بقلم:&nbspNour Chahine

نشرت في

اعلان

وجاء هذا الاتصال عقب زيارة رسمية أجراها سام تورنر، مدير التراخيص العالمي في شركة ستارلينك، إلى بيروت بتاريخ 30 مايو/ أيار 2025، حيث التقى بوزير الاتصالات اللبناني وعدد من المسؤولين الأمنيين.

ولطالما شكّل ضعف البنية التحتية للإنترنت في لبنان إحدى أبرز العوائق أمام النمو الاقتصادي والتحوّل الرقمي. وتشير أرقام أووكلا (Ookla) لعام 2024 إلى أن لبنان يحتل مرتبة متأخرة عالميًا من حيث سرعة الإنترنت الثابت والمحمول. وقد أفاد تقرير نشرته وكالة رويترز بتاريخ 5 يونيو/ حزيران 2025 أن خدمات ستارلينك قد لاقت اهتمامًا في لبنان في ظل تفاقم الشكاوى من سوء خدمات الشبكات الأرضية والانقطاعات المزمنة في مختلف المناطق.

ويُنظر إلى دخول ستارلينك كمصدر أمل لإحداث نقلة نوعية، إذ تقدم الشركة خدمات إنترنت عالي السرعة عبر الأقمار الاصطناعية في أكثر من 70 دولة، وتُعدّ أحد أبرز مشاريع شركة سبيس إكس التابعة لماسك.

دوافع متقاطعة: ماذا يريد كل طرف؟

من جهة ماسك، فإن التوسع في الشرق الأوسط، وبخاصة في مناطق تمر بظروف تقنية أو سياسية معقدة، يُعد جزءًا من خطة لتوسيع قاعدة مستخدمي ستارلينك، بعد نجاحات مشابهة في أوكرانيا، وفق ما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال في تقريرها المؤرخ بـ21 أبريل/ نيسان 2024.

أما من جهة الدولة اللبنانية، فإن المشروع قد يفتح الباب أمام استثمارات تكنولوجية أجنبية نوعية، ويُعيد بعض الثقة إلى الاقتصاد الرقمي، خاصة في مجالات التعليم عن بُعد وريادة الأعمال. كما ذكرت صحيفة النهار اللبنانية في تقريرها الصادر في 4 يونيو/ حزيران 2025 أن الرئاسة اللبنانية تنظر بإيجابية إلى التعاون التقني مع شركات عالمية بشرط احترام السيادة الرقمية والقانون المحلي.

الإنترنت الفضائي يربك المشهد التنافسي الداخلي

من شأن دخول ستارلينك أن يعيد خلط الأوراق في سوق الاتصالات المحلي، خصوصًا بالنسبة لشركتي ألفا وتاتش المشغلتين الأساسيتين لشبكات الاتصالات الخلوية في لبنان. وبينما تعاني الشركتان من تحديات مالية وتقنية مزمنة، قد يُنظر إلى ستارلينك كعامل منافسة خارجي قد يُسرّع في وتيرة التحوّل نحو الخدمات الرقمية الحديثة، أو يُعرّض مصالح هذه الشركات للانكماش إذا لم تتكيّف سريعًا مع الواقع الجديد. ويرى مراقبون أن أي إدخال غير منسّق لخدمات الإنترنت الفضائي قد يفتح سجالات بين القطاعين العام والخاص حول تنظيم السوق، والتوزيع العادل للبنية التحتية، وحقوق المستخدمين.

ويثير الحديث عن البنية التحتية الرقمية في لبنان حساسيات قديمة. ففي 7 مايو/ أيار 2008، قررت حكومة فؤاد السنيورة آنذاك إقالة مسؤول أمني في مطار بيروت ومصادرة شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله، ما أدى إلى مواجهات دامية في بيروت كادت تجر البلاد إلى حرب أهلية. ولا تزال تلك الحادثة حاضرة في الذاكرة السياسية اللبنانية، وتُستخدم حتى اليوم كسلاح في السجالات حول مفهوم السيادة الرقمية وشرعية الرقابة على شبكات الاتصالات.

وفي ظل الحديث الحالي عن دخول ستارلينك وتحوّل التحكم في الإنترنت إلى خارج الأراضي اللبنانية، تعود تلك المخاوف إلى الواجهة، لا سيما من قبل قوى ترى في استقلالية البنية التحتية الرقمية جزءًا لا يتجزأ من معادلة التوازن السياسي. ومع تغيّر المعادلات الإقليمية وتراجع تأثير حزب الله داخليًا وخارجيًا، يبدو أن تجربة “7 أيار” لن تتكرّر بالحدّة نفسها، لكنها تظل مرجعًا يُستحضر عند كل منعطف سيادي جديد.

التحديات التنظيمية والسيادية

ورغم التفاؤل، لا تزال هناك مخاوف تتعلق بالسيادة القانونية والرقابة على البيانات. حيث أفاد تقرير لموقع تيك مغازين (TechMGZN) بتاريخ 5 يونيو/ حزيران 2025 أن ستارلينك طلبت تشغيل خدماتها عبر محطات أرضية قد تكون متمركزة خارج لبنان، ما أثار مخاوف داخلية حول التحكم في حركة الإنترنت محليًا.

وفي السياق ذاته، عبّرت جهات فاعلة في قطاع الاتصالات المحلي، منها هيئة أوجيرو، عن تحفظات تتعلق بإمكانية تعارض المشروع مع التراخيص الحالية.

وفي حال تم تجاوز العوائق التقنية والتشريعية، قد يشهد لبنان دخولاً رسميًا لعصر الإنترنت الفضائي خلال 2025، مما سيُحدث نقلة في التعليم الرقمي، وخدمات الحكومة الإلكترونية، ويُعيد دمج لبنان في الأسواق الرقمية الإقليمية.

لكن يبقى هذا مرهونًا بقدرة الحكومة اللبنانية على إيجاد توازن بين الحاجة الملحّة لتحديث البنية التحتية وبين احترام الأطر القانونية والتنظيمية، خاصة في ظل الرقابة الشعبية والسياسية المشددة على ملفات سيادية كهذه.

شاركها.
اترك تعليقاً