بقلم:&nbspيورو نيوز

نشرت في

اعلان

منذ مطلع الألفية الثالثة، دخلت المنطقة في دوامات متعاقبة من الحروب، والانهيارات، وصعود الفاعلين من دول عدة، وتبدلات في التحالفات الإقليمية والدولية، وصولًا إلى المواجهة المفتوحة الجارية حاليًا بين إسرائيل وإيران، والتي تشكل ذروة جديدة لمسار طويل من التوتر والتصعيد.

 بدأت موجة التحولات الكبرى في المنطقة بغزو العراق عام 2003، بعد اتهام بغداد بامتلاك أسلحة دمار شامل وتهديدها للأمن العالمي وهي اتهامات ثبُت عدم صحتها مع الوقت، وفي التاسع من نيسان 2003، سقطت بغداد ومعها نظام صدام حسين الذي حوكم وأُعدم بعد محاكمته.

وتولت الولايات المتحدة حكم البلاد لفترة من الزمن برئاسة بول بريمير الذي أشرف على صياغة دستور جديد للبلاد. كما تم تبني علم جديد لم تُكتب له الحياة إلا فترة قصيرة من الزمن واعتُمد العلم السابق بعد التخلص من نجمات حزب البعث الذي حكم العراق لعقود، وشهدت هذه الفترة ظهور جماعات رديكالية بأسماء مختلفة كان أبرزها صعود تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، اللذان غيرا الكثير في شكل الصراع الدولي- الدولي، ليتحول كل الاهتمام لمحاربة هذه التنظيمات الإرهابية.

بعد عشرين عاماً، تعود المنطقة لتدخل في أتون حرب جديدة لكن هذه المرة يطلّ شبح الضربة النووية التي إذا حدثت فستكون لها تداعيات كارثية على الإقليم وما بعده.

فقبل قرابة أسبوع، شنت إسرائيل هجمات غير مسبوقة على إيران واستهدفت قيادات في الصف الأول من الحرس الثوي وعلماء نوويين بارزين. وقد بررت الدولة العبرية ضرباتها المكثفة ضد طهران، بأن البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية يمثل تهديداً وجودياً مباشراً.

وبين الحالتين، يكمن الكثير من أوجه الشبه: الضربة الاستباقية، وانحسار القنوات الدبلوماسية، مع غياب شبه كلي للأمم المتحدة.

 مع تفجّر الانتفاضات الشعبية عام 2011، تفككت أنظمة، وانهارت أخرى، وشهدت بلدان مثل سوريا واليمن وليبيا تحولات دموية ما تزال آثارها قائمة حتى اليوم.

وفي هذه المرحلة تعاظم الدور الإيراني في المنطقة من خلال حلفاء محليين في العراق ولبنان وسوريا واليمن، مقابل ردود فعل خليجية وإسرائيلية، وانكفاء الدور الأميركي التقليدي وتحول واشنطن إلى نهج إدارة الأزمات عن بعد، ما سمح لقوى إقليمية مثل تركيا وإيران وإسرائيل بلعب أدوار أكثر مباشرة.

 في مقابل ذلك، شهدت إسرائيل تحولًا استراتيجيًا في مقاربتها الإقليمية، تمثّل في الانتقال من التعامل مع الدول إلى مواجهة “محور نفوذ” يمتد من إيران إلى لبنان، ومن غزة إلى العراق، في مؤشر أعاد تعريف أولويات الأمن الإقليمي بالنسبة للدولة العبرية، وذلك كله في ظل تراجع مركزية القضية الفلسطينية في بعض العواصم، وتصاعد هواجس التهديد الإيراني لدى دول أخرى.

 أما الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران، فقد انتقلت منذ نحو أسبوع من طور الاستهدافات المحدودة إلى تبادل مباشر للقصف بين الطرفين، في سابقة هي الأولى من نوعها، هذا التصعيد، يأتي في لحظة دقيقة من عمر النظام الإقليمي، الذي يبدو هشًّا وعاجزًا عن استيعاب المزيد من الانفجارات.

 في المحصلة، يكشف مسار الشرق الأوسط منذ عام 2000 عن مشهد دائم التحوّل، تتداخل فيه الأبعاد الأمنية والسياسية والاقتصادية، وسط تراجع قدرة المؤسسات الإقليمية والدولية على احتواء الأزمات. وبينما تتكرّر أنماط التصعيد من دون أفق سياسي، يبدو أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة من الصراعات المفتوحة، قد تكون أكثر تعقيدًا من سابقاتها، وأشد تأثيرًا على مستقبل الاستقرار الإقليمي بل وحتى العالمي.

شاركها.
اترك تعليقاً