• ربّ تغريدة تحدث فتنة عمياء.. وربّ كلمة تحمي شعباً وأمة من عظيم خطر وربّ كلمة تشعل فتنة شعواء لا تبقي ولا تذر
  • ‫كل ما يؤدي إلى ائتلاف القلوب ومودتها واجتماع النفوس وتآلفها ومحبتها مطلب شرعي ومقصد ضروري
  • نعيش في عالم لم تعد فيه الفتنة تقتصر على بقعة بمفردها ولا الكلمة أو الرسالة تتوقف على صاحبها أو في أماكن محدودة بل صارت الكلمة تبلغ الآفاق في لحظة أو لحظات معدودة

أسامة أبوالسعود 

أكدت خطبة الجمعة المعممة من وزارة الشؤون الإسلامية أن الشرع المطهر أمر بحفظ اللسان وحذر من إطلاق العنان له، لئلا يسلك بصاحبه سوء المسالك ويورده شر المهالك.

وشددت الخطبة، التي أعدتها لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة بقطاع المساجد، على انه لا يوجد عيب في المرء أقبح من الكذب! وأي ذنب فيه أشنع من ترويج الإشاعات، لإفساد الأفراد والفتك بالمجتمعات، والتحريض على الفتنة والتحريش بين الناس؟! وهذا من سبيل أهل النار.

‫وحذرت الخطبة من النزاع والشقاق والخصام، واكدت أن كل ما يؤدي إلى ائتلاف القلوب ومودتها، واجتماع النفوس وتآلفها ومحبتها، مطلب شرعي ومقصد ضروري، كما أن كل ما يسبب تباعد القلوب وتنافرها، واختلاف الكلمة وتفرقها، وشق الصفوف وتمزقها، أمر محرم في دين الله جل في علاه.

‫وشددت على ضرورة أن لا يستغل المرء السفهاء والأعداء، فيكون مطية لنشر أضاليلهم، ومعبرا لنقل أباطيلهم، ومعول هدم وتفتيت، وأداة إشاعات مغرضة وتشتيت.

‫وتابعت: فنحن نعيش في عالم لم تعد فيه الفتنة تقتصر على بقعة بمفردها، ولا الكلمة أو الرسالة تتوقف على صاحبها أو في أماكن محدودة، بل صارت الكلمة تبلغ الآفاق في لحظة أو لحظات معدودة، فرب تغريدة تحدث فتنة عمياء، أو مقطع يبعث جاهلية جهلاء، ورب كلمة تحمي شعبا وأمة من عظيم خطر، ورب كلمة تشعل فتنة شعواء لا تبقي ولا تذر، وفيما يلي نص الخطبة:

‫مسؤولية الكلمة

‫الحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام وأعزنا به قوة وإيمانا، وألف بين قلوبنا فجعلنا أحبة وإخوانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنزل كتابه هدى ورحمة وتبيانا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، ژ وعلى آله وأصحابه الذين كانوا له على الحق إخوانا وأعوانا.
‫أما بعد:
‫فاتقوا الله الذي خلقكم، واستعينوا على طاعته بما رزقكم، واشكروه على نعمه كما أمركم، يزدكم من فضله كما وعدكم، وقابلوا نعمه بالشكر والعرفان (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ـ المائدة: 2).

‫معاشر المسلمين،

‫لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه على كثير ممن خلق أفضل تكريم، وخلق له السمع والبصر والفؤاد وزاده تكميلا، وجعله على ذلك كله مؤتمنا ومسؤولا، قال تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ـ النحل: 78).

‫فأمره الله سبحانه وتعالى بشكر هذه النعم ودوام ذكرها، وحذره من جحودها ونسيانها وكفرها، فإن حفظها وأدى حقها كان من أهل الربح والكرامة، وإن ضيعها وبخسها حقها كان من أهل الخسارة والندامة، حيث يقول الرب جل جلاله: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين ـ النور:24 و25).

‫ونهاه الله تعالى عن الخوض فيما لا علم له فيه، وعن التعرض لما لا يعنيه أو يجر الأذى إليه، فقال سبحانه: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ـ الإسراء: 36). وإن من علامات الطيش وقلة العقل والحرمان، ومن ضعف الفطنة والحكمة في الإنسان: أن يطلق لسانه في كل جليل وحقير، وفي كل صغير وكبير، يحدث بلا تروّ ولا تثبت، ويرسل الأخبار على عواهنها بلا تحقق، ويخوض في أعراض الناس بلا وجل ولا تمحيص، وهذا كله من علامات النفاق المخيف، التي حذر منها الشرع الحنيف، فعن أبي هريرة ÿ أن رسول الله ژ قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف» (رواه البخاري ومسلم).

‫وحري بمن ينقل كل ما يسمعه أن يدخل في زمرة الكاذبين، ففي الحديث عن أبي هريرة ÿ قال: قال رسول الله ژ «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع» (رواه مسلم).

‫وأي عيب في المرء أقبح من الكذب! وأي ذنب فيه أشنع من ترويج الإشاعات، لإفساد الأفراد والفتك بالمجتمعات، والتحريض على الفتنة والتحريش بين الناس! وهذا من سبيل أهل النار عياذا بالله! عن
عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى النبي ژ فقال: يا رسول الله ما عمل الجنة؟ قال: الصدق، وإذا صدق العبد بر، وإذا بر آمن، وإذا آمن دخل الجنة«، قال: يا رسول الله، ما عمل النار؟ قال: الكذب، إذا كذب العبد فجر، وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل يعني النار» (رواه أحمد وصححه أحمد شاكر وشعيب الأرناؤوط).
‫ولله در القائل:
‫لا يكذب المرء إلا من مهانته أو عادة السوء أو من قلة الأدب

‫إخوة الإيمان،

‫إن أخطر ما في الإنسان هو جارحة اللسان، إذ به تستقيم الأعضاء أو تعوج، وبه يكرم المرء أو يهان، عن أبي سعيد الخدري ÿ أن النبي ژ قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا» (رواه الترمذي وحسنه الألباني).

‫وهو من أكثر ما يدخل الناس النار، ويجلب عليهم سخط الجبار، فعن أبي هريرة ÿ قال: سئل النبي ژ عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، قال: التقوى وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: الأجوفان: الفم والفرج (رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).

‫ومن هنا أمر الشرع المطهر بحفظ اللسان وحذر من إطلاق العنان له، لئلا يسلك بصاحبه سوء المسالك ويورده شر المهالك، فعن معاذ بن جبل ÿ أن النبي ژ أخذ بلسانه فقال: «كف عليك هذا»، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟ (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).
‫ولا ينحصر هذا الخطر العظيم باللسان فحسب، بل يتحمل الإنسان ما يخطه البنان، وما ترتكبه سائر الجوارح والأركان، فمن يكتب فهو مسؤول عن كتابته خيرا أو شرا، في الصحف أو المجلات، أو وسائل التواصل، فإن من الناس من يستهين بنقل الأحاديث الكاذبة والقصص والحكايات النادرة، والأخبار المرسلة بغير دليل ولا تثبت، فيروجون للباطل والكذب من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وما دروا أن مثل هذه الأباطيل والأضاليل تنتشر انتشار الضوء في الآفاق بضغطة زر أو لمسة إصبع، وقد توعد الشرع من فعل ذلك بالعقاب الأليم، روى البخاري ومسلم بسنديهما عن سمرة بن جندب ÿ قال: قال النبي ژ: إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي انطلق، وإني انطلقت معهما.. إلى أن قال: فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: حتى رأى مناظر ومشاهد عديدة ثم أخبره بها.. ومنها ما قال: وأما الرجل الذي أتيت عليه، يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق.

‫معشر المؤمنين،

‫ولسنا بمنأى عن المسؤولية عن أنفسنا وأعضائنا وجوارحنا، فنحن مسؤولون عن جوارحنا وما يصدر منها، فالعين مسؤولة عما تنظر، والأذن تسأل عما تسمع، واللسان مسؤول عن كل كلمة ينطقها، قال تعالى:
 (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ـ ق:18).
‫أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

‫الخطبة الثانية

‫الحمد لله الذي هدانا للإيمان وأكرمنا بالقرآن، وغمرنا بالفضل والنعم والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الإسلام عصمة لمن تمسك به من الضلال والفرقة والهوان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالرحمة إلى الإنس والجان، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله باللسان والمال والسنان.
‫أما بعد:

‫فاتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، وتمسكوا بدينكم واشكروه على نعمة الإسلام، واحذروا النزاع والشقاق والخصام، واعلموا، أيها المسلمون، أن كل ما يؤدي إلى ائتلاف القلوب ومودتها، واجتماع النفوس وتآلفها ومحبتها، مطلب شرعي ومقصد ضروري، كما أن كل ما يسبب تباعد القلوب وتنافرها، واختلاف الكلمة وتفرقها، وشق الصفوف وتمزقها – أمر محرم في دين الله جل في علاه، فالواجب على كل فرد منا أن يغذي ما يزيد في المحبة والإخاء، ويجمع الشعوب على كلمة سواء، وأن لا يخوض المرء في أمور لا تعنيه، و حقائق قد تغيب عن عقله وناظريه، قال الله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ـ الإسراء: 36).

‫وعلى المرء أن لا يستغله السفهاء والأعداء، فيكون مطية لنشر أضاليلهم، ومعبرا لنقل أباطيلهم، ومعول هدم وتفتيت، وأداة إشاعات مغرضة وتشتيت، فنحن نعيش في عالم لم تعد فيه الفتنة تقتصر على بقعة بمفردها، ولا الكلمة أو الرسالة تتوقف على صاحبها أو في أماكن محدودة، بل صارت الكلمة تبلغ الآفاق في لحظة أو لحظات معدودة، فرب تغريدة تحدث فتنة عمياء، أو مقطع يبعث جاهلية جهلاء، ورب كلمة تحمي شعبا وأمة من عظيم خطر، ورب كلمة تشعل فتنة شعواء لا تبقي ولا تذر، فعن أبي هريرة ÿ عن النبي ژ قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم» (رواه البخاري ومسلم)، فكن أداة إصلاح وتأليف بين القلوب، ولا تكن وسيلة تخريب وإفساد بين الشعوب، ولنتق الله في أنفسنا وألسنتنا، وفي رسائلنا وتغريداتنا وكتاباتنا، ففي التقوى خير كثير، وفي الخوض في الفتنة شر مستطير.

‫اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم اجمع على الحق كلمتنا، واجعل في طاعتك قوتنا، وألف بين قلوبنا، وسدد ألسنتنا، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم وفق أميرنا وولي عهده لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهما للبر والتقوى، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version