من الآن وحتى العام 2028 سيكون الرئيس التركي رجب أردوغان في فسحة من الوقت من أجل إعادة ترتيب الأوراق الداخلية والإقليمية والدولية، بعد أن أنهى معركة انتخابية مع المعارضة كادت أن تغير وجه تركيا بعد أن رسم أردوغان شكل هذا البلد على مدى عقدين من الزمان.
والسؤال اليوم بعد أن ارتاح أردوغان من حرب الخصوم: ما هي الأولويات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تواجه الرئيس التركي، في ظل التغيرات العالمية على مستوى التحديات وعلى مستوى شكل العالم الجديد بعد الحرب الأوكرانية الروسية، وكذلك التحديات الإقليمية المحيطة بتركيا، وبطبيعة الحال التحدي الاقتصادي الأبرز في ظل تهاوي مستوى الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها أمام العملات الأجنبية.
في خطاب النصر والفوز بالانتخابات، أكد الرئيس أردوغان أن حكومته ستسخّر كل إمكاناتها خلال الفترة القادمة من أجل النهوض بالاقتصاد وتأهيل المناطق التي دمرها الزلزال.
وخلال كلمة له في المجمع الرئاسي التركي في العاصمة أنقرة، أمام حشد كبير من أنصاره عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية، قال الرئيس التركي: إن المسألة الأهم في الأيام القادمة هي حل مشكلات زيادة الأسعار الناجمة عن التضخم.
نعم إنه الاقتصاد الذي يحسب له الشعب التركي ألف حساب قبل السياسة الخارجية، إذ إن العامل الاقتصادي في كل مرة هو ما يميز الإدارات التركية على مر السنين، وهذا ما مكّن أردوغان من كسب أعلى شعبية في تاريخ تركيا الحديث منذ أن تولى بلدية إسطنبول في التسعينيات.
يدرك الرئيس التركي أن أصوات الناخبين تمر عبر البطون والخبز، لذلك منذ البداية ركّز في أحاديثه على محاربة التضخم وتمكين الاقتصاد التركي وهي البوابة الوحيدة لبقاء حزب العدالة والتنمية في السلطة حتى ما بعد حكم الرئيس التركي الآن.
على مستوى الحكم وإدارة الملفات الخارجية، عرف الرئيس التركي أنه لا يرغب بالقيادة في ظل الحكومات الائتلافية، ويفضل اتخاذ القرارات مع مستشاريه من دون الدخول في نقاشات عميقة قد تضعف نفوذه في السياسة الخارجية، ومع فوزه بالرئاسة والأغلبية البرلمانية فإنه اليوم في أفضل الأحوال السياسية، إذ ما زال الرجل الأقوى في البلاد، وهذا لن يعيقه عن ممارسة سياسته الخارجية في كثير من الملفات السياسية.
وخلال السنوات الماضية، عزز الرئيس التركي حضور بلاده على المستوى الخارجي، إذ كانت السياسة الخارجية التركية لها أولوية في حسابات أردوغان الذي اكتسب خبرة سياسية كبيرة في التعامل مع الدول، ولعل التوازن التركي في الحرب الروسية الأوكرانية كان من أهم ميزات السياسة التركية، فلا يريد الرجل خسارة روسيا الحليف المهم في سورية، وفي ذات الوقت لا يريد أن يذهب بعيداً عن حلف شمال الأطلسي «الناتو» الذي تُعتبر تركيا عضواً فيه، وحتى الآن يستمر الأمر بشكل جيد لكن لا أحد يعرف متى يُفرض على تركيا الوقوف إلى جانب طرف واحد فقط.
ويمكن القول؛ إن من أكثر الملفات الحاضرة على طاولة الرئيس التركي اليوم هي المسألة السورية والعلاقة مع الجارة اليونان، باعتبارهما بلدين جارين ويلامسان الأمن القومي التركي بشكل مباشر، ومع أن التوتر مع اليونان التاريخي لا يزال مسألة ذات أهمية في السياسة التركية، إلا أنها تبقى تحت قبة حلف الناتو الذي يضم الدولتين، لكن المشكلة المستعصية حتى الآن هي الأزمة السورية التي أرهقت تركيا على مدار عقد ونيف من الزمان، خصوصاً في ظل المتغيرات الإقليمية الأخيرة والتوجه الدولي للتطبيع مع الحكومة السورية، إلا أن هموم تركيا تفوق كل الهموم الأخرى في سورية مع وجود نحو أربعة ملايين لاجئ سوري باتوا جزءاً من اللعبة السياسية في تركيا.
التوتر مع اليونان والتعامل مع الأزمة السورية والتطبيع مع حكومة دمشق من أهم الملفات الساخنة في تركيا، وهذه جزء بسيط من تحديات تركيا لكنها الأقرب إلى الطاولة الرئاسية في هذه المرحلة الراهنة، إذ إنها من أهم الأولويات الأمنية المصنفة لدى أنقرة، خصوصاً الخاصرة الجنوبية في سورية، ولعل الوقت مناسب ووفير للرئيس التركي للتعاطي مع هذين الملفين على مدار السنوات القادمة، وقد عرف عن أردوغان قدرته على المساومة والمكاسب في أحلك الظروف، فهل يكون عهد الرئيس التركي هذه المرة يحمل التهدئة على المستوى الدولي وتصفير المشكلات أم أنه يمضي في موجة التحدي ضد الغرب؟!