بقلم:&nbspAli Hamdan&nbsp&&nbspيورونيوز

نشرت في

اعلان

بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب دخول وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل حيز التنفيذ، تبدأ طهران مرحلة مراجعة شاملة لما خلفته الحرب من تداعيات عسكرية وأمنية وسياسية. ومع أن العمليات العسكرية توقفت رسميًا، فإن آثارها لا تزال تتفاعل داخل النظام الإيراني الذي يواجه تحديات معقّدة، من بينها علاقته بالمجتمع الدولي، ومحيطه الإقليمي، والتهديدات الأمنية المتصاعدة داخل حدوده.

إعادة رسم العقيدة الأمنية: بين الردع والانكشاف

لم يكن متوقعًا من النظام الإيراني أن يخوض مواجهة مباشرة بهذا الحجم مع إسرائيل، ولا أن تُستهدف منشآته النووية والعسكرية بهذا الشكل الواسع. وقد كشفت الحرب عن ثغرات حقيقية في منظومة الدفاع الجوي الإيرانية، خصوصًا في التصدي للطائرات الشبحية والصواريخ الذكية. هذا الواقع قد يدفع صناع القرار في طهران إلى إعادة تقييم جدوى الإنفاق العسكري مقارنة بفاعلية المنظومات الدفاعية التقليدية.

كما أظهرت الحرب حدود استراتيجية “الردع الإقليمي” التي بنتها إيران عبر وكلائها في لبنان والعراق واليمن. ففي وقت كانت طهران تتعرض لضربات مباشرة، لم تنجح أدواتها الخارجية في تغيير مسار الحرب أو تخفيف الضغط عنها نظرا للضربات الموجعة التي وجهتها إسرائيل لحلفاء طهران في تلك البلدان. وهذا ما سيُحتّم عليها ربّما إعادة صياغة مفهوم “العمق الاستراتيجي” الذي كانت تعوّل عليه.

الداخل الإيراني: أزمة الجواسيس واهتزاز الثقة

أحد أبرز الدروس المريرة التي خرج بها النظام الإيراني من هذه الحرب، كانت قضية الاختراقات الأمنية. فقد أعلنت السلطات الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي عن تفكيك شبكات تجسس واسعة داخل البلاد، بعضها على صلة مباشرة بإسرائيل. وتُعد هذه الحوادث إشارة خطيرة إلى مدى التغلغل الاستخباراتي الأجنبي داخل مفاصل الدولة، بما فيها المؤسسات العسكرية.

وتعكس هذه التطورات هشاشة البنية الأمنية الداخلية. وتُواجه طهران تحديًا في استعادة ثقة أجهزتها الأمنية ببعض كوادرها، ما قد يؤدي إلى تغييرات واسعة في قيادات أمنية وعسكرية.

علاقة مع المحيط الإقليمي

كشفت الحرب عن فتور متزايد في علاقات إيران مع محيطها العربي. فرغم الخطاب الإعلامي المتضامن من بعض الدول، إلا أن الواقع السياسي ظل باردًا إلى حد كبير. كما أن استهداف إيران لقاعدة العديد الأميركية في قطر زاد من توتر علاقتها مع بعض دول الخليج، وأحرج الدوحة التي اضطرت لتأكيد التزامها بأمن شركائها الدوليين.

ومن جهة أخرى، حاول النظام الإيراني استثمار الحرب في تعزيز “خطابه المقاوم”لدى بعض القوى العربية، إلا أن الانقسام الإقليمي، وافتقار طهران للحلفاء الرسميين، حرمها من بناء تكتل داعم حقيقي يمكن أن يوفر لها غطاء سياسياً أو دبلوماسياً.

العلاقة مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي: إختبار الشرعية

من أبرز نتائج الحرب أيضًا عودة إيران إلى دائرة التوتر مع المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية. فطهران، التي كانت تحاول سابقًا كسب نقاط عبر التعاون النووي المحدود، وجدت نفسها بعد الضربات في موقع المتهم بعدم الشفافية.

كما أن الدول الأوروبية التي طالما سعت إلى التموضع في مكان لا يتماهى كليا مع المقاربة الأمريكية تجاه الجمهورية الإسلامية، قد بدأت تتبنى مواقف أكثر تشددًا، مطالِبة إيران بضمانات واضحة لعدم استئناف مسارات التخصيب النووي العسكري.

ما الذي تغيّر؟

الحرب مع إسرائيل، رغم توقفها بوقف إطلاق نار، شكّلت نقطة تحوّل في نظرة إيران لنفسها ولنظامها الأمني والسياسي. فالنظام الذي كان يراهن على فائض القوة الردعية، وجد نفسه مكشوفًا أمام تفوق التكنولوجيا الغربية، ومخترقًا أمنيًا، ومعزولًا دبلوماسيًا. إلا أن الدرس الأكبر ربما هو في الوعي الجديد داخل المؤسسة الإيرانية بضرورة إعادة النظر في العقيدة العسكرية والأمنية، والبحث عن طرق جديدة لاستعادة موقعها الإقليمي والدولي دون الوقوع في فخ الاستنزاف المستمر.

شاركها.
اترك تعليقاً