بقلم:&nbspعلي حمدان

نشرت في

اعلان

لم تكن إيران تملك ترف انتقاء شكل الردّ أو حجمه بعد الضربات الإسرائيلية فجر الجمعة، والتي استهدفت مواقع شديدة الحساسية في عمق أراضيها، من منشآت نووية إلى مقار عسكرية واغتيالات طالت كوادر علمية وأمنية من الصف الأول. فالهجوم لم يكن مجرد ضربة عسكرية، بل تحدٍ مباشر لهيبة النظام الإيراني في لحظة إقليمية ودولية فارقة، وضعت طهران أمام مفترق وجودي: إما أن ترد، وإما أن تخسر موقعها كقوة إقليمية صاعدة.

الردّ خيار استراتيجي لا رفاهية سياسية

الرد لم يكن خياراً سيادياً فقط، بل ضرورة استراتيجية. نظريا، لا يمكن لأي نظام أن يصمت أمام استهداف مباشر بهذا الحجم دون أن يدفع ثمناً سياسياً باهظاً. الشارع الإيراني، الذي يعيش أصلاً تحت وطأة العقوبات، والتدهور الاقتصادي، وفقدان الثقة بمخرجات السياسات الخارجية، كان سينفجر لو لم تأتِ طهران برد يوازي حجم الضربة. فالمعادلة هذه المرة لم تكن مع إسرائيل وحدها، بل مع الرأي العام الداخلي أيضاً، وهو ما دفع النظام إلى التعامل مع التصعيد على أنه معركة بقاء، لا مجرد أزمة عابرة.

تثبيت الموقع لا مجرد إنتقام

في المقابل، يعلم صانع القرار الإيراني أن أيّ تهاون في الرد سيُفسَّر على أنه تراجع استراتيجي، وسيقوّض عقوداً من استثمار النفوذ في ساحات مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن. ولعل الأهم، أن الصمت كان سيُعطي انطباعاً بأن تل أبيب نجحت في تحجيم طهران دون أن تدفع الثمن، ما كان ليشكّل للنظام سابقة خطيرة في ميزان الردع الإقليمي.

غياب الدور العربي: فراغ تملؤه طهران

الرد الإيراني، وإن بدا منضبطاً ضمن حسابات عدم الانزلاق إلى حرب شاملة، إلا أنه حمل رسالة مزدوجة: نحن حاضرون للمواجهة إذا فُرضت، ولسنا بصدد استيعاب الإهانة. لقد اختارت طهران أن تردّ عبر عشرات الصواريخ والمسيّرات على العمق الإسرائيلي، ليس فقط لإثبات قدرتها، بل لتقول لكل من يراهن على إضعافها في لحظة ارتباك، إنها لا تزال لاعباً حاضراً في معادلة الردع.

لكن المشهد أعقد من مجرد تبادل ضربات. فإيران تخوض، بحسب مقاربتها، صراعاً من أجل تثبيت شرعيتها الداخلية والإقليمية، في ظل تراجع واضح للدور العربي الرسمي، وانكفاء كثير من العواصم عن مواجهة إسرائيل أو حتى مجاراتها دبلوماسياً. وهذا ما يجعل طهران ترى في هذه المعركة فرصة لإعادة تصدير نفسها كقوة طليعية في مواجهة تل أبيب، خاصة بعد ما جرى في غزة، وما أثاره من رد فعل شعبي في العالم العربي لأي طرف يرفع راية المواجهة مع إسرائيل.

هكذا، فإن إيران اليوم لا تحارب فقط من أجل رد الاعتبار بعد الهجمات، بل من أجل استمرار مشروعها. هي تدافع عن منظومة سياسية وأمنية واقتصادية تعاني داخلياً وتخسر تدريجياً عمقها الشعبي. وتقاتل لتحمي موقعها من الانهيار تحت ضغط العزلة الدولية، وتقاتل ليثبت بأنها ما زالت قادرة على فرض المعادلات، لا مجرد التفاعل معها.

معركة بقاء لا مواجهة عابرة

ختاماً، لا يمكن قراءة ردّ إيران في سياق عسكري محدود. فالمعادلة أوسع من صاروخ هنا أو ضربة هناك. إنها معركة بقاء سياسية واستراتيجية، داخلياً وخارجياً، يخوضها النظام في طهران تحت عنوان: لا عودة إلى الوراء، ولا خيار سوى المواجهة.

شاركها.
اترك تعليقاً