يُعد هذا الظهور هو الأول للحركة منذ نحو 6 سنوات، بعد فترة من التراجع والتفكك أعقبت سلسلة من الضربات الأمنية التي تلقتها الحركة، والتي ارتبطت بتنفيذ عمليات اغتيال وتفجيرات خلال الأعوام السابقة.

ويُعيد ظهور الفيديو، الذي أكّد باحثون ومصادر أمنية، أنه صُوّر في ليبيا، طرح تساؤلات بشأن هدفه من هذا الموقع تحديدا.

ويفتح التصوير داخل ليبيا الباب أمام احتمالات عدّة، أبرزها أن الحركة تحاول استغلال حالة الانفلات الأمني في بعض المناطق الليبية.

ماذا حدث؟

في الفيديو، ظهر عدد من العناصر الملثّمين وهم يجرون تدريبات عسكرية باستخدام الذخيرة الحية، إلى جانب راية بيضاء كُتب عليها اسم “حسم”، وفي بيان مرفق، قالت الحركة إن “المنطقة دخلت طورا جديدا تتغير فيه موازين القوى وتُختبر فيه الإرادات والغايات”، مهدّدة بعودة نشاطها المسلح ما لم تُطلق السلطات سراح من وصفتهم بـ”المعتقلين المنتمين لتيارات إسلامية”.

كما أعلنت عما وصفته بـ”عودة بعد كمون وانتظار”، زاعمة أنها استثمرت هذه الفترة في إعادة ترتيب صفوفها، ورصد أهداف جديدة لما أسمته “مرحلة الحسم المقبلة”.

وتعود آخر العمليات المنسوبة لحركة “حسم” الإرهابية إلى عام 2019، حين اتهمتها السلطات المصرية بالتورط في تفجير سيارة بمحيط معهد الأورام وسط القاهرة، ما أسفر عن مقتل 22 شخصًا وإصابة العشرات.

كما نُسبت إليها سلسلة من عمليات الاغتيال، بينها محاولة استهداف مفتي الجمهورية الأسبق الدكتور علي جمعة، والنائب العام المساعد، إلى جانب اغتيال رئيس مباحث طامية بمحافظة الفيوم عام 2016، وهي العملية التي أعقبت إعلان الحركة عن نفسها رسميا.

لكن الحركة تلقت لاحقا ضربات أمنية قوية، شملت تفكيك عدد من خلاياها، وضبط مخازن أسلحة تابعة لها، ما أدى إلى تراجعها بشكل كبير.

ورغم هذه الضربات، ظل قادة الحركة خارج مصر، وعلى رأسهم يحيى موسى، يواصلون التحريض على العنف تحت مسمى “خطة الحسم”، بالتنسيق مع جبهات إخوانية أخرى.

الرسائل والدلالات

الباحث في شؤون التنظيمات الإرهابية والأمن الإقليمي، أحمد سلطان، رأى أن توقيت بث الفيديو يحمل رسائل عديدة، أبرزها التأكيد على أن الحركة لم تنتهِ بعد، وأن لديها خلايا نائمة قد تنشط مجددا إذا توفرت الظروف، لا سيما في حال حدوث فوضى أمنية.

وأوضح سلطان في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن الفيديو المتداول ليس حديثًا، بل تم تصويره قبل سنوات في أحد معسكرات الحركة بليبيا، وجرى الاحتفاظ به ضمن أرشيف “جهاز الإعلام العسكري” التابع لـ”حسم”، بيد أن عدّة أطراف داخل التنظيم كانت تملك نسخة من الفيديو، بينهم قادة الحركة وأميرها، فضلًا عن الجهاز الإعلامي.

وأضاف الباحث أن بثّ الفيديو يستهدف بالأساس تحفيز كوادر الحركة في الداخل، وتأكيد استمرار خيار “العمل المسلح” في مواجهة الدولة، في مقابل الأطراف التي تراهن على المسار السياسي.

لكن في المقابل، شدّد سلطان على أن قدرة الحركة الآن أضعف مما كانت عليه في ذروتها، إذ لم تتمكّن في أوج نشاطها من إحداث تأثير استراتيجي أو عملياتي واسع، بل اقتصر نشاطها على عمليات نوعية محدودة، مثل محاولة اغتيال مفتي مصر الأسبق علي جمعة، وتنفيذ بعض التفجيرات المحدودة.

وأضاف أن الحركة الآن أضعف من أن تؤثر على مجريات الأمور، ومع ذلك، فهذا “لا يعني أنها انتهت”.

“تسليح شكلي”

أما الباحث في الشأن العسكري والأمني، محمد منصور، فقال لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن التسليح الذي ظهر ضمن تدريبات مسلحي تنظيم “حسم” في التسجيل المصور الأخير، كان على المستوى الشكلي خفيفا، ولم يخرج عن إطار ما يمكن أن تتسلح به أية مجموعات إرهابية أو إجرامية محدودة العدد، سواء كانت رشاشات خفيفة أو متوسطة، أو قاذفات قنابل يدوية، أو مدافع هاون، أو قواذف مضادة للدروع.

وأضاف منصور لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن هذا النمط من التسليح، بالإضافة إلى عدد الأفراد الظاهرين في التسجيل، لا يتيح بأي حال من الأحوال القول بأن حركة “حسم” الإرهابية قد استعادت قوامها السابق أو عززت من قدراتها الميدانية.

وأوضح أنه إلى جانب هذه المؤشرات، فإن بعض المشاهد التي ظهرت في هذا التسجيل قد ظهرت بالفعل في إصدارات سابقة للتنظيم خلال فترة نشاطه، ويُرجّح أنه تم تصويرها في مناطق داخل الأراضي الليبية.

وانتهى منصور إلى أن هذه المعطيات تفتح الباب أمام استخلاص نتيجة واضحة، وهي أن هدف هذا التسجيل الجديد للتنظيم “دعائي محض”، ولا يمكن اعتباره مؤشرًا على عودة التنظيم إلى نشاطه السابق، أو حتى على امتلاكه لحرية حركة فعلية في الأماكن التي قد يتواجد فيها عناصره.

وأشار في هذا السياق إلى أن ليبيا لا توفر حاليا أي هامش فعلي لعناصر من هذا النوع للعمل من خلاله، في حين أن الحكومة السورية الحالية تُظهر بوضوح أنها تمنع أية محاولات لتأسيس تنظيمات مناهضة لدول عربية أخرى على أراضيها، وهو ما ظهر جليًا من خلال عدة مواقف سابقة.

“محاولة يائسة”

من جانبه، رأى مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق اللواء محمد نور الدين، أن توقيت نشر الفيديو ليس عشوائيًا، بل يرتبط بالذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو، في محاولة من الجماعة لإثبات الوجود بعد سنوات من التراجع.

وأضاف في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن حركة “حسم” وأشباهها لطالما اعتمدت على فكرة “تحريك الشارع” كوسيلة للضغط السياسي، إلا أن الشارع لفظهم ولم يعد يصدق روايتهم، مؤكدًا أن الشعارات التي رفعتها تلك الجماعات الإرهابية سرعان ما انكشفت وتحوّلت إلى أعمال عنف وتفجير وتخريب.

وأشار نور الدين إلى أن آخر نشاط فعلي معروف للحركة يعود إلى عام 2019، ومنذ ذلك الحين، لم تُسجّل لها تحركات تُذكر، معتبرًا أن مثل هذه الفيديوهات تأتي في إطار محاولة فاشلة للتذكير بـ”الذراع المسلحة لجماعة الإخوان”، على حد تعبيره.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version