سجل المشهد العقاري السكني في السعودية تحولًا استثنائيًا في موازين النشاط، حيث صعدت المدينة المنورة لتتصدر قائمة الأسواق الأكثر حيوية خلال النصف الأول من العام الجاري، متجاوزة العاصمة الرياض التي اعتادت أن تكون المحرك الرئيسي للنمو العقاري في المملكة على مدى السنوات الماضية.

واعتبرت وكالة بلومبيرغ في تقرير لها أن هذا التحول، يعكس ديناميكيات جديدة في الطلب والقدرة الشرائية، كما يكشف عن تأثير واضح للإصلاحات الأخيرة التي سمحت بجذب استثمارات محلية وأجنبية إلى المدن المقدسة.

صعود قوي للمدينة المنورة

ووفقًا لبيانات شركة “نايت فرانك” للاستشارات العقارية، قفزت قيمة الصفقات في المدينة المنورة بنسبة 49% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في حين ارتفعت أحجام المعاملات بنحو 38%، لتتفوق على جميع المدن الكبرى بما فيها الرياض وجدة ومكة والمنطقة الشرقية.

وقال فيصل درّاني، رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط في الشركة ومقرها لندن، إن “الطلب كان الأعلى في المدينة المنورة، إذ سارع بعض المشترين لتأمين منازل قبل دخول المستثمرين الأجانب المحتمل، في حين استبق البائعون لإتمام الصفقات مستفيدين من ارتفاع الأسعار”.

إصلاحات تجذب المستثمرين

التقرير أوضح أن السعودية خففت مؤخرًا القيود في المدينة المنورة ومكة، لتسمح للأجانب بالاستثمار في شركات التطوير العقاري بالمدينتين المقدستين.

كما أقرت المملكة قانونا جديدا يسهل على الأجانب تملك العقارات في مراكز رئيسية مثل الرياض، في إطار مساعيها لزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي. وأشارت بلومبيرغ إلى أن هذه الإصلاحات تأتي في وقت تشهد فيه المملكة طفرة عمرانية ضخمة لتلبية احتياجات السكان المتزايدين وتعزيز نسب تملك المواطنين للمساكن.

دُرّاني أضاف أن “كثيرًا من المسلمين الميسورين خارج المملكة يبدون اهتماما بامتلاك عقارات في مكة والمدينة، غالبًا لأسباب شخصية مثل التقاعد”، مشيرًا إلى أن ذلك يحفز موجة جديدة من المشاريع، من بينها مشروع “رؤى المدينة” الضخم التابع لصندوق الاستثمارات العامة.

تباطؤ في الرياض

في المقابل، شهدت العاصمة الرياض تراجعا ملحوظا في نشاط السوق العقاري بعد سنوات من التوسع السريع، إذ انخفضت أحجام الصفقات بنسبة 31% في النصف الأول من العام، وتراجعت القيم بنحو 20%، بحسب “نايت فرانك”.

وذكرت بلومبيرغ أن تضاعف أسعار المساكن تقريبًا منذ عام 2019 جعل مسألة القدرة على تحمل التكاليف مصدر قلق متزايد، مما دفع الكثير من المشترين إلى تأجيل قرارات الشراء.

ورغم هذا التباطؤ، شددت “نايت فرانك” على أن ما يحدث في الرياض يمثل “تعديلًا طبيعيًا للسوق وليس ضعفًا جوهريًا”، مؤكدة أن أسعار الشقق والفلل واصلت الارتفاع خلال النصف الأول من 2025، وإن بوتيرة أبطأ.

أهمية القطاع العقاري

ويعد القطاع العقاري السعودي من أهم القطاعات التي تسهم في تحقيق رؤية 2030 التي تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة.

وتمثل السعودية وجهة مهمة للمستثمرين العقاريين من جميع أنحاء العالم، خاصة في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة اللتين تحظيان بأهمية كبيرة عند المسلمين.

ووفقا لخبراء، يهدف السماح باستثمار غير السعوديين في الشركات التي تملك عقارات بمكة والمدينة إلى تعزيز مكانة السعودية كوجهة استثمارية جاذبة.

ويهدف هذا القرار أيضا إلى زيادة الناتج المحلي وتوفير فرص عمل، وتحفيز التنمية الاقتصادية في القطاع العقاري من خلال توفير تمويل جديد للشركات العقارية، مع فتح خيارات استثمارية للمستثمرين الأجانب في الشركات العقارية المدرجة.

ويتوقع أن يحقق القرار عوائد إيجابية للقطاع العقاري في السعودية، خاصة في مدينتي مكة والمدينة، ومن بين هذه العوائد زيادة الطلب على العقارات في المدينتين المقدستين، وتعزيز الاستثمار في المشاريع العقارية الجديدة من خلال توفير مصادر تمويل جديدة للشركات، إضافة إلى تحسين الخدمات العقارية في المدينتين.

شاركها.
اترك تعليقاً