بقلم د.محمد صالح محمد
ذكريات طالب بحريني عاش غزو الكويت من قلب الحرم الجامعي في صيف عام 1990، كنت على وشك التخرج من جامعة الكويت، وقد أنهيت متطلبات التخرج، سوى مادتين اختياريتين أردت أن انهي مشواري الجامعي بهما في الفصل الصيفي.
كنت حينها أحد طلبة البحرين الحاصلين على منحة دراسية من قبل الكويت، وكنا نسكن في سكن الطلاب بمنطقة الشويخ، حين باغتنا الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس 1990، في لحظة تحولت فيها الحياة الجامعية الهادئة إلى مشهد مرعب يصعب نسيانه.
في يوم الخميس الذي كان يوم إجازة أسبوعية في ذلك الحين، استيقظت على صوت انفجارات عند الخامسة فجرا، ظننتها في البداية ألعابا نارية، لم يخطر في بالي أن الكويت ستتعرض إلى ما تعرضت له من غزو، قمت من النوم فزعا، فتوضأت، وأديت صلاة الصبح، وأثناء الصلاة زادت أصوات القصف وتصاعدت الاهتزازات في المبنى، وانتابني خوف شديد، وبمجرد الانتهاء من أداة الصلاة خرجت من غرفتي في الطابق العاشر، لأجد مجموعة من الطلاب العرب يتحدثون في حالة من الفزع، فسألتهم ما الذي يجري؟ أجابوا بأن الكويت تتعرض لغزو غير متوقع، من جانب الجار الشمالي، عشنا يوما عصيبا بكل تفاصيله التي لاتزال عالقة في الذاكرة حتى اليوم.
لم تمض سوى أيام قليلة حتى دخلت القوات العراقية الحرم الجامعي في الشويخ، وبدأت تحفر أنفاقا قرب السكن الطلابي المجاور لميناء الشويخ، وهنا أدركنا أن الجامعة قد تصبح ساحة مواجهة عسكرية قريبة.
توقفت الحياة منذ ذلك اليوم، وتأجل موعد تخرجي الذي كان منتظرا في نهاية شهر أغسطس 1990، فيما سادت مشاعر القلق على سلامتنا، خاصة بعد انقطاع الاتصالات التي حرمت ذوينا في البحرين من التواصل معنا.
في ظل هذه الظروف، برز دور السفارة البحرينية التي قادها حينها السفير عيسى الجامع، رحمه الله، حيث قامت السفارة بتأمين مأوى أكثر أمانا للطلبة، ووفرت لنا الدعم اللازم، حيث انتقلنا بعد أيام إلى مقر نادي طلبة البحرين في محافظة حولي، وبعد 5 أيام من بدء الغزو، نظمت السفارة عملية إجلاء واسعة للجالية البحرينية عبر منفذ السالمي إلى السعودية، في قافلة ضمت حافلات وعائلات بأطفالهم من البحرينيين والكويتيين وعرب آخرين، كانت رحلة شاقة، لكنها شهدت مشاهد إنسانية مؤثرة في الجانب السعودي، حيث استقبلونا بالماء والطعام، الأمر الذي منحنا شعورا بالأمان كنا قد افتقدناه منذ اللحظات الأولى للغزو الغاشم.
ورغم ما خلفه الغزو من ألم، بقي الشوق للعودة إلى الكويت حيا، وقد حرصت على العودة للكويت بعد التحرير مباشرة، كنت مشتاقا لتراب هذا البلد العزيز الذي عشت فيه أياما من أجمل أيام العمر مغمورا بكرم وحب أهل الكويت الذي لا ننساه أبدا، وجدت آثار الدمار منتشرة في كل مكان، والدخان يغلف سماء البلاد جراء حرائق آبار النفط، لكن ما لفت نظري كان روح الإصرار لدى إخوتي الكويتيين، الذين شرعوا بإعادة البناء في وقت قياسي، بدافع الأمل والوفاء والحب لهذا الوطن الغالي.
لقد أظهرت الأزمة مدى قوة اللحمة الخليجية، كما ساهمت في تعميق العلاقة بين البحرين والكويت التي تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة، بل هي أخوة راسخة وممتدة، تؤكدها المحن والمواقف الصعبة، وأن محبة الكويت وأهلها باتت راسخة في قلبي وقلب كل أبناء الخليج، لقد كانت لنا أيام جميلة في ربوع الكويت الحبيبة لم يعكر صفوها سوى ذلك الغزو الغاشم.