيت الأبيض عن أسماء سبع شخصيات وحكومات تدعم تكريم ترامب بجائزة نوبل للسلام، منهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحكومة باكستان، إضافة إلى رؤساء الغابون وأذربيجان وغيرهم.

 

ويسعى ترامب إلى الحصول على الجائزة بنسب الفضل لنفسه في إنهاء العديد من الصراعات والنزاعات الدولية، مثل الحرب بين الهند وباكستان، والنزاع بين صربيا وكوسوفو، والحفاظ على السلام بين مصر وإثيوبيا، إضافة إلى اتفاقيات أبراهام في الشرق الأوسط، إلا أنه “لا يتوقع الحصول على جائزة نوبل للسلام مهما فعل”.

يشار إلى أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما فاز بالجائزة بعد توليه منصبه بفترة وجيزة في عام 2009، لكن ترامب اعتبر في حملته الانتخابية لعام 2024 أن سلفه الديمقراطي لم يكن جديرا بهذا الشرف.

وتعلن أسماء الفائزين بجائزة نوبل من رئيس لجنة نوبل النرويجية في أوسلو في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، ويقام حفل توزيع الجوائز في العاشر من ديسمبر/كانون الأول من كل سنة، الذي يصادف ذكرى وفاة ألفريد نوبل.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version