لقصص النجاح بريق جذاب، لذلك احتلت مكانة كبيرة بين أفلام السينما الأميركية، خاصة عندما تنقلب حياة أشخاص رأسا على عقب نتيجة لكفاح أو قرار سليم. ويشاهد جمهور السينما حاليا إحدى هذه القصص في فيلم “آير” (Air) أو “قفزة إلى العظمة” الذي حظي بعرض سينمائي محدود، ثم انتقل إلى منصة “أمازون برايم فيديو” (Amazon Prime Video).
فيلم “قفزة إلى العظمة” من إخراج “بن أفليك” وبطولته مع كل من “مات ديمون” و”فيولا ديفيس” و”جيسون بيتمان”، ورغم مدة العرض السينمائي القصيرة للغاية، فإنه حقق إيرادات غطت ميزانيته ونال تقييم 92% على موقع “روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes).
فيلم “آير” وقصة نايكي ومايكل جوردان
يدور فيلم “آير” حول واحدة من أشهر عمليات استقطاب الرياضيين في التاريخ، عندما وقّعت شركة “نايكي” عقدها مع أسطورة كرة السلة مايكل جوردان، وأصدرت أحذية “آير جوردان” التي هزت العالم.
تبدأ القصة بشركة “نايكي” التي لا تستطيع منافسة العملاقة “أديداس”، ولكن يأخذ سوني فاكارو أحد موظفيها على عاتقه إقناع الإدارة بتقديم عرض لمايكل جوردان، والتواصل مع والدة الأخير لتغض الطرف عن المزايا التي تقدمها الشركات الأخرى.
كيف تقدم قصة يعرف عنها الجميع، بصورة مثيرة؟ ذلك هو التحدي الأهم الذي واجهه المخرج بن أفليك خلال عمله على مشروع الفيلم، خاصة أن الجمهور الأميركي عايش تفاصيل ما جاء بالفيلم بالفعل، بالإضافة بالطبع لصعوبة تقديم قصة ذروتها توقيع عقد مع لاعب كرة سلة فقط.
إن سر ما وصل إليه فيلم “آير” من نجاح يتمثل في قدرته على تحويل غير المثير إلى مثير، من قصة لا تحمل تهديدات بالموت أو البؤس، إلى عمل تتعلق بأبطاله، وتتمنى تحقيق ما يرغبون فيه. فالأفلام تتطلب درجة من التماهي بين المشاهد والشخصيات، بالإضافة إلى تصديق هموم هذه الشخصيات، وهو ما قام به الكاتب أليكس كونفيري عندما وضع تحديات في حياة كل من شخصياته تجعل من إتمام الصفقة ضرورة بالنسبة لهم، مثل إحساس “سوني” بالإخفاق، أو مخاوف مؤسس “نايكي” رجل الأعمال “فيل نايت” من المنافسة الشرسة مع “أديداس”.
تحية للثمانينيات
منذ المشاهد الأولى من الفيلم يتضح اهتمام المخرج بن أفليك والمصور روبرت ريتشاردسون بتعبير الصورة السينمائية عن حقبة الثمانينيات، فيبدأ الفيلم بمونتاج افتتاحي مطول يظهر فيه الكثير من الأشخاص والعلامات الدالة على هذه الحقبة مثل المصارع هالك هوغان، أو الرئيس ريغان والأميرة ديانا، وتحفل الموسيقى التصويرية بأغاني الثمانينيات.
ويأتي استحضار هذه الفترة بطرق مسلية، كما هو الحال في بعض النكات التي لا يمكن أن يتفاعل معها أو يتلقاها سوى من عايش هذه الحقبة، ولكن بشكل عام ليس على المشاهد أن يعرف أي شيء عن كرة السلة أو هذا العصر على وجه الخصوص للاستمتاع بالفيلم، ولكن هناك الكثير من المتعة الإضافية إذا كان يعلم هذه الأشياء.
والزمن الذي يمثله الفيلم لا يبرز فقط في الملابس أو الموسيقى، ولكن كذلك في أهمية الصفقة التي غيرت شكل وطبيعة الصفقات الرياضية، فقبل تلك الصفقة كان الرياضيون لا يحصلون على نسب من إيرادات العلامات التي يمثلونها، وهي الخطوة التي أصرت عليها والدة جوردان وضمنت له مكاسب مهولة طوال حياته، واتّبع هذه السنّة باقي اللاعبين من بعده.
“آير” ليس مجرد سيرة ذاتية
“آير” ليس فيلم سيرة ذاتية عن مايكل جوردان، إنما فيلم سيرة ذاتية عن الصورة “الظلية” التي تم وضعها على كل زوج من أحذية “آير جوردان” (Air Jordan) التي اشتهرت بها شراكة جوردان ونايكي، إنه حكاية كيف يسير التصميم والتسويق وإدارة الأعمال جنبا إلى جنب للمساعدة في تحويل لاعب كرة سلة إلى أيقونة عالمية.
وكان أمام بن أفليك خيار آخر، وهو ظهور مايكل جوردان سواء بنفسه، أو ممثل يقوم بدوره، فهو رغم اعتزاله منذ سنوات لا يزال محتفظا بشعبية واسعة كأيقونة كرة السلة، لكن المخرج اختار أن يركز الفيلم على الصفقة ذاتها، وليس عن قصة صعود النجم الرياضي، وبالتالي جعل شخصية والدة جوردان أساسية، فهي من تدير المفاوضات بالفعل.
واعتمد الفيلم كذلك بشكل أساسي على حيوية الأداء وموهبة أبطاله، فكان أحد عوامل جاذبية الفيلم التناغم بين كل من بن أفليك ومات ديمون، وهما الصديقان بالفعل في الحياة الحقيقية، والشريكان الفنيان منذ بدايتهما، بالإضافة إلى الأداء الواثق والديناميكي لفيولا ديفيس التي اختارها اللاعب مايكل جوردان بنفسه لتؤدي دور والدته.
وواحدة من أكثر اللحظات التي لا تنسى في فيلم “آير” المونولوج الذي قدمه ديمون بشغف في دور سوني فاكارو، وفيه يخبر جوردان كيف سيسمح الحذاء للناس من جميع أنحاء العالم بالحصول على قطعة خاصة بهم من عظمته، مما يضيف معنى إلى حياتهم، بالإضافة إلى النقاش النهائي عبر الهاتف بين سوني ووالدة جوردان الذي أداره بن أفليك بصورة تصنع الإثارة من محادثة هاتفية رسمية.
“آير” فيلم خفيف يسير بإيقاع متوازن يجعل الساعتان تمران بشكل سريع للغاية، ويغير في الشكل التقليدي للأفلام الرياضية، أو أفلام الصفقات، ويجعل المشاهدين مستمتعين بمزيج من المونولوجات الكوميدية والحوارات الدافئة، التي يتخللها حنين إلى الثمانينيات.