انتشرت ظاهرة الـ«فود بلوجرز»، أو «متذوقو الطعام» الذين يتلخص دورهم في الترويج لقوائم طعام وحلوى ومشروبات لمطاعم ومقاهٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتتضمن فيديوهات الترويج والتقييم معلومات خادعة تدفع الأطفال إلى اتخاذ قرارات خطأ، وتؤثر في تفضيلاتهم الغذائية.

ومع تزايد الإقبال على هذه الوجبات، باتت تشكل خطورة على الصحة العامة، لاسيما على الأطفال والمراهقين، وتزايدت مخاوف آباء من وقوع أبنائهم ضحايا «التسويق المضلل» لأطعمة تُشكّل خطراً على صحتهم.

وحذّر أطباء من ظاهرة ترويج المؤثرين الاجتماعيين عبر صفحاتهم المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لأنماط غذائية غير صحية ملأى بالسكريات والدهون.

وتفصيلاً، أكد آباء وأمهات: أحمد الشاذلي ومحمد عثمان ونورا حامد وميار سعد ونهى خليفة، أن النظام الغذائي لأبنائهم من الأطفال والمراهقين، تغير نتيجة تأثرهم بعمليات تسويق الأطعمة غير الصحية التي يقوم بها مؤثرون اجتماعيون عبر ترويجهم لمطاعم ومقاهٍ تُقدّم أصنافاً مختلفة من المأكولات والمشروبات والحلوى، عبر حساباتهم الشخصية التي يتابعها كثيرون، وينخدعون بما يشاهدون، خصوصاً أن آراءهم تتسم بغير المصداقية، حيث يُروّجون لهذه الأماكن بسبب ما يتقاضونه من مقابل مادي نظير رأيهم الذي يساعد في زيادة شهرة المكان.

وأشاروا إلى استهداف المتابعين والشباب بصفة خاصة، بكثير من الصور المغرية لأماكن وأصناف مأكولات وحلوى تُقدّم بمواصفات محددة، بهدف تحريك غريزة حب الاستطلاع وتجربة أشياء جديدة، ما يثير فضول المتابعين لزيارة هذه الأماكن، وتجربة أطباق الطعام والحلوى التي يُروّج لها دون تفكير في الجدوى أو المنفعة.

وأضافوا أن كثيراً من الشباب يُصـرّون على طلب الطعام غير الصحي من المطاعم التي يتم الترويج لها، غير مدركين خطورتها على صحتهم بسبب مكوناتها.

وطالبوا بإلزام المؤثرين الاجتماعيين بالمعايير الموضوعة بشأن الإعلانات التجارية، لضمان مراعاة أولويات الصحة العامة، والتأكد مما إذا كان الشخص الذي يُروج للمطاعم والمقاهي، مرخصاً قانونياً من الجهات المعنية، وحسب القوانين المعمول بها، وله صلاحية ممارسة مثل هذا النوع من النشاط التجاري.

كما حذّر الأطباء من ظاهرة الـ«فود بلوجرز»، وما يقومون به عبر صفحاتهم المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، من ترويج لأنماط غذائية غير صحية ملأى بالسكريات والدهون، عبر تكوينات بصرية جذابة تُعزز الشراهة والاستهلاك غير الصحي للطعام، مشيرين إلى أن خطورة الظاهرة تتمثل في أن الترويج يتم بهدف واحد فقط هو الحصول على عائد مادي من الإعلان، دون النظر في ما يتم الترويج له، ومدى ملاءمته للصحة العامة، إذ يمكن لأي شخص يمتلك عدداً كبيراً من المتابعين أن يُطلق على نفسه هذا اللقب، ويبدأ في عمل إعلانات ترويج للمطاعم.

وقالت استشارية طب الأمراض الباطنية والسمنة، الدكتورة نور ناجي، إن «كثيراً من الوجبات التي يتم الترويج لها تسبب – نتيجة احتوائها على نسب مرتفعة من الدهون أو السكريات – العديد من الأمراض والمشكلات الصحية، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري من النوع الثاني، ومرض الكبد الدهني غير الكحولي، وهشاشة العظام، وزيادة الوزن، ومشكلات الجهاز الهضمي، وارتفاع ضغط الدم، وضعف التركيز، والاكتئاب، إضافة إلى بعض أنواع السرطان».

وأضافت: «يسهم كثير من المؤثرين الاجتماعيين في نشر السمنة والسكري من خلال المحتوى الذي يقدّمونه، والترويج لنمط حياة غير صحي أو لأطعمة غير صحية، ما قد يؤدي إلى تبنّي هذه العادات من قبل متابعيهم، وبالتالي زيادة خطر الإصابة بالسمنة والسكري والعديد من الأمراض الأخرى»، مشددة على ضرورة أن يحتوي الطعام على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم بشكل يومي، «مثل البروتين والماء والدهون الصحية والكربوهيدرات والمعادن والفيتامينات، كما يجب أن يتناسب الطعام ومقدار الطاقة التي يُقدّمها مع مقدار المجهود الذي بذله الجسم».

وأكدت استشارية طب الأسرة، الدكتورة هالة عبدالكريم، أن المؤثرين الاجتماعيين يُسهمون من خلال الترويج لمطاعم ومقاهٍ بعينها، في التأثير في الاختيارات الغذائية والصحة العامة، لأن «المستخدم يقلّد ما يراه جذاباً على وسائل التواصل الاجتماعي لا شعورياً، فهي تدلّه على طرق جديدة في أسلوب الحياة، فيشعر بالرضا عند التقليد أو انتقاء ما يتناوله»، لافتة إلى أن «التعرّض لفيديوهات وإعلانات الوجبات الجاهزة بشكل متكرّر على وسائل التواصل الاجتماعي، يرتبط بشكل مباشر بزيادة استهلاكها، ما يؤدي إلى ارتفاع مؤشر كتلة الجسم، واحتمال الإصابة بالسمنة والأمراض المرتبطة بها».

وقالت: «عندما يتناول الشخص طعاماً غير صحي، يتأثر جسمه بنوعية المأكولات التي أدخلها إليه، وينعكس ذلك على وظائف الأعضاء، خصوصاً عند الاستمرار في هذا السلوك لفترة طويلة»، مشيرة إلى أن «مخاطر الطعام غير الصحي لا تنحصر في زيادة الوزن، بل الأخطر من هذا الضرر هو الأذى الذي يلحق بالصحة نتيجة الإصابة بأمراض متنوعة».

وأفاد استشاري الطب النفسي، الدكتور محمود نجم، بأن «الأطفال والمراهقين هم الأكثر تأثراً بإعلانات الطعام غير الصحي، لأنهم أقل قدرة على التحكّم في أنفسهم، فضلاً عن ميلهم للوجبات السريعة بحكم طبيعة حياتهم، ورغبتهم في البحث عن كل جديد».

وقال إن «تلك الإعلانات تستطيع جذب انتباه الأطفال للأطعمة الغنية بالدهون والسكريات وتشجيعهم على شرائها، على الرغم من أنها أبعد ما تكون عن الغذاء الصحي، وهنا يأتي دور الأسرة لتشجيع الأبناء منذ الصغر على تناول الأطعمة الصحية، وتأكيد أن الطعام غير الصحي هو فقط ما يحتاج للإعلان، وأنه ليس كل ما يشاهدونه في الإعلانات مفيداً».

وأضاف نجم أن ما يبثه المؤثرون الاجتماعيون من الإعلانات يُشعر المتابعين بالجوع والرغبة في تناول وجبات معينة، بغض النظر عن قيمتها الغذائية ومدى فائدتها أو ضررها، محذراً من التأثير النفسي الكبير للدعاية الذي يتركه المؤثر الاجتماعي على متابعيه.

وأكدت أخصائية التغذية، الدكتورة سناء تيسير الكردي، أن «تعرّض الإنسان للمحتوى البصري الخاص بالأكل غير الصحّي يعمل على برمجة اللاوعي وقلب المعايير في الاختيار، ويُسهم في فقدان السيطرة على عادات الأكل الصحية»، لافتة إلى أن «الأكل غير الصحي يحتوي على كميات كبيرة من الكربوهيدرات والنشويات التي تُولّد شعور النشوة والمتعة عند تناولها، بسبب زيادة الدوبامين في نظام التحفيز، ما يُدخل الإنسان في سلوك إدماني ناتج عن التعوّد على أكل ومشاهدة محتوى هذه الأطعمة».

وقالت إن «مخاطر الغذاء غير الصحي تشمل أمراض القلب والشرايين، إذ تعتبر المأكولات الغنية بالدهون من الأسباب الرئيسة لارتفاع معدلات الدهون في الدم، وخصوصاً نسبة الكوليسترول الضار (LDL)، إذ تؤدي إلى انسداد الشرايين من خلال تجمع كتل الدهون فيها. كما تؤثر في حركة القلب وطريقه عمله وخفقانه، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم والسكري والغدة الدرقية، لأن المأكولات الغنية بالدهون والسكريات (أي تلك المصنّفة غير صحية) من المسببات الأساسية للخلل الهرموني في الجسم».

وأضافت أن المخاطر تتضمن أيضاً الإصابة بهشاشة العظام، لاحتواء هذه الأطعمة على كمية عالية من الملح تجعل الجسم يفقد الكالسيوم، ومشكلات الجهاز الهضمي نتيجة افتقار الأكل غير الصحي للألياف، وقد يسبب مشكلات في المعدة مثل عسر الهضم أو الإمساك، وارتفاع مخاطر الإصابة بالسرطان، نتيجة تناول المأكولات الغنية بالدهون غير الصحية، ما يؤدي إلى تأكسد خلايا الجسم وتكاثرها، إضافة إلى زيادة الوزن المتسارعة والانخفاض الكبير في مستوى التركيز، بسبب تناول النوعية السيئة وغير المغذية من الطعام، إذ تحدث قلة تدفق الدم إلى الدماغ، ما يؤدي إلى نقص في التركيز والإنتاجية في الدراسة والعمل، كما يفرز الجسم هرمونات تؤثر في الحالة المزاجية، وأيضاً فإن تناول الأطعمة التي تحتوي على سكريات عالية التركيز يؤدي إلى إفراز هرمون الأنسولين، وهذا له تأثير مباشر في تخزين الدهون في الجسم».

وفي المقابل، أكد عاملون في مطاعم مختلفة: رامي سليمان وسامر تاج الدين وكريم حجو وعمر شاهين وبهاء أحمد، أن «السوشيال ميديا» باتت العامل الأول في نجاح أي مطعم وزيادة الإقبال عليه، وتأتي بعد ذلك جودة الطعام وحرفية الطهاة والديكورات والموقع وغيرها من العوامل، مشيرين أن التسويق حالياً يتم من خلال المؤثرين الاجتماعيين، لقدرتهم على جذب الجمهور للمكان.

وقالوا: «بمجرد حديث مؤثر اجتماعي أو أكثر عن المكان يزداد شغف الشباب بزيارته، ويبدأون بعمل تعليقات على الفيديو فيزداد الانتشار».

وأشاروا إلى أن مبيعات المطاعم المدعومة من مشاهير شبكات التواصل الاجتماعي ترتفع بنسبة تصل إلى 200%، ما يدفع بعض المطاعم إلى الاستعانة بمؤثرين من خارج الدولة، مشهورين على مستوى الوطن العربي، لجذب متابعيهم من الجنسيات الموجودة في الدولة.

وتابعوا أن المبالغ التي يحصل عليها المؤثر الاجتماعي مقابل عمل دعاية للمكان، والأرباح التي يحققها من انتشار الفيديو وعدد المشاهدات، أسهمت في زيادة انتشار ظاهرة «الفود بلوجرز».

جدير بالذكر أن العديد من الدراسات الطبية حذّرت من ظاهرة السمنة المتزايدة في الإمارات، حيث يصاب بها نحو ثلث السكان، ويتأثر بها الأطفال واليافعون بشكل خاص.

وتُشير الإحصاءات إلى أن 27.8% من البالغين في الإمارات يعانون السمنة، فيما يعاني نحو 67.9% زيادة الوزن، وتبلغ نسبة السمنة بين الأطفال واليافعين (الفئة العمرية من 5 إلى 17 سنة) 17.35%.

أهمية الغذاء الصحي

أكد الأطباء أهمية اتباع نظام غذائي صحي لضمان حصول الجسم على ما يحتاجه، حيث تشمل فوائد الطعام الصحي إمداد الجسم بالنشاط والطاقة، وتعزيز عمل الدماغ والخلايا، والحماية من الشعور بالتعب والإرهاق، وتنشيط الدماغ والمحافظة على الصحة العامة للجسم، وتقوية الذاكرة، وتقليل فرص الإصابة بكثير من الأمراض الخطرة والمزمنة، وتعزيز صحة الجهاز المناعي وزيادة فاعليته، إضافة إلى الحماية من مشكلات السمنة وزيادة الوزن والمخاطر المصاحبة لها، مع الحفاظ على صحة القلب والشرايين.

شاركها.
اترك تعليقاً