وشهدت هذه العملية تصفية مسلحين اثنين من حركة “حسم”، بمحافظة الجيزة، أثناء مداهمة أمنية استهدفت شقة كان العنصران يختبئان فيها، بعد رصد عودتهما إلى الداخل من إحدى دول الجوار عبر دروب صحراوية غير شرعية، ووفق البيان الأمني، وكانا يخططان لارتكاب أعمال عدائية ضد منشآت حيوية ومرافق أمنية، بدعم وتنسيق مع قيادات هاربة خارج البلاد.

وجاءت العملية الأمنية بعد نحو أسبوعين من ظهور إصدار دعائي لحركة “حسم”، تضمن مشاهد لتدريبات عسكرية على الرشاشات والقذائف، مرفقة بأناشيد تحريضية، مع تهديدات باستهداف السجون لإطلاق سراح محكومين من جماعة الإخوان التي تصنفها القاهرة كإرهابية.

وتعود آخر العمليات المنسوبة لحركة “حسم” الإرهابية إلى عام 2019، حين اتهمتها السلطات المصرية بالتورط في تفجير سيارة بمحيط معهد الأورام وسط القاهرة، ما أسفر عن مقتل 22 شخصا وإصابة العشرات آنذاك.

واتفق مختصون في شؤون الإرهاب ومحللون أمنيون في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، على أن العملية التي استهدفت “خلية حسم” تُعد رسالة حاسمة تؤكد الرصد المسبق والضرب الاستباقي للأجهزة الأمنية المصرية، في ظل محاولات مستمرة لإعادة تفعيل تنظيمات العنف تحت غطاء إخواني.

ويرى الخبراء أن التنظيم، رغم ما بدا من كمونه خلال السنوات الماضية، لم يختفِ نهائيا بل احتفظ بهيكله الخارجي وتمويله ودعمه اللوجستي من الخارج، في الوقت الذي تعكس الضربة اختراقا استخباراتيا عميقا لبنية “حسم”.

 رسائل مباشرة

في تفسيره لأبعاد العملية، قال الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، ماهر فرغلي لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن الضربة الأمنية لحركة “حسم” تعكس نجاحا استخباراتيا بالغ الدقة، حيث استطاعت أجهزة الأمن المصرية تتبُّع تحركات أحد العناصر الإرهابية، وهو أحمد عبد الرازق، منذ لحظة تسلله من الحدود الغربية، وحتى وصوله إلى منطقة بولاق الدكرور، ومن ثم محاصرته مع عنصر آخر، مؤكدا أن ذلك يمثل “نجاحا أمنيا باهرا”.

وأضاف فرغلي في تصريحاته أن “هذا النجاح يعكس اختراق الدولة المصرية لهذا التنظيم، ومعرفتها بخططه وتحركاته مسبقا، وانتظارها للحظة المناسبة للتحرك، وهو ما يدل بشكل قاطع على أن العمليات الإرهابية تأتي من الخارج، ولم يعد للتنظيمات المتطرفة ظهير داخلي فعّال يمكنه من تنفيذ العمليات من داخل مصر”.

وأشار إلى أن تنظيم “حسم” الإرهابي “ضعيف للغاية ومخترق”، إذ أن الدولة المصرية فككته بالكامل بحلول عام 2019، ومنذ ذلك الوقت لم ينجح في تنفيذ أي عملية، وعندما فكر في إعادة النشاط، كانت وزارة الداخلية له بالمرصاد، وتم الوصول إليه فورا.

وحول إمكانية وجود خلايا نائمة تابعة للتنظيم، قال فرغلي: “هذا وارد، ففي أي دولة في العالم لا يمكن القضاء على كل الخلايا النائمة أو العنقودية السرية، لأننا نتعامل مع تنظيم يعمل بسرية تامة، ومن الممكن أن يكون قد جند عناصر لم تُرصد بعد، لكن التجربة أثبتت أنه بمجرد أن يحاول أي عنصر التحرك، يتم كشفه والوصول إليه في وقت قياسي، كما رأينا في هذه العملية”.

وتأسست “حسم” عام 2016 كذراع عملياتي للإخوان، ضمن إدارة العمل النوعي التي تولّت قيادة العنف بعد الإطاحة بهم من الحكم في 2013، ونفّذت الحركة عمليات اغتيال وتفجيرات، من بينها محاولة اغتيال مفتي الجمهورية الأسبق علي جمعة والنائب العام المساعد عام 2016، قبل أن تتمكّن الأجهزة الأمنية من توجيه ضربات قوية لها شملت ضبط مخازن أسلحة وتفكيك خلاياها.

أسلوب “الخلايا العنقودية”

من جهته، يرى الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، أحمد سلطان، أن العملية الأمنية ضد عناصر “حسم” تحمل دلالات مزدوجة، فالتنظيم “لم ينتهِ فعليا، بل تحوّل منذ عام 2019 من طور العمل النشط إلى حالة من الكمون، نتيجة الضربات الأمنية المتتالية التي طالت بنيته وقدراته”.
واعتبر سلطان في حديثه لـموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “هذا الكمون لم يكن يعني الخمول التام، فقد ظلت هناك قيادة قائمة على التخطيط، تضع أهدافا، وتنتظر الظرف المناسب للعودة إلى النشاط”، مشيرا إلى أن تطورات المشهد الإقليمي ساهمت في تحفيز التنظيم مجددا.

وعن أبعاد عملية “بولاق الدكرور”، أوضح الباحث في الأمن الإقليمي والجماعات الإرهابية أن “عودة أحد كوادر التنظيم من دولة مجاورة في هذا التوقيت، تعني أنه يحمل تكليفا محددا، وأن هذا التكليف يندرج ضمن خطة أوسع لإعادة تنشيط الخلايا النائمة داخل مصر”، مرجحا أن “انكشاف هذه المجموعة لا يعني أنها كانت تعمل بمفردها، بل أن هناك مجموعات أخرى تتحرك بالتوازي، بعضها قد يكون مرصودا بالفعل، وبعضها الآخر قد يُكشف في الأيام المقبلة”.

وحول أسلوب تعامل الأجهزة الأمنية مع الموقف، قال سلطان إن “قطاع الأمن الوطني كان يسعى في الأصل إلى القبض على العنصرين أحياء، لا سيما الإرهابي أحمد محمد عبد الرازق، بهدف استجوابه والحصول على أكبر قدر من المعلومات الاستخباراتية حول الشبكة التي ينتمي إليها، خاصة أن إرسال فريق تحرير رهائن عالي الكفاءة لم يكن بهدف التصفية، وإنما لضمان السيطرة الكاملة على الموقف ومحاولة تحييد العنصرين دون خسائر”.

وتابع سلطان قائلا: “ضراوة الاشتباك حالت دون ذلك، إذ رفض العنصران الاستسلام، لعلمهما أن الوقوع في قبضة الأمن سيقود إلى كشف المزيد من الخلايا والعناصر المتورطة في المخطط”.

ولفت سلطان إلى أن “حسم لا تزال تعتمد على أسلوبها التنظيمي التقليدي القائم على الخلايا العنقودية، حيث يتم تمرير أوامر التنفيذ من خارج مصر عبر تطبيقات إلكترونية مشفرة، إلى مجموعات صغيرة ومتفرقة، تعمل كل منها بشكل مستقل عن الأخرى”.

ورغم الضربات التي وجهتها الشرطة المصرية لحركة “حسم”، ظل قادتها خارج مصر، وعلى رأسهم يحيى موسى، يواصلون التحريض على العنف تحت مسمى “خطة الحسم”، بالتنسيق مع جبهات إخوانية مثل “المكتب العام” أو “تيار التغيير”.

وختم سلطان قائلا: “حسم تحاول العودة ضمن إطار مخطط أوسع لإحياء العمل المسلح، وهذا المخطط لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي والدولي الذي يشهد تغيرات سريعة، تحاول بعض التنظيمات استغلالها لتوسيع نفوذها أو زعزعة استقرار الدول، لكن يقظة الأجهزة الأمنية المصرية تقف حائلا أمام كل هذه المخططات”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version