رغم أن الإجازة الصيفية تُعد متنفسًا طال انتظاره بعد عام دراسي طويل، إلا أن تحويلها إلى فرصة لصناعة الذكريات وتعزيز القيم من مسؤولية الأسرة. وفي وقتٍ يتزايد فيه اعتماد الأبناء على الأجهزة الإلكترونية والأنشطة العشوائية، شدد مختصون لـ«عكاظ»، على أهمية أن تتحول الإجازة من مساحة للفراغ إلى حاضنة تربوية، تُوازن بين اللعب والتعلم، وتُعيد رسم خارطة التواصل العاطفي بين الآباء والأبناء. وأكدوا، أن الخطة الأسرية المرنة، والمبنية على الحوار ومشاركة الأبناء في اختيار الأنشطة، تضمن صيفًا لا يضيع بين الترفيه المُفرط والتوجيه القسري، بل يثمر في بناء الشخصية، وتنمية المهارات، وتعديل السلوكيات، في بيئة عائلية حانية تنبض بالحب والانتماء.

يرى الأخصائي الاجتماعي عبدالله القحطاني، أن «تحقيق التوازن بين ما يدخل السعادة على نفوس الأبناء وبين توجيههم تربويًا، أمرٌ بالغ الأهمية»، وأن الترفيه لا يُغني عن غرس القيم من خلال المواقف اليومية.

ويضيف: «كثير من الأسر تغفل عن أهمية عقد الاجتماعات الأسرية، رغم أنها وسيلة فاعلة لمناقشة مشكلات الأبناء ووضع خطط الإجازة، ما يساعد على تنمية مهارات التفكير والمشاركة لديهم». وشدد القحطاني على أهمية إشراك الأبناء في وضع خطة مرنة للإجازة تتضمن الترفيه، والمهارات، والقراءة، والعمل التطوعي، والدورات القصيرة.

وأكد القحطاني، أن لحظات اللعب المشتركة، وممارسة أنشطة منزلية أو الخروج لتناول الطعام، هي أدوات فعّالة لتجديد العلاقة بين الآباء وأبنائهم، وتجاوز فجوة الانشغال والرتابة اليومية.

ويضيف القحطاني، أن الأعمال التطوعية والممارسات الواقعية مثل البيع أو الحرف اليدوية، تسهم في بناء الثقة بالنفس وتجاوز مشكلات كالخجل أو ضعف التفاعل الاجتماعي.

حوارات ومشاركات يومية

وشددت الأخصائية النفسية تغريد الحريري، على أن الخطة اليومية يجب أن تكون قابلة للتعديل، وأن تراعي توازن الطفل بين الإنجاز والتسلية، مشيرة إلى أن الجدول إما أن يكون مرهقًا بالتكاليف أو خاليًا من الفائدة، وكلاهما ضار نفسيًا وسلوكيًا.

وحول بناء جسور عاطفية داخل الأسرة، ترى الحريري، أن الإجازة الصيفية فرصة ذهبية لتعزيز الروابط الأسرية من خلال الحوارات العفوية والمشاركات اليومية، مضيفة أن تخصيص ساعة يوميًا لتبادل الأحاديث أو تناول وجبة جماعية، له أثر عميق في التقارب بين أفراد العائلة.

وتحذر الحريري: «لا حاجة للصراخ أو التوبيخ، فالمكافآت المعنوية والمدح والتقارب العاطفي كفيل بتعديل كثير من التصرفات»، مشددة على أهمية أن يكون الوالد قدوة وصديقًا، لا مجرد مراقب وموجّه.

الترفيه وسيلة للتربية

وعن العلاقة بين الترفيه والتوجيه، قالت الأخصائية الاجتماعية والمستشارة الأسرية سميرة الشيباني: إن الإجازة ليست مجرد وقت للعب، بل مساحة نفسية واجتماعية لتنمية المهارات وتعزيز الهوية الشخصية، مشيرة إلى أهمية إدراك الوالدين لأثر اللحظات البسيطة في صقل شخصية الطفل، بدءًا من قراءة كتاب أو تعلم مهارة، إلى تنظيم مسابقات أو مشاريع صغيرة.

ودعت الشيباني، إلى عدم حشو وقت الأبناء بالنشاطات، وأن يكون الصيف فرصة للتعلم غير المباشر، من خلال ترتيب المنزل أو الطهي كفعالية جماعية، وغرس قيم مثل التعاون والمبادرة.

سلوكيات تُصحّح بالحوار

وتُجمع الآراء على أن الإجازة الصيفية مساحة مثالية لمعالجة بعض السلوكيات الخاطئة بهدوء وبعيدًا عن التوتر، وينصح المختصون في ختام حديثهم بعدم ترك الإجازة مفتوحة بلا تخطيط، أو متخمة بالأنشطة المنهكة، بل جعلها فسحة للتوازن بين الترفيه والتعليم، وغرس القيم والسلوكيات، وصناعة الذكريات الجميلة… فهكذا يكون الصيف استثمارًا حقيقيًا لا يُهدر.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version